" بين حانا ومانا.. ضاعت لحانا"، مثل شعبي نردده بين الفينة والأخرى ويحفظه الكثيرون منا، لكن القلائل يعرفون قصة هذا المثل، ولا بأس من التذكير ففيه فائدة كما يقال.
يقال ان هذا المثل ورد على لسان أحد الرجال الكبار الذي عانى نتيجة زواجه من اثنتين، حيث تزوج هذا الرجل من فتاة صغيرة بالسن كانت تسمى حانا، وهي زوجته الثانية والأولى تدعى مانا التي تقدم بها العمر.
وكانت للرجل لحية طويلة، ونظرا لتقدمه في السن ظهرت فيه شعرات بيضاء الى جانب السوداء. وعندما كان يذهب عند زوجته حانا صغيرة السن، كانت تغازله وتقوم بنتف بعض الشعر الأبيض من لحيته، لأنها كانت تريده شابا كما تقول له.
وعندما يقوم الرجل بزيارة زوجته الأولى كانت تقوم بنتف بعض من الشعر الأسود من لحية زوجها، بحجة أنه رجل وقور وله قدر كبير بين الناس، فلا يصح أن يظن به الناس أنه يصبغ لحيته باللون الاسود.
وبعد مدة من الزمن، نظر الرجل في المرآة فوجد أن لحيته قد تقلصت وكادت تختفي عن وجهه، فصدم من منظره وتعجب لحاله، وأطلق صرخته التي ذهبت مذهب الأمثال "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".
يضرب هذا المثل حين يحتار المرء بين أمرين أو بين شخصين مثل صاحبنا، فلا ينال رضا أي منهما أو لا ينال أيا من الأمرين ويخسر في النهاية، فقد خسر الرجل الوقور لحيته بسبب زوجتيه، وخسر بالتالي وقاره بين الناس، ولم يعد يعرف أهو شاب أم كهل.
أليس هذا هو حال مجتمعنا العربي الذي شب وبات كهلا في حضن إسرائيل، فلا هو أرضى أمه العربية الذي تركته وتخلت عنه مرغمة في أيام النكبة، ولا هو أرضى "ضرتها" الإسرائيلية التي ظلت تنتف بشعراته حتى جعلته يضيع ولا يعرف حقيقة انتمائه، وأخذ يتساءل دون يقين أهو عربي أم إسرائيلي؟ هل ينتمي لعروبته ودولها المتفككة والمنقسمة على نفسها بعصبيات قبلية ومذهبية ضيقة، أم ينتمي لدولته وحامل جنسيتها التي وجد نفسه في حضنها لا حول له ولا قوة، وشرب من حليبها وأكل من زبدتها وبات يتمتع بكل الوقاحة التي تدرب عليها؟ فلا هو بقي عربيا خالصا ولا هو بات إسرائيليا كاملا. ضاعت لحية مجتمعنا وضاعت معها قيمه وتربيته وأصالته، وبات مجتمعا مشوها ومعتلا ومنقادا.