جلس خلف مكتبه الفخم،على كرسيه الكبير الجميل،أمامه جهاز حاسوب،فاكس،وناسخه ،غرفته رحبة واسعة،كانت ذات مره غرفة الرئيس،ومكان انعقاد الجلسات،حصل عليها بعد قيام احد الرؤساء ببناء جناحا خاصا عبارة عن قاعة للاجتماعات ،ومكتب للسكرتيرة، ،النوافذ مفتوحة ،رغم عمل مكيف الهواء بانتظام ، ،فيخرج دخان سيجارته المشتعلة دوما ليدخل الهواء النقي.
هو، ورغم إنهائه الدراسة الثانوية، يعمل خفيرا باجرة وزير ،لم يسأله احد عن شهاداته ولن يسأله ،في السابق كان يكفي أن تنهي الصف الثامن لتصبح معلما ،وان تنهي الثانوية لتصبح مديرا، وان تنهي دار المعلمين لتصبح مفتشا أما هو فقد تعلم السياسة ،يجيب عن أي سؤال بهز كتفه بحركة أفقية-" لا اعرف "لا اعلم" اسأل المدير، "اسأل الوزير، اسأل الرئيس، اترك أوراقك، وسنفحصها"، لم يأخذ على عاتقه أية مسؤولية ،لم يتعب نفسه يوما بالسؤال ماذا بعد؟يرثه كل رئيس كما يرث الديون المتراكمة ،كما يرث الوريث ،الكرم مع الأفعى،حتى ألان تغير 5 رؤساء ،أما هو فهو اثبت منهم جميعا، يتغير الرئيس والنائب ،الائتلاف والمعارضة ،تتغير الأيام والأسابيع، ،يتغير المدراء والفقراء، أما هو فبات منظرا من مناظر قريته كجدار المدرسة،موجود دائما خلف مكتبه ،مدخنا سيجارته ،يُنَتِفُ شَعر رأسه أحيانا ،يعض فردة حذاءه أحيانا ،يصرخ ويزمجر أحيانا ،يستكين ويذرف الدمع أحيانا ،ممثل يمثل كل الأدوار بجدارة ،قبل الانتخابات نجد الجميع يتحدث، عن التغيير ،وضرورة التغيير ،وعن العهد الجديد وعن الشخص المناسب في المكان المناسب ،وبعد الانتخابات ،يتغير كل شيء ،إلا هو ،سبحان الله ،سبحان من يبدل ومن يثبت ،ومن يعمي البصيرة والبصر، ومن يصم الأذان، ومن يسمع من به صمم،سبحانه بملكه وملكوته ،يرى ولا يُر، يَسمَع ولا يُسمع، وهو على كل شيء قدير،وهكذا ابعد سبحانه العيون عنه ،فحصل على حصانة لم يحصل عليها احد.
دخل احد ا لمواطنين إلى مكتب المدير:"أرسلوني إليك".
-"من أرسلك؟ولم أرسلك إلي.
-لقد أرسلوني"
-يزمجر من أرسلك
-أرسلني مدير قسم الصيانة"
-ولم أرسلك؟ وما علاقتي؟
-اصبر يا أخي، اسمع أولا ،ربما تستطيع مساعدتي،وإرشادي"
-اترك أوراقك ،اكتب رسالة بمشكلتك ،سنبحث طلبك،ليس لدي وقت إنا مشغول ،انا مضغوط ولدي عمل كثير.
-ولكن المشكلة ليست كبيرة اسمعها.
-قلت لك، اكتب وسأتصل بك ،أتدري عد يوم الاثنين وستعرف الجواب.
-ولكن اليوم الاثنين والمسالة لا تحتمل التأجيل.
-حسنا ما مشكلتك؟
-هناك انسداد في خط المجاري، المحاذي لبيتني.
يقاطعه " حسنا سنعالج المسالة اتركني ألان.
-أتعلم أين بيتي؟
-في الحقيقة "لا
-أتعلم من انا؟
-لا، ولذلك قلت لك اكتب رسالة،اترك اسمك وعنوانك .
يخرج المواطن، يدخل احد الموظفين، يجده يشعل سيجارته ويتمتم بعصبية، يهم الموظف بالخروج فيستوقفه:"خير؟ ماذا تريد؟
-لا شيء
- إذا اتركني ألان ،راسي يدور وقد ارتفع ضغطي .
يخرج الموظف إما هو فينظر عبر النافذة، يخرج زفيرا ،يلعن الساعة التي دخل المؤسسة ،تسمعه السكرتيرة وتهمس:" أعصابك ،المهم أعصابك ،لا احد يفهمك ،لا احد يفهمك."
تدور عقارب الساعة، وتدور الحياة،انه يكره نفسه وكل ما حوله،يحلم بنهار جديد بيوم جديد بعيدا عن هموم الناس الذين يطلبون منه اتخاذ القرارات وهو تعود على كلمة واحدة لا اعلم.
زهرالدين محمد سعد -المغار