وقف أمام المرآة متأملا، ابتسم، تلمس شاربه بسبابته وإبهامه، في حركة دائرية، مبتدئا ً بملامسة إبهامه لسبابته تحت انفه مباشرة ثم فرقهما للأسفل ليعودا ويلتقيان أسفل الذقن، يا الله ما أجمل الشارب، انه علامة الرجولة، لم اعد طفلا...
توقف متأملا حاجبه ،عريضاً بعض الشيء ، توقفت عيناه عند الشعرات المتفرقات على وجهه، تلمس الشعرات بيديه باسما ،جميل لا باس سأطلب من والدي أن يسمح لي بحلاقة ذقني- نعم يجب أن أبدا بحلاقة ذقني ،أنا في الصف العاشر ، زميلي بدا بحلاقة ذقنه في الصف التاسع ... ابتسم أمام المرأة ابتسامة راضية وغادر بعد أن وضع القليل من "الجل" ليرفع شعراته فأصبح كالقنفذ...
قالت له معلمته: "أنت حقا قنفذ جميل، لكنك مليء بالأشواك، ما إن يلامسك أو يداعبك احدهم حتى يصرخ من الألم... ما هذه الخشونة ؟!" أجابها بصوته الجهوري "هكذا أنا...هه هه ...
ما الذي حدث لي ؟! الجميع يقول لي "لقد كبرت بسرعة ... أصبحت رجلاً آه لقد بدأت أراقب الفتيات ... آه كنت اكرههن قبل سنة، الآن أراقبهن وابحث عن الفرق بيننا... ما ألطفهن وما أجملهن ...
قبل سنة لم اهتم بنفسي ولترتيب ملابسي، الآن يجب أن ابحث عن الأفضل والأجمل.
أمي تحتار في أمري، تراني ابنها الصغير، وتشعر بي رجلا يكبر كل يوم... تعاملني كطفل صغير و تدللني وتصرخ بي كرجل كبير حين أخطئ وتوبخني قائلة :"ألا تخجل ؟! لم تعد طفلا صغيرا" وأنا بين دلال أمي لي وبين صراخها بوجهي بت اجهل من أكون...
معلمتي التي علمتني قبل سنة ترمقني بنظرات غير مصدقة ... "انه يكبر بسرعة لم يعد ذاك الطفل الوديع... في عينيه نظرات تحد فيها رجولة ..أخشاه أحيانا يجب أن أعامله باحترام، بالفعل هو بالغ يناقش بمواضيع في غاية الأهمية وبصورة تنم عن فهم وذكاء..."
جاره يناديه ليشرب القهوة معه ،انه نعم الجار يفهم أهمية هذا الجيل وأهمية إعطاء النصح والاحترام له ،انه يحترم جاره الذي يعامله ويشاوره في أمور الحديقة والمدرسة وأعباء الحياة ...
أما جارته التي تصغره بسنة فإنها تنكس وجهها كلما مر من جانبها وتحمر وتغوص مختبئة وراء الجدار ،ترمقه بنظرات إعجاب ،تتمنى أن تسمع كلامه وحديثه ،وهو بدوره يفتش في عينيها عن سر لا يبوح فيه لأحد بوده سؤالها سؤالا واحدا " هل هي أيضا تشعر برجفة عندما تلمحه ؟
أصدقائه في الحارة ،قسم مازال يجلس أمام الحاسوب يلعب لعبة كرة قدم ،وقسم يركب الدراجة أمام المنزل وقسم صغير ينتظره كل مساء ليجلس إلى جانبه ليتحدثا عن الجديد من الأخبار وليتبادلا بعض المقاطع في البيليفون عن طريق البلوتوث ...
هو يبحث عن نفسه كل مساء ويشعر انه يكبر ...
يعود قبل النوم يقف أمام المرآة ،ينظر إلى شاربه وذقنه ... يتناول آلة الحلاقة ،يضع القليل من المعجون ويبدأ بحلاقة ذقنه ..."من قال انه يجب علي أن أشاور أبي في أمر يخصني ؟! ،الشارب شاربي والذقن ذقني وأنا حر في أمري" يبتسم فرحا – يشعر بالانتصار- يزيل بقايا الشعر عن ذقنه ،وتحت انفه يغسل وجهه يضع القليل من "الكولونيا" ...
يبتسم ، يغادر المرآة يقف أمام والده منتظرا انتقاده ،إلا أن والده يفاجئه "نعيما نعيما لقد صرت كبيرا يا غالي ما شاء الله نعيما ..."
يقترب من والدته يطبع على جبينها قبلة ويقترب من والده مبتسما وبلهجة المنتصر يهمس "تصبحون على خير... تصبحون على خير