بقلم الطالب احمد يوسف كيوان - مجد الكروم - الصَّف الخامس ب
كانت عائلة أبو احمد تعيش في سعادة وهناء في قرية صغيرة في ضواحي مدينة القدس ، مع أبنائها الثلاثة، احمد وهو البكر وعمره تسع سنوات ، وحسين الابن الثاني ، وهو في الثامنة من عمره ، اما ريهام فكانت أصغرهم وهي غاية في الجمال والحسن.
وكان أبو احمد يعمل ليلا ونهارا بجد ونشاط حتى يوفر لأبنائه المال والسعادة والأمان ، فهو لا يحرمهم من شيء، فكان يشتري لهم الكثير من الألعاب والدمى والحلويات والملابس كل حسب اختياره وذوقه، وكان احب الألعاب إلى قلب احمد ، تلك الألعاب النارية مثل المسدسات والبنادق ، وسيارات السباق ، والدبابات البلاستيكية وسيارات الشرطة وغيرها من هذا القبيل لما كان يراه يوميا في التلفاز من برامج ومغامرات.
وكذلك لما كان يشاهده يوميا وهو في طريقه إلى المدرسة ، من الجنود المسلحين بالبنادق في شوارع القرية وبجانب الجدار الفاصل.
اما حسن فكان مولعا بحب السيارات والقطارت والجرافات وغيرها من وسائل النقل ، أما الابنة الحسناء فهي كبقية البنات تحب الدمى وأدوات المطبخ ، فصديقتها العزيزة هي ( فلة) .
كان الإخوة الثلاثة يقضون معظم الوقت في تحضير دروسهم ومن ثم اللعب في ساحة المنزل لأنهم كانوا يدركون خطر الخروج إلى الشارع ، فقريتهم دائما محاصرة بالجنود المسلحين وتشهد اسبوعيا تقريبا ، مصادمات بين الشبان والجنود وإطلاق نار بصورة دائمة .
في احد الأيام نهض احمد وتناول فطوره ،وارتدى أجمل ما لديه من ملابس وتناول إحدى بنادقه البلاستيكية الجديدة ، وخرج ليلعب مع رفاقه في الزقاق، وبعد اقل من خمس دقائق وإذا برصاصة تخترق صدره ، اطلقها عليه احد الجنود المتهورين ممن يرابطون في الحي ، ليسقط احمد أرضا ، تنزف منه الدماء.
وعلى الفور فر الجندي من المكان وحضر بعض شبان الحي على صوت إطلاق الرصاص ، ونقلوا احمد إلى المستشفى في حالة خطرة ، وضعه الأطباء في غرفة الإنعاش ليباشروا معالجته.
كانت عائلة احمد التي رافقته تعتصر ألما ، فالأم تولول وتدعو الله ان يشفيه والأب يبكي بحرقه
على فلذة كبده، ويصلي لشفائه ولكن الأطباء لا يطمئنون ، فقد شرحوا لأبيه ان جرحه عميق وإنقاذه مستحيل ، وعرضوا على الاب فكرة التبرع بأعضائه في حالة الوفاة.
بقي احمد ليلة كاملة في غرفة الإنعاش لكن دون جدوى ، فقد توفي مساء اليوم التالي بعد ان فقد الكثير من دمه جراء النزيف .وكان في تلك الأثناء يرقد في المستشفى أطفال آخرون مرضى، يعانون من أمراض مزمنة وقد أعياهم وأرهقهم وعائلاتهم المرض .. فالطفل ( محمد) يرقد من شهرين في المستشفى في حالة حرجة ويحتاج لعملية زراعة كبد. أما الطفلة ( سماح) فهي وعائلتها منذ سنة وهي في حالة حرجة تحتاج إلى زراعة قلب ، أما الطفل اليهودي ( روني) فهو يحتاج إلى كلية ، وقد فقدت عائلته الأمل في إيجاد متبرع ملائم ، وهذه العائلات تعيش
في حزن دائم ، وخوف ملازم لها على أبنائها كلما اشتد عليهم الألم .
وعندما تأكد الأطباء من موت احمد ، فقد قام احدهم ، وأعاد لأبي احمد الفكرة في ان يقوم الأب بالتبرع بأعضائه لإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال ، وبالفعل وافق الأب رغم حدة الألم الذي يكابده ،فقام الأطباء باستئصال ( القلب ، الكبد، والكلية ) من جسم الصغير ، وتمت عمليات الزرع للأطفال الثلاثة المرضى ، كل حسب حاجته ، بينما كانت جثة احمد يزفها أهل القرية إلى مثواها الأخير ، كانت عائلات الأطفال المرضى الثلاثة تنتظر بشرى الأطباء في نجاح عمليات الزرع لأبنائهم وقد عادت لهم البسمة ، وكم كانت فرحة هؤلاء الأهالي بعد أيام وهم يرون أطفالهم قد استعادوا الحياة والبسمة تغمر وجوههم ، فقلب احمد الذي ينبض في صدر ( سماح) أعاد لها ولعائلتها معنى الفرح ، والآلام التي أنهكت ( روني) وأباه ذهبت أدراج الرياح ، أما ( محمد) فقد عاد ليلعب كرة القدم مع رفاقه في الحي بعد ان فقد الأمل بالشفاء.
وبعد أسبوعين قام أبو احمد بالاستفسار من الأطباء عن حالات المرضى الثلاثة الذين قدمت لهم الأعضاء ، فطمأنوه أنهم بحالة جيدة ، وان بعضهم قد حرر إلى البيت ، فسر أبو احمد رغم الألم الذي يعتصره ، وقال ان روح ابنه ما زالت ترفرف حية بيننا تبعث الأمل والحياة لأطفال آخرين ، فأحمد لم يمت وانه أصبح لديه ثلاثة أبناء جدد هم ( سماح وروني ومحمد) هؤلاء الأطفال كلهم احمد .