اكتملت رؤياكَ، ولن يكتمل جسدكَ.. تبقى شظايا منه ضائعة في الريح، وعلى سطوح منازل الجيران، وفي ملفات التحقيق.. ليست أشلاؤك قطعاً من اللحم المتطاير المحترق.. هي عكا، وحيفا، والقدس، وطبريا، ويافا.. طوبى للجسد الذي يتناثر مدناً".. هكذا رثى الشاعر الراحل محمود درويش صديقه الكاتب والصحفي المقاوم غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في العاصمة اللبنانية بيروت.
ويوافق اليوم، الثامن من يوليو الذكرى الـ49 لاغتيال غسان كنفاني صاحب مفهوم "أدب المقاومة" ورواية "رجال تحت الشمس" و"ما تبقى لكم" و"أرض البرتقال الحزين".
ورغم مرور 49 عامًا على اغتياله؛ ما زال إرث غسان كنفاني الثقافي والسياسي أرضية تلهم المقاومة الفلسطينية، وهو الذي أصّل ذلك في كتابه "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948- 1968″، قائلا "ليست المقاومة المسلحة قشرة، هي ثمرة لزرعة ضاربة جذورها عميقا في الأرض".
وكان يُعد غسان كنفاني أحد أشهر الكتاب والصحفيين العرب، وما زالت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية.
وحتى اغتياله عن عمر ناهز 36 عامًا، ألف كنفاني 18 كتابا بين قصة قصيرة ورواية وعمل مسرحي، إلى جانب إسهاماته البحثية، وترجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية.
حياته
وُلد كنفاني عام 1936 في مدينة عكا على الساحل الفلسطيني، وعاش في مدينة يافا حيث التحق بمدرسة الفرير وفيها تعلم اللغة الإنجليزية.
هُجّر في نكبة 1948 إلى لبنان سيرا على الأقدام، ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق، وهناك خالف طموح والده بأن يصبح تاجرا واتجه إلى الأدب، ونال إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق.
هناك اشتغل موزعا للصحف وعاملا في مطعم ومدرسا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بدمشق لمادتي الرسم والرياضة، ثم سافر إلى الكويت عام 1955 وعمل في التدريس.
وفي عام 1960 انتقل للعمل في بيروت بصحيفة "الحرية" التابعة لحركة القوميين العرب، ثم صار رئيسا لتحرير صحيفة "المحرر" ورئيس تحرير ملحق "الأنوار" ومؤسس ورئيس تحرير مجلة "الهدف".
وحينما تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم "مجلة الهدف" وترأس تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعدها.
"هل تتزوجيني"
"هل تتزوجيني؟ أنا فقير بلا مال ولا وطن.. أعمل في السياسة، وقد تكون حياتي مهددة بالخطر.. وأنا مصاب بالسكري".
هكذا عرض غسان كنفاني الزواج على آني هوفمن، الفتاة الدنماركية التي تعرف عليها في بيروت عام 1961، ووقع في حبها بعد أسبوعين من لقائهما فقط، وأثمر زواجهما عن طفلين هما: ليلى وفايز الذي سمّاه غسان تيمناً بجده.
وكانت آني ابنة لمناضل قديم ضد النازية، وبعد أن سمعت عن القضية الفلسطينية قررت أن تذهب إلى بيروت من أجل مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، والتقت كنفاني هناك.
لماذا اغتيل؟
بعد عام 1969 ازداد نشاط كنفاني السياسي، فأصبح عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبات الناطق الرسمي باسمها ورئيس تحرير مجلة "الهدف" التابعة للجبهة.
وأسهم غسان في وضع الاستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي للجبهة، مؤكداً أهمية العمل الفدائي والكفاح المسلح، وكان دوره السياسي أساسياً في الجبهة الشعبية على الرغم من أنه لم يكن منضبطاً في العمل الحزبي ولم يشارك في الاجتماعات بشكل منتظم.
في سبتمبر 1970 أجبرت مجموعة من الجبهة الشعبية 3 طائرات على الهبوط في مطار "داوسن فيلد" العسكري الموجود في منطقة صحراوية بالقرب من محافظة الزرقاء في الأردن.
واحتجز أعضاء الجبهة حينها 310 رهائن بينهم 56 يهودياً، مطالبين بإطلاق سراح المناضلة ليلى خالد ومعتقلين آخرين من الجبهة الشعبية، وانتهت العملية بإطلاق سراح 4 أسرى من أعضاء الجبهة كانت خالد من ضمنهم.
وبالرغم من أن هذه الحادثة وقعت في صحراء الأردن، إلا أن غسان كنفاني كان في واجهة الحدث من بيروت باعتباره متحدثاً باسم الجبهة الشعبية.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي أثارت استياء الحكومة الإسرائيلية، ففي 31 مايو عام 1972 نفذت مجموعة من الجيش الأحمر الياباني بالتنسيق مع الجبهة الشعبية عملية إطلاق نار في مطار اللد الواقع شمال تل أبيب.
ووفقًا للجبهة الشعبية، وضعت رئيسة وزراء الحكومة الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير قائمة بأسماء قياديين ومفكرين في الجبهة لاستهدافهم بعد وقوع حادثة مطار اللد، وكان على رأسهم غسان كنفاني.
اغتياله
أشلاء رجل في الـ36 من عمره، متناثرة على الأشجار، وجثة متفحمة لطفلة تبعد 20 متراً عن سيارة انفجرت للتو.. هذا كان المشهد الأخير من حياة الأديب والمناضل غسان كنفاني.
وبعد انقضاء أقل من شهرين على تنفيذ عملية مطار اللد، اغتال الموساد الإسرائيلي غسان كنفاني في 8 يوليو 1972 عبر عبوة ناسفة تزن قرابة 9 كيلوغرامات وُضعت تحت مقعد سيارته في العاصمة اللبنانية بيروت، وكانت برفقته ابنة أخته "لميس".
ورغم أن "إسرائيل" لم تعترف رسمياً بتنفيذ عملية الاغتيال تلك، إلا أن جميع أصابع الاتهام تتجه نحوها.
وفي يوم تشييعه، غصّت شوارع بيروت بما يزيد على 40 ألفاً من المشيعين، ووصف البعض جنازته التي ضمّت عدداً كبيراً من المثقفين والقادة السياسيين بأنها أكبر مظاهرة سياسية حدثت في العالم العربي بعد وفاة جمال عبدالناصر.
ولم يكن غسان كنفاني روائياً وصحفياً وقاصاً فقط، بل كان كذلك مناضلاً سياسياً كرس حياته من أجل القضية الفلسطينية.
المصدر: صفا
في ذكرى اغتيال صاحب "أدب المقاومة".. ما لا تعرفه عن غسّان كنفاني
"اكتملت رؤياكَ، ولن يكتمل جسدكَ.. تبقى شظايا منه ضائعة في الريح، وعلى سطوح منازل الجيران، وفي ملفات التحقيق.. ليست أشلاؤك قطعاً من اللحم المتطاير المحترق.. هي عكا، وحيفا، والقدس، وطبريا، ويافا.. طوبى للجسد الذي يتناثر مدناً".. هكذا رثى الشاعر الراحل محمود درويش صديقه الكاتب والصحفي المقاوم غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في العاصمة اللبنانية بيروت.
ويوافق اليوم، الثامن من يوليو الذكرى الـ49 لاغتيال غسان كنفاني صاحب مفهوم "أدب المقاومة" ورواية "رجال تحت الشمس" و"ما تبقى لكم" و"أرض البرتقال الحزين".
ورغم مرور 49 عامًا على اغتياله؛ ما زال إرث غسان كنفاني الثقافي والسياسي أرضية تلهم المقاومة الفلسطينية، وهو الذي أصّل ذلك في كتابه "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948- 1968″، قائلا "ليست المقاومة المسلحة قشرة، هي ثمرة لزرعة ضاربة جذورها عميقا في الأرض".
وكان يُعد غسان كنفاني أحد أشهر الكتاب والصحفيين العرب، وما زالت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية.
وحتى اغتياله عن عمر ناهز 36 عامًا، ألف كنفاني 18 كتابا بين قصة قصيرة ورواية وعمل مسرحي، إلى جانب إسهاماته البحثية، وترجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية.
حياته
وُلد كنفاني عام 1936 في مدينة عكا على الساحل الفلسطيني، وعاش في مدينة يافا حيث التحق بمدرسة الفرير وفيها تعلم اللغة الإنجليزية.
هُجّر في نكبة 1948 إلى لبنان سيرا على الأقدام، ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق، وهناك خالف طموح والده بأن يصبح تاجرا واتجه إلى الأدب، ونال إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق.
هناك اشتغل موزعا للصحف وعاملا في مطعم ومدرسا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بدمشق لمادتي الرسم والرياضة، ثم سافر إلى الكويت عام 1955 وعمل في التدريس.
وفي عام 1960 انتقل للعمل في بيروت بصحيفة "الحرية" التابعة لحركة القوميين العرب، ثم صار رئيسا لتحرير صحيفة "المحرر" ورئيس تحرير ملحق "الأنوار" ومؤسس ورئيس تحرير مجلة "الهدف".
وحينما تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم "مجلة الهدف" وترأس تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعدها.
"هل تتزوجيني"
"هل تتزوجيني؟ أنا فقير بلا مال ولا وطن.. أعمل في السياسة، وقد تكون حياتي مهددة بالخطر.. وأنا مصاب بالسكري".
هكذا عرض غسان كنفاني الزواج على آني هوفمن، الفتاة الدنماركية التي تعرف عليها في بيروت عام 1961، ووقع في حبها بعد أسبوعين من لقائهما فقط، وأثمر زواجهما عن طفلين هما: ليلى وفايز الذي سمّاه غسان تيمناً بجده.
وكانت آني ابنة لمناضل قديم ضد النازية، وبعد أن سمعت عن القضية الفلسطينية قررت أن تذهب إلى بيروت من أجل مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، والتقت كنفاني هناك.
لماذا اغتيل؟
بعد عام 1969 ازداد نشاط كنفاني السياسي، فأصبح عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبات الناطق الرسمي باسمها ورئيس تحرير مجلة "الهدف" التابعة للجبهة.
وأسهم غسان في وضع الاستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي للجبهة، مؤكداً أهمية العمل الفدائي والكفاح المسلح، وكان دوره السياسي أساسياً في الجبهة الشعبية على الرغم من أنه لم يكن منضبطاً في العمل الحزبي ولم يشارك في الاجتماعات بشكل منتظم.
في سبتمبر 1970 أجبرت مجموعة من الجبهة الشعبية 3 طائرات على الهبوط في مطار "داوسن فيلد" العسكري الموجود في منطقة صحراوية بالقرب من محافظة الزرقاء في الأردن.
واحتجز أعضاء الجبهة حينها 310 رهائن بينهم 56 يهودياً، مطالبين بإطلاق سراح المناضلة ليلى خالد ومعتقلين آخرين من الجبهة الشعبية، وانتهت العملية بإطلاق سراح 4 أسرى من أعضاء الجبهة كانت خالد من ضمنهم.
وبالرغم من أن هذه الحادثة وقعت في صحراء الأردن، إلا أن غسان كنفاني كان في واجهة الحدث من بيروت باعتباره متحدثاً باسم الجبهة الشعبية.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي أثارت استياء الحكومة الإسرائيلية، ففي 31 مايو عام 1972 نفذت مجموعة من الجيش الأحمر الياباني بالتنسيق مع الجبهة الشعبية عملية إطلاق نار في مطار اللد الواقع شمال تل أبيب.
ووفقًا للجبهة الشعبية، وضعت رئيسة وزراء الحكومة الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير قائمة بأسماء قياديين ومفكرين في الجبهة لاستهدافهم بعد وقوع حادثة مطار اللد، وكان على رأسهم غسان كنفاني.
اغتياله
أشلاء رجل في الـ36 من عمره، متناثرة على الأشجار، وجثة متفحمة لطفلة تبعد 20 متراً عن سيارة انفجرت للتو.. هذا كان المشهد الأخير من حياة الأديب والمناضل غسان كنفاني.
وبعد انقضاء أقل من شهرين على تنفيذ عملية مطار اللد، اغتال الموساد الإسرائيلي غسان كنفاني في 8 يوليو 1972 عبر عبوة ناسفة تزن قرابة 9 كيلوغرامات وُضعت تحت مقعد سيارته في العاصمة اللبنانية بيروت، وكانت برفقته ابنة أخته "لميس".
ورغم أن "إسرائيل" لم تعترف رسمياً بتنفيذ عملية الاغتيال تلك، إلا أن جميع أصابع الاتهام تتجه نحوها.
وفي يوم تشييعه، غصّت شوارع بيروت بما يزيد على 40 ألفاً من المشيعين، ووصف البعض جنازته التي ضمّت عدداً كبيراً من المثقفين والقادة السياسيين بأنها أكبر مظاهرة سياسية حدثت في العالم العربي بعد وفاة جمال عبدالناصر.
ولم يكن غسان كنفاني روائياً وصحفياً وقاصاً فقط، بل كان كذلك مناضلاً سياسياً كرس حياته من أجل القضية الفلسطينية.
المصدر: صفا