كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف – الرئيس الروحي للطائفة الدرزية لمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك

موقع سبيل,
تاريخ النشر 20/08/2018 - 09:20:18 am

بسم الله الرحمن الرحيم

يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام في خضم أحداث عاصفة تحل بالطائفة على الصعيدين المحلي والاقليمي، فلا يزال الإخوة الأشقاء في سوريا يعيشون تحت نير الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من سبع سنوات، ليس هذا فحسب بل تعرضوا في جبل الدروز إلى أقسى وأصعب المحن التي ألمت بالطائفة منذ مئات السنين، حيث قتل نحو 300 من إخوتنا وأخواتنا – شيوخا ونساء وأطفالا وشبابا في أبشع أعمال الغدر والإرهاب في السويداء وقراها، حين طالتهم يد الغدر والجبن والخيانه في معاقلهم وبيوتهم لكونهم ينتمون إلى مذهب التوحيد.

ولعل ما زاد من فداحة وفظاعة العمل الإرهابي الإجرامي خطف نحو ثلاثين شخصا، منهم الأطفال والنساء، لا يزال مصيرهم مجهولا حتى كتابة هذه السطور عشية العيد المبارك.  وكم تألمنا لصور ذبح أخينا مهند ذوقان أبو عمار وهو في الأسر في محاولة من القتلة السفلة لكسر معنويات أهلنا في الجبل.

نحن أبناء الطائفة في البلاد من كرملها وجليليها وجولانها تألمنا ونتألم لأوضاع إخوتنا في الجبل وفي سوريا منذ اندلاع الحرب هناك. قلوبنا معهم ونمد لهم العون اللازم بقدر استطاعتنا، حيث قام سكان قرانا بحملات تبرعات منظمة لإيصالها إلى الإخوة في سوريا في مسعى لأن تساعدهم في المحنة التي يواجهونها ولتساندهم في الدفاع والذود عن الأرض والعرض.

ما يقلقنا على وجه خاص الصمت الدولي والعالمي إزاء المجزرة التي حلت بأشقائنا، كيف لقادة الدول والشعوب أن يبقون صامتين وصور القتل والدمار تنتشر في كل مكان. نحن بدورنا نعمل جاهدين على إثارة الرأي العام العالمي حول أوضاع إخوتنا في الجبل، ونحاول قدر المستطاع وبكل ما أوتينا من قوة أن نضغط على حكومات الدول المؤثرة وعلى المنظمات الدولية بأن تتدخل وتعمل على إطلاق سراح المخطوفين.

واستغلها فرصة لأدعو إلى وحدة الصف والموقف بين مشايخنا واخوتنا في سوريا، خاصة في هذه الأيام الصعبة والحرجة التي تحتم عليهم التكاتف والتعاضد لأجل مصلحة الجبل.

وهنا لا بد من الإشارة الى التضامن المطلق في بلادنا مع أشقائنا حيث قررت الهيئة الدينية إلغاء جميع مظاهر الاحتفالات وإعلان الحداد أول أيام العيد على روح شهداء الجبل، إلى جانب إقامة موقف شعبي حاشد في مقام سيدنا النبي شعيب عليه السلام شارك به الآلاف أواخر الشهر الماضي.

كم كنت أتمنى وأنا أكتب لكم هذه السطور عشية عيد الأضحى البارك أن يكون المخطوفون قد عادوا إلى بيوتهم وإلى أحضان عائلاتهم، للأسف ليس هذا هو الوضع ومصيرهم مجهول والخطر يحدق بهم. أتضرع الى الباري عز وجل وأسأله أن نسمع الاخبار السارة خلال أيام العيد بتحرير المخطوفين.

أما في بلادنا شهدت الطائفة في الأسابيع الأخيرة وحدة صف لم يسبق لها مثيل إثر إقرار قانون القومية في الكنيست وتأثيراته على أبناء الطائفة. فكانت هبة شعبية وسلمية واحدة موحدة بمشاركة وتعاون جميع الأطر والمؤسسات تكللت بوقفة تضامنية في تل أبيب شارك فيها أكثر من مئة ألف شخص وصل صداها كافة أنحاء العالم. 

قيادات الطائفة في البلاد لا تزال تعمل بحزم وثبات وحكمة على مواكبة الأمور للمحاظفة على حقوق أبناء الطائفة كمواطنين متساوين في البلاد، وتتطلب هذه المرحلة استمرار الوحدة والموقف الموحد والتعامل مع استحقاقات القانون بشكل حكيم وسليم يضمن كرامة الطائفة وموقعها.

ولا بد لي من كلمة للأخوة في لبنان حيث تأثروا بالانتخابات التي جرت إلى حد بعيد أدت إلى صدامات بين الإخوة في الشوف. إني على يقين أن مشايخ لبنان وزعماءه استطاعوا رأب الصدع، كيف لا وهم من عبروا الحرب الأهلية أواخر القرن الماضي وحافظوا على وحدة الصف.

أناشد إخوتنا في لبنان اللجوء إلى مسلك الحوار وإني لواثق من حكمتهم وحنكتهم في مداراة الأمور.

إخوتي وأخواتي:  

على الرغم من الأجواء الحزينة التى نستقبل بها عيد الأضحى هذا العام، إلا أننا نرضى ونسلم بما كتبه الله لنا ولإخواننا، فلا بد من أن نتأمل ونشكره تعالى خاصة أيام العشر المباركة، فيا لها من مفارقة ويا لها من حكمة ربانية لا يعرفها إلا خالقها، ففي هذه الأيام التي نبتعد عن زخم الحياة الدنيا ومشقاتها، نعود إلى جذورنا وأصولنا التوحيدية، وتنتعش فينا العقيدة والإيمان، وتهدينا إلى التعاون والمحبة وحفظ الإخوان، باللسان والأركان والجَنان ونتأمل ونعتبر بما منّ الله تعالى علينا من نعم لا تحصى، وأسماها هدايتنا إلى معرفته وطاعته بواسطة رسله وأنبيائه وأوليائه، فهم مصابيح البصيرة والشموس المنيرة، فأحرى بنا جميعا أن نحاسب أنفسنا من جديد ونقومها على صراطهم المستقيم، فنزرع الألفة والمحبة والتسامح في قلوبنا ومجتمعاتنا، ونسلك سبيل التقوى والديانة، لتدوم علينا النعم، وتنأى عنا المصائب والمحن وهنا حكمته تعالى بقدوم الليالي المباركة في وقت نحن في أشد الحاجة إلى عنايته تعالى ليرشدنا إلى الطريق السليم ويخفف عنا مصاعب الفترة.

لعيد الأضحى المبارك معان نفيسة، فمنها: العودة إلى الذات، ومحاسبة أنفسنا على كل صغيرة وكبيرة عملناها من خير وشر. وأن نستعين بالله سبحانه على نحر الطبائع والعادات المذمومة في نفوسنا، ونزور بيوت الله ونتعبد فيها بقلب نقي، ودعاء صادق، وعمل مخلص، متخشعين بين يديه، متذللين خاضعين أن يتقبل أعمالنا وأعمال إخواننا يوم الحشر والقيامة. فليس العيد بالمظاهر والزينة والحلى والكماليات، ولا بالتعالي والتفاخر بالأغراض الدنياويات.                                                                                                              

أبناء الطائفة الأعزاء -  

أرى لزاما عَلَيَّ أن أوجه كلمة أبوية وأخوية نابعة من صميم القلب.   

يشهد مجتمعنا في العقدين الأخيرين، تحولا كبيراً على الصعيد الحياتي اليومي، حيث تحولنا من مجتمعٍ تقليديٍّ محافظ، إلى مجتمعٍ علمانيٍّ متأثر إلى حد كبير بالغرب، ونحنُ والحالة هذه، بات علينا جميعا التروي والحذر في الأخذ عن هذا المجتمع الغريب عادات دخيلة على مجتمعنا، تؤدي إلى انزلاق شبابنا وفتياتنا إلى هاويةٍ لا نعرف مدى عمقها، وتعود علينا بالدمار والهلاك، وعلى المجتمع برمته. من جهة أعتز وأفتخر بالانجازات العلمية والثقافية التي وصل إليها أبناؤنا وبناتنتا خاصة في تربعهم على عرش المتفوقين على صعيد الدولة، لكنني قلق جدا من تقليد أعمى للغرب في المظهر والمنهج والذي يصيب مجتمعنا التوحيدي في الصميم ويؤدي إلى تفكك أسري وابتعاد عن نهج الآباء والأجداد. واسمح لنفسي في هذا المجال أن أوجه لكم ما أوصانا به سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمة الله عليه ونفعنا ببركاته:

"الطائفة الدرزية إذا بقيت على ما هو موجود الآن من التأثر بعادات وتقاليد ومناهج الحضارات المضلة يجوز أن ينقرض الكثير من عاداتها وتقاليدها ومبادئها التي تأسست عليها منذ سنين، وهذا يساعد على انهيار الطائفة، واذا طالت الأيام يخشى أن يقال باقي دروز. فالطائفة الدرزية يجب أن يكون لها برنامج تسلكه من عادات وتقاليد سليمة، موروثة عن أسلافنا أهل الفضل والتقى، وتاريخ قديم عريق، تقرأه وتحفظه وتأخذ العبر منه والدروس".

وختاماً، أدعو الله عز وجل أن يزيل ويبعد الخطر عن إخوتنا في الجبل والسويداء وأن ينصرهم في القضاء على أعداء التوحيد وأن يتغمد شهداء الجبل برحمته وعطفه وحنانه وأن يصبر أهلهم وأن ينهي الحرب ويحل السلام في سوريا.

كما وأتقدم من جميع أبناء الطائفة الدرزية أينما وجدوا، بالتهاني والمباركات، راجيا من الله، أن تحل البركة والخير والنعيم في كل بقعة من أراضينا، وأن ينعم جميع أبناء الطائفة وجميع السكان، بالطمأنينة والهدوء والسلام وراحة البال، وأتضرع الله العلي القدير، أن يحلّ عيد الأضحى القادم وقد أنعم الله على البلاد والمنطقة والعالم أجمع بالأمن والاستقرار والهدوء والسلام.      وكل عام وأنتم بخير.

                                                أخوكم

                                                                      موفق طريف

                                                               الرئيس الروحي للطائفة الدرزية

جولس -   وقفة عيد الأضحى المبارك

             20  آب 2018

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2403
//echo 111; ?>