بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين علاّم الغيوب ومفرّج الكروب وستّار العيوب، وألف صلاةٍ وسلام على نبيّه الهادي المحبوب، وعلى إخوته الأنبياء الطّاهرين، الدّاعين إلى أشرف غاية وأعظم مطلوب.
إخواني أبناء الطّائفة الدّرزيّة في كلّ مكان، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في مثل هذه الأيّام، ومنذ نحو مئة وخمسة وثلاثين عاماً، تحتفل طائفتنا بحلولِ زيارةِ مقام نبيّ الله شعيب عليه السّلام، والّتي تطلّ علينا في الخامس والعشرين من شهر نيسان في كلّ عام، لتذكّرنا برسالةِ خطيب الأنبياء ومعلِّمهم سيّدنا شعيب عليه الصّلاة والسّلام، ويجتمع عادةً في رحابِ مقامِهِ الشّريف قربَ حطّين، المشايخ ورجالُ الدّين على الصّلوات وأداء العبادات، مبتهلينَ إلى الله تعالى أن يعمّ الأمنُ والأمان فوق ربوعنا المقدّسة، وفي كلّ بقاع الأرض.
في مركز هذه المناسبة الجليلة، نستذكر فضائل ونفائس نبيّ الله شعيب عليه السّلام حيث كانت رسالته المباركة دستورا للإنسانيّة جمعاء، فقد أنبأت القصص والتّراجم أنّه قام في قومه شابًّا، يدعو الناس إلى إيفاء الكيل والميزان بعدما اعتمدوا الغشّ في البيع والتّجارة، ليكون بذلك قد لقّن مجتمعات العالم درسًا في كيفيّة بناء المجتمع الصّالح القائم على العدالة والمساواة، وانّه جمع في شخصه المبارك رسالة النبيّ الدّاعي إلى عبادة الله وتوحيده، ورسالة المطالب بالحقّ والمبادر إلى الإصلاح مهما شقّ الطّريق.
للمرّة الأولى منذ عشرات العقود على زيارة المقام، تأتينا هذه الزّيارةُ مصحوبةً بغصّةٍ في ظلّ انتشار وباء الكورونا الخبيث، الّذي أغلق أبوابَ بيوتِ العبادة وزعزع استقرار دول العالم أجمع، محتّمًا علينا أن نلغي مراسمَ الزّيارة لهذه السّنة، حِرصًا على صحّة المجتمع، وحفاظًا على سلامة الزّائرين، مُكتَفينَ هذا العام بزيارة القلوب والضّمائر، الّتي هي أثمنُ وأجلّ من زيارة الأجساد.
وما من شكّ أنّ هذا القرار الّذي تم اتّخاذه هو قرارٌ صعبٌ موجع، ولكنّه بالتّأكيد حتميٌّ ولا مفرّ منه في أعقاب التّطوّرات الصّحيّة الأخيرة.
إخواني وأخواتي، ممّا لا اختلاف عليه أنّ هذه الأزمة أرخت سوادها على مناحي كثيرة من الحياة، في حين هدّدت اقتصاد بيوت كثيرة، وفرضت قيودًا على جداول أعمالنا، وأجبرتنا على تغيير عاداتنا ونهج حياتنا دون سابق إنذار. على الرّغم من هذا كلّه فقد حملت لنا أيضًا درسًا وحكمةً وعبرة، وذكّرتنا أنّنا لا زلنا مع كلّ التّقدّم بشرًا ضعفاء، وأنّ لهذا الكون ربًّا أقوى وأعظم.