بقلم زياد شليوط
أهداني صديق عزيز مؤخرا كتابا قديما يحتفظ به، هو كتاب "فلسفة الثورة" للقائد العربي الخالد جمال عبد الناصر باللغة العبرية، قائلا أنه اشتراه من أحد معارض الكتب التي تعرض الكتب القديمة، وقدمه لي كي أحتفظ به لما يعرفه عني من أني أجمع وأحتفظ بأي مادة تتعلق بعبد الناصر، ربما لم أستغرب منه هذه الخطوة لكني شكرته على هذه الهدية القيمة.
وبعدما عدت للبيت أخذت الكتاب وتأملته، فهو من القطع الصغير وعلى الغلاف ثبتت صورة جمال عبد الناصر واسمه أعلاه وتحت الصورة اسم الكتاب، وأسفله وبخط صغير كتب اسم "جيش الدفاع الاسرائيلي" مع شعاره الذي اشرف على اصدار الكتاب وشعار دار النشر، وفي الغلاف الداخلي ثبت تاريخ اصدار الكتاب، تموز 1961 ( فهل كان ذلك مصادفة أن يصدر الكتاب بالعبرية في شهر الثورة؟).
بعد ذلك كتب اللواء حاييم هرتسوغ ( الذي أصبح فيما بعد رئيسا لدولة اسرائيل) افتتاحية للكتاب، جاء فيها " الكراسة التي أمامنا "فلسفة الثورة" لعبد الناصر، لم تأت لتقدم مبدأ عاما. انما هي محاولة من قبل المؤلف لتعريف أهداف النظام الذي أقيم عام 1952 في مصر وسيطر في 1958 على سوريا." من الواضح أن هرتسوغ يكتب هذه الكلمات من منطلق عدائي وهي موجهة لجنود الجيش الاسرائيلي، لذا تتميز كلماته بالديماغوغية وتشويه الحقائق، فهو أولا يعتبر الثورة المصرية مجرد "نظام" أقيم في مصر، ويعتبر الوحدة المصرية- السورية التي قامت عام 1958 وبطلب والحاح من السوريين، يعتبرها كما كانت تروج الدعايات الغربية المعادية "سيطرة" من مصر على سوريا، وعلينا ألا نستغرب ذلك الكلام!
ويواصل هرتسوغ في افتتاحيته بعد التنويه الى موعد اصدار الكتاب بالعربية منوها الى أنه يعكس المباديء التي يؤمن بها عبد الناصر، فيتحدث عن أهمية عبد الناصر في الجمهورية العربية المتحدة، في العالم العربي، في أفريقيا وفي كتلة عدم الانحياز التي لا تحتاج إلى اثبات أو برهان، ومن هنا أهمية التعمق في هذا الكتاب الذي يسميه "كراسة"، لأنه " نجد فيها مفتاحا لكثير من الأحداث التي تجري وراء حدودنا." اذن هي محاولة لمعرفة "العدو" وما يفكر فيه ويخطط له، وحقيقة أن اسرائيل كانت تدرس أعداءها وتتابع كل ما ينشر ويصدر في العالم العربي، وتترجمها وتنشرها في أوساط معينة، ولا شك أن ترجمة كتاب "فلسفة الثورة" جاءت لتعزز من حملة الكراهية للقائد القومي عبد الناصر، الذي كان يشكل بسياسته ومواقفه الثابتة "خطرا" على اسرائيل كما رآه زعماؤها والغرب الاستعماري بأسره، لذا عملوا وبذلوا كل ما يستطيعونه لاسقاطه واسقاط نظامه، ولا شك أن العدوان الثلاثي الذي شاركت في كل من بريطانيا وفرنسا واسرائيل على مصر عام 1956، بعد قرار تأميم قناة السويس أكبر دليل على تآمر الغرب واسرائيل على عبد الناصر وكل ما يمثله من كرامة عربية، خاصة أن اسرائيل لم يكن لها أي شأن مباشر في مسألة تأميم القناة التي سيطرت عليها بريطانيا وفرنسا، إلا منع مصر بقيادة عبد الناصر من التقدم على درب الاستقلال التام وبناء قوتها الاقتصادية والعسكرية الذي اعتبرته مصدر "خطر" على وجودها. وبعد ذلك جاء عدوان حزيران عام 1967 الذي نفذته اسرائيل بدعم أمريكي مباشر ودعم بريطاني وفرنسي غير مباشر، للانتقام من عبد الناصر، وفي محاولة أخرى لاسقاطه واسقاط نظامه المتصدي للمؤامرات الغربية.
ولم يتضمن كتاب "فلسفة الثورة" باللغة العبرية ترجمة للكتاب نفسه انما ألحق به ملحق تضمن ترجمة للرسالة التي وجهها عبد الناصر للملك حسين في آذار 1961، في عهد الوحدة ردا على رسالة للملك حسين، وقدم عبد الناصر فيها توضيحات لجلالته حول أهداف الجمهورية العربية المتحدة، وقد وردت في الكتاب كما يقول كاتب الافتتاحية هرتسوغ لأنها تثبت أن التوضيحات تكمل ما جاء في الكتاب من مباديء وأفكار، وواصل في افتتاحيته أن "النظام في الجمهورية العربية المتحدة هو تقدمي، والتجربة المتراكمة خلال السنوات أدى لتطوير المباديء، والمقاطع الواردة من رسالة عبد الناصر تعكس أسس هذا التطور."
(شفاعمرو/ الجليل)