بقلم : هادي شكيب قاسم - الرامة
سأتطرق في هذه المقالة إلى مكانة الرئاسة الروحية في عهد الشيخ أمين طريف رحمه الله والى ما آلت إليها من بعده.
سيرة مختصرة
ولد الشيخ أمين طريف سنة 1898في قرية جولس في الجليل الغربي لعائلة محافظة. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة خاصة تابعة للجمعية الروسية الملكية في قرية الرامة حتى الصف الرابع، ثم توجه إلى خلوات البياضة بالقرب من حاصبيا في الجنوب اللبناني، وهناك برع في دراسة الكتاب العزيز وحفظه كاملاً. وفي سنة 1918 عاد الشيخ الشاب من خلوات البياضة إلى قريته جولس .
عندما تولى الشيخ أمين طريف الرئاسة الروحية للطائفه الدرزية، بدا منتهجا حملة التوعية والإرشاد لأبناء طائفته في البلاد، بقيامه بالعديد من الجولات السنوية للقرى الدرزية بهدف الوعظ والإرشاد وتنشيط حركة الدين بين أبناء طائفته.
عرف الشيخ طريف بأنه صاحب شخصية اتصفت بالإيمان الصادق والحكمة البالغة والعمل الدائم، فهو يعتبر حامي الديار لطائفته وحافظ كرامتها ورافع راية عزها، كما كان بمثابة اليد الحديدية التي حمت طائفته وأبناءها.
في عام 1990 تسلم الشيخ أمين جائزة رسمية تقديرا لخدماته المعطاءة للطائفه الدرزية والمجتمع وتعتبر هذه الجائزة من أعلى الأوسمة في البلاد.
وقد وافته المنية في سنه 1993.
لا شك فيه أن الشيخ أمين كان نعم الأمين والإنسان ورمز التواضع والإيمان وقد شهدت الفترة التي ترأس فيها قيادة الطائفة الدرزية في إسرائيل الكثير من التغييرات الايجابية التي ساهمت بشكل مباشر برفع مكانة الطائفة الدرزية في إسرائيل وخارجها. بدء" بالاعتراف بالطائفة الدرزية كطائفة مستقلة ولها مميزاتها الخاصة واعتراف الدولة بذلك ونهاية بترتيب العلاقات الدرزية - الدرزية داخلا وخارجا".
إذا" لماذا شهدت الطائفة الدرزية تغييرات ايجابية في تلك الحقبة وما رافقها من تطورات وماذا حدث بعد ذلك؟
هناك الأسباب الدينية وهناك العمل السياسي.
الأسباب الدينية الاجتماعية:
- السبب الأول يعود إلى المكانة الدينية المرموقة والمكانة الاجتماعية العالية التي تمتع بها والتي استقطبت كل أبناء الطائفة دون استثناء.
- كونه مرجعية دينية عليا متبحر بأصول الدين والعلم والفلسفة الدينية.
- شخصيته الفذة واللامعة حيث كان صاحب كريزما قلما تمتع بها البعض.
- كرمة وشجاعته في المواقف التي تطلبت الجرأة في العمل لأجل الطائفة.
- استطاعته توحيد الكلمة بين كل الفئات والآراء وعدم تجاهله لفئات وشخصيات دينية وعلمانية قائمة على الساحة الطائفية حتى وان كانت أحيانا لا ترى بعين واحدة نفس التطلعات والمواقف التي يجب اتخاذها.
- العمل على ترميم وتوسيع الأماكن المقدسة بما يليق بمكانة الطائفة في البلاد.
- استعمال طرق التسامح الديني وإسماع الآراء وعدم تجاهل لأراء الآخرين في مواقف مختلفة. متبعا" مقولة الفيلسوف الفرنسي فولتير: " سأدافع حتى آخر رمق لكي تعبر عن رأيك ".
- إتباع سياسة الحنكة مع الجميع وسائرا بذلك على سياسة معاوية بن أبي سفيان الملخصة بجملته المعروفة: " لو كان بيني وبين الناس شعرة- ما انقطعت أبدا , فإذا أرخوها شددتها وإذا شدوها أرخيتها ".
العمل على الصعيد القطري
ربطته وقيادة الدولة علاقات وطيدة وظفها لأجل خدمة الطائفة ومصالحها.مثل:
- في 1957/4/15 استجابت حكومة إسرائيل لمطالب فضيلته بالاعتراف بكيان ذاتي ومستقل للطائفه ألدرزيه على غرار ما هو عليه الحال في سوريا ولبنان. وعقب ذلك أقيم مجلس ديني درزي برئاسة فضيلته وعضوية المرحومين الشيخ أبو محمد كمال معدي من يركا والشيخ أبو كمال احمد خير من أبوسنان.
- سعا فضيلته لتنظيم أحوال ألطائفه حيث تبنى في سنة 1961 قانون الأحوال ألشخصيه للطائفه ألدرزيه في لبنان. وفي سنة 1962 صادقت الكنيست (الهيئة التشريعية في دولة إسرائيل) وفقا لمطالب فضيلته على قانون المحاكم ألدينيه ألدرزيه, وبذلك أصبحت ألطائفه ألدرزيه, طائفة مستقلة كباقي الطوائف في إسرائيل.
- في سنة 1963, تم تعيين محكمة الاستئناف ألدرزيه برئاسة فضيلته وعضوية القاضيين أعضاء الرئاسة ألروحيه المرحوم الشيخ أبو كمال احمد يوسف خير من أبوسنان والمرحوم الشيخ أبو محمد كمال معدي من يركا. كما تم بنفس ألسنه تعيين ألمحكمه ألبدائيه بعضوية كل من المرحوم الشيخ سلمان طريف من جولس والمرحوم الشيخ حسين عليان من شفا عمرو والمرحوم الشيخ لبيب أبوركن من عسفيا.
- في 1964/4/25 استطاع فضيلته تثبيت ملكية ألطائفه ألدرزيه لمقام النبي شعيب عليه السلام في حطين وذلك بتسلم فضيلته من رئيس دولة إسرائيل السيد زلمان شازار, كوشان طابو بملكية المقام للطائفه ألدرزيه وبوكالة فضيلته.
- لقد عالج فضيلته جميع المشاكل التي كانت تعاني منها القرى ألدرزيه وأهم إثبات على ذلك, مطالبته في سنة 1964 بشق شارع يوصل قرى كفر سميع, كسرى, يانوح وجث وذلك اثر توفي عدد من الأطفال من مرض الحصبة لعدم إمكانية نقلهم بالسيارات إلى المستشفى لتلقي العلاج. لقد نفذت مطالبه بصوره سريعة جدا لم يتوقعها احد.
- في سنة 1969, تم الاتفاق بين فضيلته والمستشفى الحكومي ملبن في مدينة نهاريا بتخصيص جناح خاص للولادة - للنساء الدرزيات لا يعمل به سوى الطبيبات.
- في سنة 1977, تم الاتفاق بين الرئاسة ألروحيه ولجنة المعارف والثقافة للدروز في الحكومة الاسرائيليه بشأن تدريس التراث الدرزي في المدارس ألدرزيه, بدون التطرق للدين بأي شكل كان.
- العلاقات مع الاخوه الدروز في لبنان وسوريا, لم تنقطع أبدا رغم الأوضاع السياسية, ففضيلته ترقب الأخبار عن كثب وكم كان يبتهج ويفرح بسماع الأخبار ألمطمئنه, وكم كان يتألم ويتحسر عندما يتألم واحد من دروز لبنان وسوريا.
- في 1990/4/15, تسلم فضيلته, جائزة إسرائيل التي تعتبر من أعلى الاوسمه في دولة إسرائيل, تقديرا لخدماته ألجمه للطائفه ألدرزيه والمجتمع ولتمسكه بمبادئ الخير, ألمحبه والسلام, وقد رصد فضيلته قيمة الجائزة المالي لمقام نبي الله شعيب عليه السلام.
10.في سنة 1990, افتتح فضيلته خلوه واسعة الأرجاء في ألبياضه الزاهرة
التي سعى إلى بنائها لتكون مأوى للشباب المتدينين من إسرائيل الذين
يقصدون إلى تلك ألمنطقه للعبادة والتنزه والتي أطلق عليها اسم خلوة
ألصفديه.
الفترة التالية- منذ 1993 والى اليوم.
لا شك إن غياب الشيخ أمين عن الساحة ترك أثرة وفراغ واسع, لم يستطع احد ملؤه حتى اليوم. ولا شك بان الفترة التي تلت وفاة الشيخ أمين والى اليوم تسمى فترة الضعف والتشرذم والتأخر على جميع الأصعدة والمجالات وبشكل سريع ومخيف الذي يشكل خطر حقيقي على وجودنا الديني- التراثي- الأخلاقي العلمي...
من هنا أناشد القيادة الدينية والعلمانية وفئات أخرى تمثل الطائفة بالعمل معا" وسريعا" لمواجهة هذا الوضع المتفاقم – تاركين المحسوبية والخلافات جانبا" وإعادة بناء قاعدة واسعة وعريضة لذلك وعدم تجاهل الأخر لمجرد عدم سيره في ركب الرئاسة الدينية والعلمانية وأتمنى من القيادة الدينية إعادة حساباتها وقراءتها الصحيحة للوضع وان تكون : خير خلف لخير سلف.
في هذا الموقف أتذكر قول الشاعر:
أبا يوسف شيخ أمين في ذكراك نّحن إلى شخصك نحن والمؤمنين.
هادي إلى التراث والتقوى والدين من لبنان إلى نبينا شعيب في حطين.