بقلم: زياد شليوط
كنا مساء يوم الجمعة الماضي 11/12/2009 على موعد مع العرض الموسيقي لفرقة "وتر" بعنوان "سر" ألحان وتوزيع: مهران مرعب ووسيم عودة، في قاعة مركز العلوم والفنون، المعروفة باسم (أشكول بايس) في شفاعمرو. ولكي لا نخدع أنفسنا – منذ البداية- أصارحكم القول أنه ساورتني شكوك وألحت علي تساؤلات، فهذه هي المرة الأولى، على ما أذكر، التي أحضر فيها عرضا موسيقيا مجردا، ومن تلك التساؤلات هل سأجد متعة في العمل، وألن يدخل الملل الى قلبي، وهل سأفهم لغة الموسيقى؟.. لكن جمعت شجاعتي ووعدي لفعالين في جمعية "حكايات زمان" التي أنتجت العمل، وذهبت لأحضر العرض الموسيقي.
وكانت الدهشة أنني تمتعت بالموسيقى التي قدمتها فرقة "وتر"، ولم اشعر بالوقت ولم أنظر للساعة إلا بعد انتهاء العرض، وعلمت أنه مرت ساعة كاملة كأنها كانت دقيقة. لقد استطاعت فرقة "وتر" الموسيقية من نقل الدهشة وشد الأنظار والأسماع الى جمهور المشاهدين، الذي تجاوب جدا بصمته العميق مع القطع الموسيقية، وقابلها بالتصفيق الحار بعد كل مقطوعة، أو بعد كل عزف منفرد. "فالموسيقى هي لغة النفوس، والألحان نسيمات لطيفة تهز أوتار العواطف." كما قال جبران.
كانت الدهشة في هذا التناسق والتناغم التامين بين أعضاء الفرقة العازفين، وهذا التفاهم الكبير الذي جعل الموسيقى تنساب من آلاتهم، وكأنها تنساب في الحقيقة من أرواحهم، فهم أعطوا كل من داخله، وكنت ترى تمازج العازف مع آلته، وكأنهما جسدين في روح واحدة. فقد أبدع كل من مهران مرعب على القانون، وسيم عودة على العود، سرور صليبا على الكمان، فادي حنا على البزق والايقاع، حاجاي بيليتسكي على التشيلو وليف ألمان على الايقاعات، نعم أبدع كل واحد وصب من روحه مشاعر رقيقة عبر آلته التي داعبها بكل محبة ورقة ودقة.
أكثر ما أدهشني، أن نكتشف مؤلفين موسيقيين بارعين وهما مهران مرعب ووسيم عودة، يقدمان لنا ألحانا من مقامات موسيقية منوعة جديدة ورائعة. دائما كنا نستمع لموسيقى ملحنين عرب كبار من مصر وسوريا ولبنان وغيرها، لكن مهران ووسيم، وغيرهما أيضا، كسروا هذه القاعدة وأثبتوا أن مواهبنا لا تقل عما يتوفر في العالم العربي، فبعدما أثبتنا ذلك في الشعر والقصة والتمثيل، نثبته اليوم في الموسيقى تأليفا، فعزفا اثبتناه من سنوات. وهذا الأمر يؤكد أنه اذا توفرت الظروف والامكانيات ستظهر المواهب والقدرات وستتطور وتصقل المواهب من خلال الدراسة والاستمرارية.
ومن خلال هذا العرض ثبت لي أنه ليس من الضرورة أن تكون دارسا للموسيقى حتى تفهمها أو تعجب بها، بل ربما ليس من الضروري أن تفهمها، انما من الضروري أن تعيشها وأن تتصور حالة من خلال الموسيقى، فبعض المقطوعات جعلتني أتخيل مشاهد وكأنها تحدث أمامي من خلال الموسيقى، استطاعت فرقة "وتر" أن تجعلني أعيش الموسيقى وفق خيالي وكما أحب، وليس بالضرورة حسب ما اراده الملحنان أو اعضاء الفرقة، فالموسيقى لغة عالمية حقا، ولهذا لا تحتاج لقاموس حتى تفهمها ألم يقل عنها وفيها فيلسوفنا وأديبنا العظيم جبران خليل جبران "وجد الانسان فأوحيت اليه الموسيقى من العلاء لغة، ليست كاللغات، تحكي ما يكنه القلب للقلب، فهي حديث القلوب."
اعتدنا في الماضي، أن نحضر أعمالا غنائية ومن خلالها نتعرف أو نستمتع بالموسيقى المرافقة للغناء، من خلال مقطوعة أو اكثر بين الوصلات الغنائية، لكن أن نشاهد عملا موسيقيا خالصا فهذا الجديد والمثير، والأهم ان نتمتع به ونبقى متشوقين لسماع المزيد، هنا يكمن نجاح فرقة "وتر" في عملها الأول "سر" وأظن ان التسمية جاءت ملائمة جدا، وكشفت لنا أسرارا هامة، أو أنها أبقتنا في عالم الأسرار.
وأعادتني هذه الأمسية لكتاب جبران " الموسيقى" لأقرأه لا أدري للمرة كم، واذ بكل كلمة فيه تفسر لي أسرار سعادتي وأنا أتابع العمل الموسيقي "سر"، وحينها زال اللبس الذي رافقني لشعوري بالراحة والمتعة وارتحت أكثر، بعدما عدت لموسيقى جبران.
(شفاعمرو)