صدرت، وبجودة طباعة وتدقيق لغوي، مجموعة الشاعر كمال ابراهيم، السابعة عشرة، تحت عنوان "جُرُعات شوق"، وقامت بتصميم الغلاف الفنانة ملكة زاهر.
بعض قصائد المجموعة يمكن لمّ شملها تحت إطار (مواقف، ذكريات وذاتيات) وتشمل القصائد التالية: تأملات، في زيارة مقام نبينا شعيب (عليه السلام)، في الأول من أيار، في الطريق الى نابولي، الحياة مدرسة، أنشودة، ألا تعلم، في قانون القوميّة، نقّل فؤادك، في عرسك يا نزار، حالنا اليوم (وترتكز هذه القصيدة على أجواء قصيدة للشاعر التونسي الأسعد عامر- والذي تمّ اتهامه بالكفر بسبب انتقاداته وصراحته، كعادة حليمه التي رجعت الى عادتها القديمه-) افتتاحية هذه القصيدة:
ويلٌ لمن سلاحهم التكفير
يتّهمونَ مَن ليسَ على دربهِم بأنه كافرٌ حقير
وفي قصيدة "في الطريق الى نابولي من الذكريات:
سلامٌ عليكِ يا بلدتي الوطيدة
يا أنشودةَ الفجرِ في ثغرِ القصيدة
تركتُكِ تختالينَ هادئة سعيدة
ومن الخصوصيات نقرأ في قصيدة "في عرسك يا نزار":
انقشعَ الظلامُ وازدانت الأنوار
عَمُرَ البيتُ وغرّدتِ الأطيار
تباركَ البيتُ بالمشايخِ الأخيار
أما الباقي من قصائد الديوان الغزلية فتبدأ من "جرعة شاي" لـِ "شقراءَ" تتخلّلها "مصارحةٌ" و"لهفةٌ" في "غمرةِ حبٍ" فوق "أرجوحةٍ" لتتوهج "جرعة شوق" و "وجد" لـِ "مليكة الكون" ثم "ظمأٌ" فـَ "لبَيكِ" لأنكِ "أنتِ شمعة ليلي"، "مليكة العشقِ" وَ "كلما غازلتكِ"، "في نشوةِ السهرِ"، "حبيبتي الى ما لا نهاية"، "اقبليني عاشقا" وَ "لا تسأليني"، فـَ "على لسان عاشقٍ"، "حبٌ عارمٌ"، "حبيبةَ العمرِ"، "معبودةٌ"، "أهيمُ فيكِ" وَ "هوايَ هواكِ"، "في سكونِ المساءِ"...
العزيزات، الأعزاء القرّاء!
لا تؤاخذوني على تلاعبي بالعناوين ومحاولتي صهرها، لأنني أعتقد بأن إمكانَ سكبها في قوالبَ نَصّية، متناسقة، يدلّ على انها مترامية المعاني، متسامية الصور الفنية، ووصلت اليّ كقارئ، وهذا هو أصل الشعر، الذي يحاكي المشاعر. وللشفافية أصرّح بأنه تصلني عشرات المجموعات والاصدارات، ويطلب مني بعضهم أن أكتب عنها، أو يتوقع البعض أن أنشر استعراضا حولها، رغم انني لست بناقد وانما قارئ، تستهويني الكلمة المعطّرة بنفح إبداعٍ، المؤطّرة بلمسة فنية، فتخرجني عن اللامبالاة، لأسجل بعض انطباعات، ربما يستسيغها قسم ممن يقرأونها، والبعض يعتبرها مجرد مجاملات، لا تستأهل للالتفات، خاصة أولئك الذين من طبقة المستنقدين المحنطين (على لسان المرحوم الكاتب سلمان يوسف)، والذين يبحثون عن الأخطاء والسلبيات والهفوات (والتي بالإمكان التوجه بها مباشرة للكاتب لكي ينتبه اليها) بينما يتغاضون عن إبراز الجماليات والايجابيات، وذلك لنقص أو لحقد دفين أو لغاية في الأنفس!
أما بعد!
في هذا الباب الغزلي من ديوان الشاعر كمال ابراهيم، تتعانق الصور الوجدانية، مع المشاعر الانسانية، لتصدر عن هذا العناق أنات الشوق الى أيام الغزل الرقراق العذب:
"غازلتها في الصبحِ
بلحنٍ يداعبُ الوتر
أهديتها شعرا
عشقتها بالمختصر."
وبعد أن غزت عيوننا وعقولنا شاشات النقال والحواسيب، فتحوّلت أحاسيسنا من رهف روحيّ ورقة وعذوبة، في أيامنا العصيبة، الى مجرد لهف جسدي وواقعية بيزنيسيّة، حيث يبحث الواحد منهم عن شريكة، أو بالعكس عن شريك، بعيون نهمة، وأحاسيس مجمّدة، والمهم استبيان المدخولات النقدية، ومجال العمل والرتبة، لتنقضي فترة التعارف، دون الولوج الى المشاعر أو العواطف...
أهدى الشاعر كمال ابراهيم مجموعته كالتالي :
" الى الذينَ يَهيمُونَ في سِحرِ الطبيعةِ والجَمالْ
الى الذينَ يَنثرُونَ العِطرَ في طَيْفِ الخَيَالْ
الى الذينَ يَنبُذُونَ الظُّلْمَ في غياهِبِ اللَّيَالْ
الى الذينَ ينشدُونَ السِّلْمَ وَيكرَهُونَ الاحتِلالْ"
وزينت الغلاف الخلفي مقطوعة من قصيدة " تأملات ":
جِئتُكِ يا بِلادِي
أنادِي بَحْرَكِ والسُّهُولْ
ليَكُونَ صَيْفُكِ القادِمُ
مِنْ أجْمَلِ الفُصُولْ،
جِئتُ أنادِي
أنْ يَكُونَ شِتاؤُكِ غَنِيًّا بالمَطَرْ
وَبَياضِ الثُّلُوجْ.
جِئتُكِ يا بلادِي
شاعِرًا مُمَنْطَقًا بالحَرْفِ
والعزمِ الشَّدِيدْ
أدْعُو للسِّلْمِ
والفَجْرِ الجَدِيدْ.
أخيرا: أقتبس لكم ما جاء في أحد التعليقات الفيسبوكيّة على هذه المجموعة "تتّسمُ القصائد بسلاسة الألفاظ والتعابير، وضوح المعاني، بعيدًا عن الغموض والإبهام، مع التحليق في صور وإيحاءَات غنية بالجرس الموسيقي".
مرة أخرى أشدّ على يديّ الشاعر مرهف الاحساس كمال ابراهيم، وأقدّم كل التقدير والاحترام للشاعر والكاتب فهيم أبو ركن، على تصميم وطباعة هذا الكتاب بإبداع المنتج ولمسات المخرج، كم هو دأبه في منشورات دار الحديث!