يحيى عطاالله ينظم الشعر منذ اكثر من عشرين عاما ، لكنه لم يطلع سوى بديوان واحد 2009 .
مفردة صهيل الجميلة شغلتني عن السؤال لماذا تأخر الشاعر كل هذا الوقت ؟!
للصهيل ابعاد عميقة الأثر في التاريخ العربي والإسلامي ، وفي فن الرسم والنحت . فقد ترمز الى المجد والعنفوان ، الى التمرد والجموح ، والى الجواد العصي على الترويض . هذا ما توحي به الكلمة العنوان قبل ان نقرأ النص لنعرف
أن عطاالله أراد بالصهيل ما معناه أن الشعر يجب ان يحرك في داخلنا ردة فعل معينة ، وإلا لا لزوم له .
" ما الشعر إن لم يستفز وما القصيدة يا ترى / إن لم تكن مثل الصهيل يرن في سمع الورى " .
هذان البيتان هما النقطة المركزية في هذه القصيدة التي كنت احبذ لو سارت كلها على نفس المنوال معنى
وتكريسا ، وذلك من منطلق حاجتنا لسماع المزيد عن ماهية الشعر وكيف يجب ان يكون . لكن الشاعر
خرج عن المحور الأساس الى الغموض في الشعر واصفا اياه بالطلاسم والهذر .
اذا كان يقصد غموض الخواء من التجربة ، وغموض النقل والتقليد فقد أصاب ، لكن في الشعر الجديد من الغموض ما هو مستحب وعميق ، غموض الأحاسيس الإشراقية والتركيبات الصورية التي تتيح للمتلقي متعة التفكر والتأويل .
في قصيدة أخرى يدخل الشاعر عالم المرأة يتعابير شائقة ورؤية حضارية ، نوجزها بدعوته الى تحرر المرأة
من التقاليد التي تحد من انطلاقها وتحاصر أنوثتها :
" يا حرّة العشق من روح معبأة / بصرخة العصر تلغي سالف الحقب / ثوري على زمن يؤذي أنوثته / ويدفن النهد بين الجهل والترب " .
اللافت في هذا الديوان أن الشاعر يكتب بكل الأشكال الشعرية حتى في الشعر العامي ، فهذه قصيدة على الوزن القرادي ، اغنية الى محمود درويش استهلها بهذين البيتين :
" حد " البروة " يا محمود / زهر لوز البريه / وكل ما بيزهر بيعود / الشاعر يكتب غنيه "
واختتمت بهذه الطفرة :
" في مخيم لاجئين / بستنا نجمة سعدو / تطلع من ليل التكوين / وتضوي درب الحريه " .
يقال أن " القصيدة تعتمد في تأثيرها على الإستهلال والخاتمة " . الإستهلال والإقفال هما في رأيي بمثابة
الجذع والأفنان ، وما تبقى بينهما هي المسافة التي من المفترض أن تشعر المتلقي بأنه دخل غضارة اجواء لا يريد مغادرتها ..
اعتقد أن يحيى عطاالله قد وعي هذه التقنية أو ما يماثلها ، لذلك نجد أن معظم قصائده حيوية مؤثرة استهلالا خاتمة ومساحة . بيد أنني تذمرت قليلا من قصيدة " الى فؤاد السنيورة " ، وتحديدا في " منزلق " دموعه التي سلخت من أوراق الشعراء العرب رزمة دسمة ، كنت افضل لو استخدمت في أغراض ذات فائدة . كذلك استرعت هذه الدموع اهتمام الشاعر عطاالله :
" أنا يا فؤاد أمام عينك أنحني / وأجل دمعك من صميم فؤادي " .
أنا شخصيا لم أعبأ بهذه الدموع لأن الظرف لم يكن ظرف دموع وعاطفة ، لا سيما القادة من المفترض ان يشحذوا عزيمة الشعب ؛ انما تأثرت جدا بدموع الثكالى والأطفال .
أما ما تبقى من قصيدة "السنيورة" والذي هو اختزال للواقع العربي الآني بتداعياته وتناقضاته ، ألمه وحلمه ، فهو من الأهمية والقوة بمكان مما يدل أننا أمام شاعرية لا يستهان بها جمالا موهبة وأسلوبا .