بقلم : بليغ صلاح الدين - المغار
إنَّ للإنسان حواس خمس يستقبل عن طريقها "المتغيِّرات" المتنوِّعة من "المعادلات" الموجودة أمامنا. يستقبلها و"يحلها" في شتـَّى الطرق, لكن في النهاية, وكما في علوم الرِّياضيَّات, فالمتغيِّر يبقى متغيرًا. أي أن كل انسان منا يضع ما تشاء نفسه مكان ذلك المتغير, ويغيِّر المعادلة!, حتى تصبح صحيحة حسب متغيِّره.
لكن, أنا هنا أطلب منكم فقط أن تستعملوا واحدة من هذه الحواس كي تفهموا ما أرمي به على عقولكم الخصبة. أرميها لتنبت هناك, لكن , البذور لا تنبت دون رَوْيـِها !
والحاسَّة المطلوبة على جدول متطلباتي هي حاسَّة النـَّظر. هذه الحاسَّة الأكثر أهميَّة للبشر وأصعب ما في الإستغناء عنها من بين باقي الحواس, التي تتجسد في العين هذه البلورة البيضاء الموجهة في وجوهنا, والتي أعطانا منها الله زوجًا كي يؤكد لنا على أهمِّيتها وأهمِّيَّة استعمالها. تبدأ بإلتقاط الصُّور عبر إشعاعاتٍ منعكسة ممَّا هو موجودٌ أمامنا, إن كان انسانـًا او حيوانـًا أو جمادًا أو كتابـًا (طبعًا هو أكثرهم ندرة في التواجد أمامنا). تنعكس إلى عيننا لتقوم شبكية العين بتحويل هذا الضوء المنعكس لسياله عصبيَّة التي تنقل عبر الأعصاب نحو الباحة البصريَّة في الدِّماغ.
لم يكن شرحي عن العين مجرَّد كلام علمي سخيف. إنـَّما هو شرح لكيفية رؤية النـَّاس للـ"أراجيل" وكيف يختارون "المعسِّل" المفضل لديهم أو "باكيت الدُّخان" المفضَّل لديهم (مع إنـُّو كله NEXT عشنو أرخص أشي). لا أنكر أنَّ لباقي الحواس أهمِّيَّة أيضـًا, فبدون حاسة الذوق لا نستطيع تمييز ال "Redlabel" عن ال"Vodka". (والله يسترنا من حاسة الشم لشو بتستعمل!)
مع كل هذا, لا أزال أطلب حاسَّة النـَّظر, لـِماذا؟, الجواب بسيط وهو اننا مجتمع "أعمى" . إنَّ في مجتمعنا عكس ما قيل عن كيفية عمل العين, فمجتمعنا ينقل ما يريد أن يراه من الدِّماغ إلى العين وليس العكس. وذلك في العديد من المجالات, فهناك من يدَّعي المحافظة والتـَّقاليد وهو في نفسه وفي غرفته وفي زاويته, أقبح ما يكون. يدَّعي القوَّة وهو يعلم في نفسه أنَّ أكبر قوَّة لن تقف أمام عقل حاصد! وسليم. يدَّعي الذكاء وهو يَعلم بأنَّ أكثر ما بحث عنه في علبته السوداء هو قصص حبٍّ وغرام في مسلسل تركي تافه, أو عادات وتقاليد قديمة مليئة بالتخلـُّف في مسلسلات سوريَّة.
لماذا لا نستغل ما إستغلـَّه "ليوناردو دا فنشي" من عقله. هل خلق له الله غرفـًا فارغة في عقله أكثر منـَّا كي يحصِّن فيها كل ما يراه ويسمعه ويشعره ويلمسه وممَّا يبحث ويعمل كي يراه ويشعره؟ هل هذا صحيح؟ طبعاً لا.
ما الذي ننتظره؟ باص "ارفع ايدك"؟, متى سنفكـِّر ونـُطـَوِّر تفكيرنا فوق نطاق "سيارة" و "ارجيلة" و "مشروب" و.... متى؟ متى سيصبح الكتاب شائع الوجود وليس نادر الوجود أمامنا. كي نفهم ما نقرأه بأعيننا ونعالجه بدماغنا لنستطيع حل المعادلة بوضع المتغيِّر الصَّحيح لها!؟ ونوسِّع غرف دماغنا لمعادلات أكثر وأصعب.
فيا أخي, إذا نظرت شرقاً سوف ترى صينياً يصنع روبوتـًا جديدًا, إذا نظرت شمالا سترى روسيـًّا صاعدًا على مركبته الفضائيَّة, إذا نظرت غرباً سترى امريكيًّا يكتشف محلولا كيميائيـًّا جديدًا. بعد تلك النظرات الق ِ نظرة خافتة في المرآة! هل هناك فرق؟ طبعًا لا!
لكن هنا, العين المستقبلة للأشعَّة المنبعثة من جسدك الى المرآة لن ترى ذلك الفرق!