هنالك عناصرُ شرّيرة تعملُ بلا كلَلٍ، بهدف زرع الفوضى وإثارة الفتنة، سواءً بإطلاق الرّصاص والقنابل الصّوتية تحت جنح الظّلام على أماكن العبادة أو بالنّشر التحريضيّ والاستفزازيّ في صفحات الفيسبوك.
هي عناصر تستهدفُ ضربَ المجتمع بأكملِه، بكلّ أطيافه وطوائفه ومذاهبه. وهي تعمل في أحسن الأحوال بطَيش وجُبن، إن لم تكن تحرّكها نوايا شرّيرة ودوافعُ ظلاميّة. وفي كلّ الأحوال، فإنّ أيّ اعتداء على أيّ مكان للعبادة أو الإساءة إلى أيّة ديانة أو أيّ من رموزها، هو سلوكٌ مرفوضٌ رفضًا قاطعًا، الآن وفي كلّ وقت، ويستحقُّ من كلّ عاقلٍ الاستنكار والإدانة.
موقفُ أهالي الشّابّين المرحومَين هايل عفيف ستّاوي وكميل شكيب شنّان، هو موقفٌ يستحقّ الثّناء والتّقدير، لكونه موقفًا إنسانيًّا، حكيمًا ومسؤولًا بكلِّ المقاييس. وعليه، فإنّ كلَّ من يستفزُّ أو يحرّض أو يعتدي، إنّما يسيءُ بذلك للمجتمع بأَسرِه، ولأهالي الفقيدين بالدّرجة الأولى. ونتمنّى أن تقولَ كلّ القيادات كلمتَها، أوّلًا بمشاركة أهل الفقيدين حزنهم وفقدانهم، وثانيًا بالتّصدّي لأيّ استفزاز بأي شكلٍ من الأشكال.
قُلنا في مناسبات سابقة كثيرة، إنّ من يسيء إلى الأنبياء وأماكن العبادة ويعمّمُ ويشتمُ مجتمعات بأكملها، إنّما يسيء بذلك أيضًا إلى طائفته وعائلته وأسرتِه ومجتمعِه نفسه. لم يكن جائزًا وليس جائزًا وليس صحيحًا اتّهامُ مجتمع بأكمله، جرّاء عمل يقوم به فرد أو أفراد. ولذلك، فإنّ أطلاق الرّصاص على جامع أو أيِّ مكان عبادة، حتى لو كان ذلك في ساعات الليل، أو النّشرالاستفزازيّ والمسيء بأيّ شكل من الأشكال ومن أيّ جهة كانت، هو نشاطٌ شيطانيّ يتطلّب منّا جميعًا شجبَه واستنكارَه ورفعَ صوتنا عاليًا لردعِ مُرتكبيه وصولًا إلى وأدِ الفتنة.
التّوتّرُ القائم، بسبب أفعالٍ جبانة وشرّيرة من بعض الأفراد بما فيها إطلاق الرّصاص ليلًا أو النّشرُ المُسيء في الفيسبوك، هو نتيجة نشاطات فرديّة، فيما تقفُ الغالبيّة السّاحقة من المجتمع ضدّ هذه الأفعال. وعلى الرّغم من ذلك، يحتّمُ هذا الوضع على كلّ القيادات، الرّسميّة وغير الرّسميّة، القطريّة والمحلّية، الدينيّة والدُّنيويّة والاجتماعيّة والتّربويّة، بما فيها الهيئات والمؤسّسات والجمعيّات، أن ترفعَ صوتَها عاليًا ضدّ هذه الأفعال، بشجاعةٍ وصراحة، بدون لعثماتٍ ولا تأتآت، وأن لا تقفَ مكتوفةَ الأيدي. وذلك، بهدف محاصرة مُرتكبيها وتحجيمِ آثارها وصولًا إلى محوِها. ومن لا يقوم بواجبِه، الآن الآن، فإنّما هو شريك بصمتِه وتأتأته.
كما يُحتِّمُ الوضعُ القائم العملَ الوحدويَّ وعلى وجهِ السّرعة وبشكلٍ مُكثّفٍ، بمعنى التّرفّعِ عن أيّةِ خلافاتٍ وحساسيّات هامشيّة، وتضافر جميع القيادات والقوى لصيانة المجتمع، بصرف النّظر عن الاختلافات الأخرى، التي تحوّلَت في هذه الظّروف إلى خلافاتٍ ثانويّة إزاء من نواجهه. فلا يجوز القيام بعمل وحدويّ بصورة فئويّة.
قُلنا أيضًا في مناسباتٍ كثيرة سابقة، إنّ ثمّةَ حاجةً مُلحّة لإقامة مرجعيّة دائمة، مؤلّفة من ممثّلي جميع الأطياف والطّوائف والدّيانات والمذاهب، تعملُ على تعميم قِيَم التّسامح واحترام الغير، وعلى محو لُغةِ التّعصّبات بكلّ أشكالها، وتكون جاهزةً لوضع النّقاط على الحروف حيثما تستلزم الظّروف، وللخروجِ إلى النّاس جميعًا بخطابٍ يدعو إلى احترام الآخر ويقدّس الحياة وكرامة الأفراد جميعًا.
وأخيرًا، وليس آخرًا، نعودُ فنقول: الدّين لله، والوطن للجميع، وصوتُ العقلِ المنسجم مع صوت أهالي الفقيدين، هو الصّوت الإنسانيّ الذي يبقى ويسود.