بسم الله الرّحمن الرّحيم
على أعتاب الرّابع عشر من شباط النّصر في كلّ عام، اعتادت الطّائفة الدّرزيّة على الاجتماع في رحاب مقام نبيّ الله شعيب عليه السّلام، مستظلّين تحت فيء علمنا ذي الألوان الخمسة، ومستذكرين تاريخًا عريقًا سطّرته الطّائفة على مدار أجيالٍ بتقديم التّضحيات والبطولات.
وأيّ بطولةٍ أعظم من ذكرى تحرير الشّحّار من أيادي الظّلمة والغدر، يوم أثبتت الطّائفة موقفها الواضح من الحفاظ على الدّين والأرض والعرض، مصرّحةً للغادي والرّائح أنّها لم تكن يومًا لتجور وتعتدي، بل لتدافع عن الحقّ والعدل وتنتصر.
إنّه الشّحّار الّذي صار رمزًا للشّجاعة والإباء، مصدّرًا للرأي المحلّيّ والعالميّ صورةً في أوج العُلا والتّميّز، لشيوخٍ خرجوا من خلواتهم للدّفاع عن قدسيّة الحياة، ونساءٍ شعّت وجوههنّ شرفًا وصمودًا من وراء النّقاب.
يقبلون بكلّ بسالةٍ نحو مقام سيّدنا السّيّد الأمير عبدالله التّنوخيّ قدّس الله سرّه، رافضين لأيادي الظّلام أن تطال هامته أو أن تخفي إرث هذه الشّخصيّة الجليلة، الّتي رسمت بعلمها صراط الإيمان والنّور في حياة الموحّدين.
لم يكنُ ذكرى تحرير الشّحّار قصّة انتصار حربيّ فحسب، بل كان ولا يزال ذاكرةً جماعيّةً حافظت على ترابط أبناء الطّائفة ووحدتهم أينما كانوا وأينما سكنوا، مثبتةً ما تناقله المؤرّخون عن ممثول طبق النّحاس عند بني معروف، الّذين لا حدودَ تفرّقهم ولا جدران تحدّهم من التّمسّك بالهويّة التّوحيديّة العريقة، والوقوف إلى جانب إخوانهم من أجل تحصيل المطالب والحقوق.
كلّ هذا عبر تبنّي الوحدة نبراسًا ونهجًا، وترسيخ مفهوم "حفظ الإخوان" كقيمةٍ أخلاقيّة واجتماعيّة هامّة، كان لها الدّور الأكبر في الحفاظ على سلامة الطّائفة وأبنائها، وصونها من كلّ مكروه في وجه جميع المعتدين. وهي ذات الرّسالة الّتي نتوارثها جميعًا جيلًا بعد جيل، ونوصي بها القادمين من بعدنا، من أجل تعزيز الموقف الطّائفيّ الواحد الّذي لن تنجح أن تطاله أيادي القلاقل والفتن.
منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تُحيي الطّائفة ذكرى تحرير الشّحار بالتّزامن مع الزّيارة الصّفديّة، لتجتمع في هذا اللّقاء لذّة النّصر بالشّوق، مبتهلين لجمع الشّمل بين أبناء الطّائفة من بلادنا ومن سوريا ولبنان، وراجين أن يكتب الله لنا فرصةً لنلتقي مع الإخوة والأهل ونحيي الزّيارة معًا بعد طول بُعد وانقطاع.
إخواني وأخواتي،
لا يخفى على أحد ما تمرّ به البشريّة في العام الأخير من معاناة مع أزمة الكورونا، الّتي ذكّرتنا نحنُ البشر بضرورة التّركيز على المشترك الجامع، رغم كلّ اختلاف في الآراء والتوجّهات والمبادئ. وهي نفس الرّسالة الّتي نستشفّها خلال كلّ عام من خلال هذه الزّيارة، الّتي تعلّمنا أنّ الحروب لم تكن يومًا محطّ أملٍ للنّاس أو لأبناء الشّعوب. رجاؤنا أن يعمّ الأمن والسّلام في أرجاء العالم أجمع، وأن نشهد ثورة تقدّميّة في عالم الإنسان، يزول فيها التّمييز وفقًا للدّين والعرق والسّياسة، وتتبنّى فيها الأمم حوارًا صادقًا ومفتوحًا يبدّل الحروب والقلاقل.
في النّهاية، لا بدّ من توجيه معايدةٍ صادقةٍ لعموم أبناء الطّائفة الدّرزيّة في كلّ مكان، مباركين حلول هذه الزّيارة الّتي نحييها هذا العام قلبًا، ومؤكّدين على التزامنا بالحفاظ عليها كإرثٍ تاريخيّ طائفيّ حتّى يوم القيامة.
نصرٌ بعد نصرٍ مبارك، على أمل تجديد مراسم الزّيارة واللّقاء خلال العام القادم.
الشّيخ موفق طريف
الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة
رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
جولس، السّبت الموافق 13.2.2021