لسماع تصريح منصور عباس بالصوت والصورة في الفيديو التالي :
"الشعب اليهودي بالنسبة له قضية هوية الدولة ويهوديتها هاي معركة وجودية. إذا أنتم بدكم تخوضوا مع اسرائيل معركة وجودية في هوية الدولة تفضّل قول اتنازل عن مواطنتي في إسرائيل وخلص".
هذه الجملة ليست لأمنون لين رئيس الدائرة العربية في حزب مباي، وليست لأفيجدور ليبرمان صاحب شعار "ولاء، مواطنة" ولا لآڤي ديختر صاحب قانون القومية، وصاحب النصيحة المتوعّدة لشعبنا "إصحوا يا عرب إسرائيل"، وإنما مقولة متكررة لرئيس القائمة الموحدة منصور عباس، وآخرها المنشورة في الفيديو من موقع العرب.
طيلة السنة الأخيرة سمعنا لعباس عشرات المقولات المنهجية مثل: "قانون القومية به أبعاد إيجابية لأنه على الأقل أبقانا في الوطن" أو "دع اليهود يختارون من يكون رئيس الحكومة ونحن نعمل مع من يختارونه هم" أو محاججته اليمين أنه هو الذي مرر ميزانية الأمن (حصار غزة، تهويد القدس العربية والاستيطان..) أو "على اليمين أن يختار هل هو يمين سموتريتش أم يمين جابوتنسكي". المقصود هنا هو "الفاضل" زئيف جابوتنسكي زعيم التيار اليميني في الحركة الصهيونية.
ولكن هذا التصريح تحديدا به ابعاد استثنائية بخطورته، لأنه تطويع كامل للفلسطينيّ صاحب الوطن. به تجسيد كامل للحُلم النهائي للحركة الصهيونية وهو أن يسلّم الإنسان الفلسطينيّ بأن الدولة التي أُقيمت في وطنه هي لليهود، وأنك أنت صاحب الوطن رعيّ من الرعايا بدولة اليهود.
هل القضية وجودية لليهود.... أم أنها وجودية للشعب الفلسطيني؟ فكرة البيت القومي لليهود لم تكن يومًا وجودية لليهود إلا بالمفهوم الصهيوني حصرًا، والآن يتبنّاها منصور عباس، أما الحقيقة والواقع فهو أنها قضية وجودية للشعب الفلسطيني، وهل هناك مثل أسطع من النكبة وتهجير ٩٠٪ من أبناء شعبنا نتيجة لفكرة البيت القومي اليهودي؟ هل "الدولة اليهودية" وجودية لليهود أم لعرب النقب؟ أم لعرب المثلث الذي اتفق نتنياهو مع ترامب على "التبادل السكاني" كي تبقى الدولة يهودية أكثر؟ هل الدولة اليهودية وجودية لليهود أم لشعبنا الفلسطيني برمًته؟
الكل يعرف أن المفاوض الإسرائيلي وضع أمام الفلسطيني الاعتراف بالدولة اليهودية شرطًا أساسيًا للتقدّم بالمفاوضات. ولكن ربما لم ينتبه البعض بأن المفاوض الاسرائيلي لم يضع هذا الشرط أمام السادات أو الملك حسين أو الامارات والبحرين والسودان والمغرب. فلماذا يشترط هذا المطلب على الفلسطينيين حصرًا؟! لأنّ المفاوض الاسرائيلي لا يرد إلا من ضحيته وصاحب هذا الوطن تحديدًا أن يعترف ليس بالواقع المفروض وحسب، وإنما بالرواية بمجملها كي لا يتمّ الانتصار عسكريًا وواقعًا فقط وإنما يتمّ الانتصار النهائي على الوعي والوجدان!
وهناك بُعد آخر خطير للغاية، وهو أن يرى منصور عباس أساس المواطنة بالموافقة على يهودية الدولة، "واذا مش موافق تفضّل تنازل عن المواطنة".
هذا المنطق هو هزيمة ذاتية عميقة وتذويت شامل للدونية. للقائد دور في تثقيف الناس خاصة الأجيال الناشئة، ولكن منصور بعد هذا الانبطاح الكلّي يقرر أن يهرب إلى الأمام، فيقوم بالسطو على ميزانية مخصصة للسلطات المحلية العربية والنشر عنها، وسرعان ما يدحض مسؤولو الوزارات وكذلك رؤساء السلطات المحلية العربية هذا الادعاء، مؤكدين أنه من ميزانية ٩٢٢ التي جلبتها القائمة المشتركة مع رؤساء السلطات المحلية وهو الطريق الذي أدّى إلى الخُطة الاقتصادية الحالية. أما عن السطو في وضح النهار على ميزانيات هي حق لشعبنا حصّلناها ونحصّلها بكرامة فسأكتب مادة مفصلة حول ذلك.