بقلم: زياد شليوط
عندما أعلن براك أوباما الرجل الأمريكي الأسمر ذي الجذور الأفريقية عن ترشيح نفسه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ارتفعت درجات الأمل والتفاؤل لدى قطاعات كبيرة في الولايات المتحدة. وبعد نجاحه فعلا وتحوله لرئيس الولايات المتحدة تفاءل الكثيرون وخاصة في عالمنا العربي والاسلامي، الى حد الايمان بأن تغييرا فعليا سيطرأ على السياسة الخارجية للولايات الأمريكية، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك في تفاؤله المفرط.
وبعد عام من تقلد الرئيس الأمريكي الشاب مقاليد الرئاسة، عادت خيبة الأمل والتشاؤم لتسيطر على القطاعات التي رأت في أوباما الغد الجديد، وأخذت تلعق جراحها وتعيد حساباتها، وقد دلت نتائج استطلاعات الرأي في الولايات على تراجع شعبية أوباما إلى 40% وهي أدنى نسبة وصل اليها منذ ارتفاعه الى سدة الرئاسة. وأرسلت ولاية ماسشوستس وعاصمتها بوسطن، معقل آل كنيدي من سادة البيت الأبيض والحزب الديمقراطي، هدية مؤلمة للرئيس أوباما في الذكرى السنوية الأولى لجلوسه على العرش الأمريكي، بأن انتخبت مرشح الحزب الجمهوري لعضوية مجلس السنات، فخسر الحزب الديمقراطي كرسي الولاية الذي أشغله السناتور المرحوم تيدي كنيدي لسنوات طويلة.
ولم ترحم الصحافة "الحرة" أوباما ولم تشفق عليه ولم تغفر له تحقيق التغيير في كرسي الحكم، ولم تأبه لشعبيته الدولية الى حد منحه جائزة "نوبل" للسلام قبل أن يكمل عامه الأول في الحكم، ودون أن يقدم أي انجاز للسلام العالمي، باستثناء التصريحات الحمائمية، بينما واصل أعماله الغرابية في منطقة الشرق الأوسط. ورغم كل ذلك لم نسمع أو نقرأ أن أوباما قرر محاربة وسيلة اعلام ما، أو أمر بعدم تحويل الاعلانات الرسمية لها، أو طلب من موظفيه مقاطعة وسيلة أو صحيفة ما. فهذه الأمور لا تحدث إلا في شرقنا.
اذا تجرأت وسيلة اعلامية على انتقاد رئيس أو ملك، وحتى رئيس سلطة محلية، حتى تجد نفسها تلك الصحيفة في صف الخيانة و"التخابر" مع العدو، فيأخذ الرئيس وحاشيته وزبانيته منها موقف العداء وتصبح محاربتها مهمة "وطنية" من الطراز الأول، وتمنع عنها الاعلانات، وتجيش الأبواق المنافسة لضرب تلك "الزميلة" التي تجرأت على ممارسة مهمتها وحقها الديمقراطي المغيبة في شرقنا.
وفي المقابل فاوباما لم يقاطع الاعلام، بل صرح لمحطة "أي.بي.سي" هذا الأسبوع وعلى خلفية تراجع شعبيته، معترفا بأنه يرتكب خطأ أو اثنين في اليوم! يا للعجب رئيس أكبر دولة في العالم يعترف أنه يرتكب خطأ كل يوم، فهل سمعتم عن رئيس دولة عندنا، بل رئيس سلطة محلية يعترف ويقر بلسانه وعبر الاعلام أنه يخطيء مرة في الأسبوع، أو في الشهر بل حتى في السنة؟ لا يمكن، لأنه لا يحدث عندنا أمر من هذا القبيل. لأن أي رئيس في شرقنا، مهما بلغت درجته من الدنو أو سلطته من الفساد، ما أن يصل الى كرسي الرئاسة بأصوات العباد، حتى يبتعد عنهم رافعا نفسه الى درجات عليا من بنات أفكاره المريضة وأوهامه العريضة، وينسى أن الناس ترفع أو تخفض الزعيم. ويظن سيادته ويتوهم ويشيع أنه يعمل وفق الإرادة "الالهية" –أستغفر الله- ويجد له مجموعة من الرداحين والمداحين من القابضين على المال، الذين على استعداد لأن يحولوا الأسود الى رجل أبيض والبيت الأبيض الى بيت أسود، والفساد الى طهارة والفشل الى نجاح.
ويقول أوباما أيضا أنه يفضل ان يكون رئيسا جيدا لفترة واحدة على أن يكون رئيسا متوسطا لفترتين! هل فتح أحد منكم فاهُ مشدوها.. لا ، لن تصلوا لوقت ينطق فيه حاكم عربي مثل هذا الكلام، فالحاكم عندنا مستعد أن يبقى فترات من الحكم، بل فترة واحدة أبدية، مهما كان سيئ أو ضعيف الأداء على أن يكون رئيسا جيدا لفترة واحدة، فنحن نقيس الأمور بالكم، ونتساءل: كم سنة حكم الزعيم الفلاني؟ وكم عاما جلس الملك على العرش؟ ولا نسأل أو يمنع علينا طرح السؤال: ماذا فعل لنا الحاكم خلال فترة حكمه؟!
في الفيلم الأخير الذي أخرجه كلينت ايستوود عن الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون منديلا، ويعرض حاليا في دور السينما، يظهر عنوان في احدى الصحف خلال فترة ترشيح منديلا لرئاسة جنوب أفريقيا، يقول:"ان مانديلا أقنعنا بجدارته بالترشح للرئاسة، فهل سيقنعنا برئاسته للجمهورية؟" وهناك أكثر من رئيس أقنعنا فعلا بجدارته أثناء الترشيح، لكن بعد عام لم يقنعنا أنه جدير بالمنصب الذي وصل إليه.
فرحم الله "التغيير" الحالي، وبانتظار التغيير القادم، فلتبلعوا الضفدع!
(شفاعمرو)