رجعت الى متاهات العصر والى سير الأجداد وفتشت كتب التاريخ وغصت في أعماق الزمن وتفردت بشعابه الملتوية التي تشق جبال الصحراء. وارهقني التعب كثيراً وحشرجت أنفاسي ولم تقوى ساقاي على حمل العبء من جسدي. فسقطت في منحدر الزمان وكم اعياني ذلك كثيراً.
فصعب علي التمييز بين أمسٍ وقبله وما سبقه ودخلت دوامة الأحداث ورأيت أبا بكر يقود جيوش المسلمين في حرب الردة . وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري بلحيته البيضاء في خيمة صفين والقراَن يحكم بينهما. قتلتنا الفرقة يا ابن الضاد وطافت أرواحنا بحر الكره وغصنا بحر الدم ووصلنا حد البغض وقتل الأخ اخاه ورجعنا عصر قابيل وهابيل ورأيت الحجاج يتخبط في بحر الدم على أبواب الكوفة وهولاكو يحاصر أسوار بغداد والنار تحرق مكاتبها وحاراتها وتنهال العبرات من ماَقي دجلة والفرات .
الى متى سنبقى على هذا الحال يا وطني ورؤوسنا وصلت حد الصدر وامسينا مهزلة العصر تتقاذفنا شهوات الغرب كشراع وسط عاصفة هوجاء.
وصل الغرب من التطور والبنيان حد الإشباع في شتى المجالات. فالأقمار تصول وتجول الفضاء محدثة ثورة في عالم الاتصال. وغزا الغرب الفضاء وخطا خطوات جبارة في جميع المجالات لا أستطيع عدها ولا أحصاها .وابن سينا وجابر بن الحيان وأبو بكر الرازي وابن خلدون وابن الهيثم يتقلبون في قبورهم.
بقينا على الطرف النقيض من المعادلة السلبية فالواحد منا يحمل اوزاناً من الكره والجهل و العصبية القبلية والدينية وان بقينا على هذا الحال سنصبح مهزلة التاريخ ونشحذ اوطاناً على قارعة الطريق ومصيرنا الضياع ، الاضمحلال والفناء.
يقتل بعضنا بعضاً باسم الدين وكثرت فينا فرامانات سلاطين الأتراك وفتاوى جهال الدين. وقتلنا بعضنا بعضا وأشبعنا غرائزنا الحيوانية المطلق لها العنان.
. تصفحت التوراة بأسفارها الخمسة ومزامير داوود والإنجيل والقراَن والأحاديث فلم اجد جملةً ولا كلمةً ولا حرفاً تنطق بالقتل وزهق الأرواح . فعصر الجهاد والفتوحات دخل طيات الماضي ولفه دفتر النسيان . ومن زهق روحاً كأنما قتل العالم بأسره. ومن أنقذ روحاً فكأنما أنقذ العالم بأسره.
عودوا الى الدين الحنيف القويم وانبذوا العنف وأخرجوه من قواميسكم وكتبكم وقراطيسكم وعقولكم وأحبوا بعضكم بعضا كما قال المسيح عليه السلام فبالمحبة تطمئن النفوس وتهنأ. وبالعلم ترقى الشعوب وتسمو. فكونوا من السباقين الى العلم فنحن بنينا الأساس وشيدناه وقويناه بالحديد وبالخرسانة وغيرنا أتم البناء. لا تبكوا الماضي وتقفوا على أطلاله فذاك لن يجديكم نفعاً بل انهضوا بالعلم وعلموا أولادكم ليسموا فوق الجبال شموخاً وليرتقوا اعلى الدرجات. وليرجع شرقنا مشرقاً كما عهدناه. مهد الحضارات الفرعونية والفينيقية والآشورية وحمورابي يعمل بالعدل وخالد في الأفق يحث جيوش المسلمين على القتال وعبد الرحمن يختال في قصر الحمراء. فمن صحراء الشرق وجبالها ووديانها انبلج النور وظهرت حقيقة الديانات السماوية لتكون منارة للكون يهتدي بها المؤمنون الى عبادة الله الأحد الفرد الصمد ورسله الميامين الطاهرين . وتخلصنا من اللات والعزة وعشتروت وإيزيس واوزريس وفي النهاية أتمم دعائي بالصلاة والسلام على آخر المرسلين المصطفى الهادي الأمين: ان يعم السلام والوئام شرقنا الحبيب انه سميعٌ مجيب.
محمد هنو.