شكل خروج النائب السابق سعيد نفاع من السجن، بعد مرور عام من جلوسه خلف القضبان، محطة بارزة في مسيرة مشروع التواصل القومي، الذي كان قد أطلقه برفقة مجموعة من أحرار الطائفة الدرزية، الذين رفضوا الخضوع لهيمنة المؤسسة الإسرائيلية وزعانفها، وأصروا على تحرير الدروز من فلك المخطط الذي رسم لهم من قبل الحركة الصهيونية.
أقض مشروع التواصل مضاجع المؤسسة الإسرائيلية لأنه مثل تحديًا جديًا لسياستها تجاه الطائفة الدرزية، فعملت على محاربته بشتى الطرق من خلال أزلامها الدروز، الذين سعوا إلى إفشال المشروع ووضع العقبات في وجهه دون جدوى، واستمر المشروع وحقق نجاحات باهرة رغم أنف المؤسسة وأزلامها، الأمر الذي أدى إلى تصعيد الحملة ضد مشروع التواصل من خلال تقديم 16 شيخًا والسيد نفاع للمحاكمة في محاولة لترهيبهم وثنيهم عن مواصلة المسيرة.
من المعروف أنه تم إبطال إدانة المشايخ في أعقاب الهبة الجماهيرية التي حصلت في القرى الدرزية، واضطرت النيابة العامة إلى إعادة حساباتها في هذا الملف في ضوء النقمة الشعبية التي أثارها داخل الطائفة الدرزية، وجرى فيما بعد الاستفراد بالسيد نفاع وقررت المحكمة سجنه لمدة عام، ولا شك أن هذا القرار ما كان ليتخذ لولا رغبة "القيادات الدرزية"، التي كانت معنية بسجن نفاع لأنه غرد خارج سربها وتمرد على المسلمات الرجعية التي رسختها في المجتمع الدرزي.
لقد استهجن البعض عدم حضور "القيادات الدرزية" لاستقبال سعيد نفاع، وغاب عن بال هؤلاء أن تلك "القيادات" تخضع لأوامر أسيادها الذين يقومون بتحريكها مثل أحجار الشطرنج، ومما لا شك فيه أنه إذا تم تخييرهم بين تنفيذ سياسة المؤسسة أو الوقوف إلى جانب مجتمعهم سيميلون إلى الخيار الأول، لأنهم انغمسوا في التواطؤ مع السلطة ضد مصلحة طائفتهم، ومن السذاجة الاعتقاد بأن هذه "القيادات" حريصة على كرامة وهيبة الطائفة التي نصبت نفسها وصية عليها.
أعتقد أن سعيد نفاع دفع ثمن تصديه لسياسة المؤسسة الإسرائيلية، لكنه خرج من السجن منتصرًا على سجانه، لأنه علم المؤسسة درسًا بأن أساليب القمع والترهيب لا تجدي نفعًا مع الأحرار، الذين اختاروا طريق التحدي والمواجهة، وأبوا الاستسلام لسياسة التجهيل وتشويه الهوية، التي تنتهجها السلطة بحق الطائفة الدرزية، وبذلك ينضم لقافلة المناضلين الدروز أمثال الشيخ فرهود فرهود والشهيد عاصم الخطيب والشاعر سميح القاسم.
من المؤكد أن انتصار نفاع يشكل هزيمة نكراء لليمين الدرزي المتواطئ مع السلطة في سياستها تجاه الطائفة الدرزية، لأن اليمين غارق في الولاء لأسياده ويناصب العداء للأحرار الذين يأبون الضيم ويدافعون عن كرامة مجتمعهم، ومن نافلة القول بأن مشروع التواصل الذي أطلقه نفاع يعتبر النقيض الفعلي لمشروع السلطة وأزلامها، الذي يرمي إلى عزل الدروز عن محيطهم العربي، وخلق وعي درزي زائف لا يمت بصلة للهوية الدرزية الحقيقية التي تبلورت على مدار مئات الأعوام.