كيف نجحت المؤسسة الإسرائيلية في نزع الدروز من سياقهم التاريخي ؟! بقلم مهدي سعد

موقع سبيل,
تاريخ النشر 02/03/2018 - 07:59:23 am

عرفت الطائفة الدرزية منذ نشأتها عام 1017م بأنها طائفة مقاومة للاستعمار ومناهضة للاحتلال، وتميزت بالتصدي للغزاة والمحتلين في مختلف المراحل التاريخية، وقدمت العديد من الشهداء في سبيل تحرير الأوطان التي تعيش فيها من المستعمرين الأجانب.  

لقد اشتهرت الطائفة الدرزية بوقوفها الدائم إلى جانب الحق وتصديها للباطل، وكانت هذه الطائفة عبر تاريخها الطويل في طليعة المدافعين عن القضايا العربية المحقة، ويعتبر هذا الموقف ترجمة عملية للنهج الوطني والقومي الذي أرساه أجدادها الأوائل منذ أن وطئوا بلاد الشام لحماية ثغورها من الغزوات الأجنبية. 

يرتكز هذا النهج على الثالوث المقدس للطائفة الدرزية الذي يتكون من الدين والعرض والأرض، حيث يشكل الحفاظ على هذه الأقانيم ركنا أساسيا من أركان عقيدة التوحيد الدرزية، ويعتقد الدروز بأن من لا يغار على عرضه وأرضه يعتبر خارجا عن الدين. 

لا شك أن آباء الحركة الصهيونية الأوائل أدركوا هذه الحقيقة مبكرا من خلال تغلغلهم داخل المجتمع الدرزي قبل قيام دولة إسرائيل، حيث قاموا بدراسة مميزات وخصائص هذا المجتمع وتعرفوا على عاداته وتقاليده وأسلوب حياته. 

أبرز ما أثار اهتمام الحركة الصهيونية في تلك المرحلة هو معرفة مواطن القوة والضعف داخل المجتمع الدرزي بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام، وخلصت إلى نتيجة بأنه يجب توظيف كافة الإمكانيات من أجل نزع نقاط القوة التي يتمتع بها هذا المجتمع، وفي المقابل تعميق نقاط الضعف وترسيخها في المجتمع. 

من هذا المنطلق عملت الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة على تدجين الطائفة الدرزية ونزعها من سياقها التاريخي وطمس انتمائها القومي، واستمرت المؤسسة الإسرائيلية في تنفيذ هذه السياسة بعد قيام الدولة، وقد جندت كافة طاقاتها في سبيل خلق إنسان درزي جديد منفصل عن أصله وجذوره ويعاني من اضطراب في هويته وانتمائه. 

نصبت السلطة في السنوات الأولى للدولة قيادات تقليدية موالية لها تعمل على تنفيذ سياستها تجاه الطائفة الدرزية، وقد لعبت هذه القيادات دورا أساسيا في تطويع أبناء الطائفة وجذبهم إلى صف السلطة، ومنحت المؤسسة القيادات الموالية لها امتيازات عديدة جعلت عامة الناس مرتبطين بها في تسيير حياتهم اليومية. 

قامت السلطة فيما بعد بعدة إجراءات لتحقيق الأهداف التي وضعتها نصب أعينها، ولعل أخطر مشروع نفذته، بالإضافة إلى فرض الخدمة العسكرية، هو صياغة مناهج تعليمية خاصة بالمدارس في القرى الدرزية، الغرض منها تجهيل الطالب الدرزي بانتمائه الحقيقي وتاريخ طائفته المقاوم للاستعمار، وجرى بلورة مضامين تحث الطلاب على الطاعة العمياء للمؤسسة الحاكمة. 

تمكنت المؤسسة الإسرائيلية عن طريق هذه المناهج التجهيلية من تشويه وعي قطاع واسع من أبناء الطائفة الدرزية الذين باتوا يجهلون تاريخهم الوطني وينكرون أصلهم العربي من جهة، ومن جهة أخرى يوالون السلطة الإسرائيلية ويتماهون معها بالرغم من أنها تقمعهم وتنكل بهم.  

بعدما وجدت السلطة بأن مناهج التعليم لم تعد كافية لتحقيق مآربها، لجأت في السنوات الأخيرة إلى تأسيس جمعيات وحركات شبيبة تعمل على تعزيز الهوية الدرزية الإسرائيلية وتشجيع الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وتضم هذه الأطر في صفوفها آلاف الشباب الذين يجري السيطرة على وعيهم بشكل ممنهج بهدف ضمان ولائهم للسلطة وأعوانها. 

بذلك تكون المؤسسة الإسرائيلية قد حققت نجاحا كبيرا في مخططها لنزع الدروز من سياقهم التاريخي، حيث استطاعت أن تموضع السواد الأعظم من المواطنين الدروز في الموقع الموالي لها، الأمر الذي يتناقض كليا مع الموقع التاريخي للطائفة الدرزية إلى جانب المحور القومي المناهض للاستعمار الغربي وأدواته في المنطقة العربية. 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>