إستيقظ مذعورا والعرق بتصبب من جبينه، وضع يديه على وجهه، أيقظ زوجته بحركته القوية،نظرت إليه وإذ به يرتجف، عيناه تقدحان شررًا وشفتاه تتمتمان "المفاتيح ،المفاتيح ...
هزته زوجته "ما بك ؟" وذهبت مسرعة إلى المطبخ لتعود حاملة كأسا من الماء، قربته منه قائلة "اشرب اشرب اسم الله عليك..."
أمسك بالكأس، شرب قليلا، نظر إلى زوجته "لا بأس ،لا بأس إنه كابوس..."
-"كابوس؟ خير إن شاء الله ،ما الذي حلمت به ؟" .
-"لقد حلمت أنني أضعت المفاتيح، جميع المفاتيح..."
-"أف أهذا كابوس ؟؟ استغفر الله ،ظننت أنك حلمت بحادث طرق، أو بمصيبة حلت" .
-"ماذا ؟ حادث طرق ؟؟ أنت لا تفهمين شيئا، أتعلمين ما معنى أن أفقد المفاتيح ؟!" .
-"لا ،من يفقد المفاتيح هنالك ألف حل وحل ..." .
"لا يا امرأة ،أنا لا أتحدث عن مفاتيح البيت أو السيارة ،أنا أتحدث عن لوحة المفاتيح في العمل ،إنها حياتي ... أعيش مع المفاتيح أكثر من عشرين سنة ...أعرف كل مفتاح ولأي باب، ولأي مكتب ،يكفي أن أرى المفتاح، حتى أعلم لأي مكتب ولأية عمارة، ومن يأخذه مني في الصباح، ومن سيعيده لي في المساء ، وفي نهاية اليوم، أقوم بوضع المفاتيح حسب ترتيب لم يتغير، ولن يتغير طالما حييت ... لا أحد يستطيع ترتيب المفاتيح غيري ،بل لا أحد يعرف أين مكانها ،يكفي غيابي يوما حتى تهتز الأرض ليكن الطوفان، بعد أن يغادر الموظفون إلى بيوتهم، أبدأ بترتيب المفاتيح وأعرف من تأخر ،ومن لم يعد المفتاح، فأتصل به ليعرف، أنني أعرف انه ما زال في العمل، وبأن المفتاح ما زال في حوزته، استعجله قائلا "هيا لدي عمل كثير لا تتأخر، فيأتي مسرعا ،أضع المفتاح في مكانه، وأبتسم "الأمن مستتب ،الحياة جميلة... ،نظام لا يوجد أفضل من النظام ".
أغادر العمارة لأعود في الصباح، وقبل وصول الموظفين... أفرش المفاتيح على الطاولة، القي بها وأنتظر إلى أن يأخذ الموظفون المفاتيح، وبنظرة صغيرة ،أعرف من جاء مبكرا ،من تأخر ،من تغيب وهكذا أتصل بمن ترك المفتاح على الطاولة "ما الذي حدث؟ أين أنت؟؟ لِم لَم تحضر إلى العمل؟؟" عندما يسألني الرئيس عن الوضع ،أخبره من يعمل، من تغيب ومن تأخر.
" أف وهل للرئيس الوقت ليسألك عن كل موظف في العمل ؟" .
"لا، ولكن عندما أخبره عن كل موظف وموظفة ، يعلم أني ملم بأمور العمل ، وإلا فتخيلي لو أني سأزور كل موظف لأعلم إذا جاء أو تأخر أو تغيب ،تخيلي لو طلب مني زيارة المكاتب ،والأقسام والموظفين... تخيلي لو طلب مني تقريرا عن كل موظف ،وفي أي قسم يعمل، وما برنامجه ؟ تخيلي لو طلب مني تقديم تقارير حول كل بناية للوزارة وأين تقع تخيلي لو طلبوا مني المشاركة، في نشاط كل قسم، تخيلي لو طلب مني، ترك مكتبي وحل المشاكل بين الموظفين ،وزيارة السكان في بيوتهم ،والإشراف على عمل المقاولين والمدراء والموظفين... من أين سأجد الوقت والقوة؟".
"لكنة عملك، المفروض أن تقوم ،بما طلبت مني، أن أتخيل من أجل ذلك أعطوك المركز والمال الكثير" .
"ماذا؟؟ تريدين أن أترك مكتبي ومفاتيحي وحياتي وأعمل ؟؟لأخطئ؟ حتما إن ما يحدث ليس كابوسا إنه حقيقة ".
غادر الفراش غاضبا، دخل إلى الحمام، غير ملابسة بسرعة، أخذ مفاتيح سيارته وغادر منزلة راكضا، لحقته زوجته- "إلى أين؟ ما الذي يحدث؟ أين تذهب الساعة الآن الرابعة صباحا !".
أما هو فغادر راكضا ،فتح باب سيارته وقادها بسرعة باتجاه العمارة ،أوقفها وترجل منها ،دخل العمارة وأقفل الباب خلفه ،اعتلى درجات البناية بخطوات سريعة ،فتح باب مكتبة أشعل نور الكهرباء نظر إلى لوحة المفاتيح بقلق .-"الحمد لله الحمد لله كل شيء بخير كل شيء في مكانة أنا ما زلت في مكاني "
أشعل سيجارة ،جلس على مقعدة تنفس عميقا ،أمسك بجهاز "البيليفون" اتصل بزوجته قائلا :
"إطمئني أنة كابوس لم يسرق أحد المفاتيح ".
أنهى المكالمة أخذ السيجارة بين سبابته وإبهامة أخرج زفيرا قويا امتلأت الغرفة بالدخان نظر إلى مفاتيحه وهمس: "لن يأخذكم احد مني! لن يأخذكم أحد مني!!!"
زهرالدين محمد سعد