موقع سبيل
وصلت محرر موقع سبيل رسالة من الكاتب نبيل عودة تحمل بعض اللوم والانتقاد من تركيبة المشاركين في هذه الندوة والطريقة التي أعلن عنها أو أقيمت فيها.
ننشر هنا نص الرسالة من منطلق الموضوعية والأمانة الصحفية كاملة ً وسنعقب عليها بالرد جملة ً وتفصيلا ً :
الزميل كمال ابراهيم
قرأت خبرا عن الندوة حول دور السياسة في الشعر. ووجدت ان الأسماء تتكرر بصورة مملة . ومعظم الحديث بلا رابط موضوعي .
لا شك انك قمت بعمل كبير .. ولكن الانغلاق الحاصل في نشاطاتنا الثقافية ، واختصارها على اسماء بعضها عاجز فكريا وثقافيا ـتولد حالة من الشلل والابتعاد لعناصر نوعية كثيرة. الى جانب ان الدعوات تختصر علىفصيل ثقافي محدد كما الاحظ.. وهناك من يقول انهم يستفيدون ماليا. ولا ارى بذلك تجاوزا ، بل هو أمر طبيعي .. وليس هذا موضوعي..
اتصلت بالصديق الشاعر حسين مهنا لأفهم كيف تجري امور ثقافتنا بهذه السرية؟ فعبر عن امتعاضه ، ووجهني لك شخصيا ولموقعك الذي لم اعرفه سابقا.
كتبت مقالا حول ندوتكم.. تجد نسخة منه في ملف وورد .. وكما صارحتك من الكلمة الأولى أضيف ان نقدي غير شخصي، انما ثقافي عام .واقعنا مأزوم ، نقدنا مأزم ويفتقد لقاعدة فكرية ثقافية ، ثقافتنا في حالة عدم توازن.. ومع ذلك لا ارى آفاقا تبشر بالتغيير .
بمحبة - نبيل عودة
رد على رسالة الكاتب نبيل عودة من كمال ابراهيم محرر موقع سبيل :
حضرة الكاتب نبيل عودة :
وصلتني رسالتك التي تقول فيها إنك قرأت خبرا ً عن الندوة حول دور السياسة في الشعر ولم تتردد في توجيه اللوم من خلال هذه الرسالة بالقول : " إن اسماء المشاركين في الندوة تتكرر بصورة مملة – من خلال كلامك هذا إني لا أعرف أين تتكرر هذه الأسماء ، وهل تقصد في موقعي الإخباري أم في وسائل إعلامنا المحلية ؟ لا أدري ! . وإذا كان الأمر صحيحا ً فإني لا أعلم لماذا يغيظك هذا الأمر الى هذا الحد ، هل لأن هؤلاء الأساتذة المشاركين في الندوة نشيطون ويستقطبون إهتمام بعض الصحفيين وبعض وسائل الإعلام المحلية ؟!
ليس هذا المهم ، بل الأهم أنك تتهم هؤلاء بقولك : " هناك من يقول إنهم يستفيدون مالياً " . اسمح لي أن أؤكد لك في هذا السياق أن جميع المشاركين في الندوة المذكورة لم ولن يتقاضوا مقابل مشاركتهم أي مبلغ من المال وكنت أنا قد إتصلت بهم شخصياً طالباً مشاركتهم دون أن أعرض عليهم أي مقابل . فمن العار يا سيد نبيل أن تطرح مثل هذه الأمور التافهة التي تترك مجالاً للشك بأنك ربما أنت الذي تتقاضى مقابل مشاركاتك في الندوات هنا وهناك وتعتقد أن الآخرين يسيرون على منوالك .
قلت في رسالتك أنك إتصلت بالشاعر حسين مهنا وأعرب لك عن إمتعاضه وأنه وجهك إلى موقعي الذي لم تعرفه سابقاً . هنا أيضاً أشك بصحة أقوالك لأني تحدثت مع الشاعر حسين مهنا بعد الندوة بيوم واحد وأعرب لي عن شعوره الطيب وارتياحه العميق والتام من النجاح الذي حققته الندوة ومن بعض الآراء التي طرحت من خلالها والأفكار التي عالجها الأساتذة في مداخلاتهم ومن عدد المشاركين من الأدباء والنقاد والشعراء والحضور الذي فاق المائة شخص ، الأمر الذي لا يترك مجالاًً للشك بأن الندوة كانت على جانب كبير من الأهمية ومفيدة جداً.
واسمح لي يا سيد نبيل أن أعارضك الرأي وأن أعرب عن إشمئزازي العميق لتوجيهك التهمة بأن هذه الندوة سرية ، وفي هذا المجال أقول اننا أعلنا عن موعد انعقاد الندوة مسبقاً عبر بعض وسائل الإعلام ونشرنا خبراً عنها في موقعي " سبيل " تحت عنوان دعوة عامة ، وكذلك في محطة البث التلفزيوني في المغار وفي جريدة الحديث الصادرة في الكرمل . واذا كان هذا الإعلان ليس كافياً فهو يدل على جهلك لوسائل الإعلام هذه ، وأنا لست بصدد الترويج فقط لوسائل الإعلام التي تروق لك شخصياً .
وبكل سرور مرفق هنا نشر مقالتك كاملة .
تقبل إحترامي
كمال ابراهيم
الندوات السرية والأسماء التي لا بديل لها
بقلم : نبيل عودة
عقدت في مركز أشكول بايس في المغار بدعوة من الشاعر الصحفي كمال ابراهيم وبالتعاون مع جمعية نيسان لدعم الثقافة والفنون ، ندوة أدبية حول دور السياسة في الشعر ، بمشاركة عدد من الأدباء ...
المؤسف ان الندوات أضحت "مشاريع سرية" لا يعلم بها الا البعض القليل ، لذا كشفت الصور قاعة شبه فارغة.
قرأت الخبر الذي اكتفى بالاشارة الى من يؤيد ومن يرفض العلاقة بين السياسة والشعر. وكأن السياسة موضوعا لا علاقة للمجتمع البشري به ، لا علاقة لها بالثقافة ، مع ان كل الفلسفات التي نعرفها عبر التاريخ ، عالجت السياسة ورأت بها حالة لا حياة للثقافة بدونها.بل واجتهد أعظم فيلسوف انساني في التاريخ البشري ، افلاطون ، بطرح رؤيته السياسية ، لجمهوريته العادلة ، نفس الأمر كان مع الفارابي في مدينته العادلة .. أي ان الثقافة ، بكل فروعها ، المادية والروحية ، لم تكن عبر التاريخ البشري كله ، الا جزءا لا يتجزأ من الفكر الثقافي .
ومع ذلك الطرح هام . ولكن ....
هنا لا بد من سؤال جوهري: لماذا لا يجري دعوة ادباء من خارج الحلقة المغلقة التي تطل علينا عبر كل الندوات ؟
هل هناك ظن ان الأسماء المشاركة في هذه الندوة ، وفي جميع ما يعقد من ندوات تقريبا ، مهما اختلف أسم الجهة الداعية ، ومع احترامي لهم جميعا ، هم التيار الثقافي المؤثر وصاحب القول الفصل في كل القضايا الثقافية وغير الثقافية ؟
انا عشت مراحل ثقافتنا في صعودها وهبوطها.. ونحن الآن نواصل الهبوط باصرار عجيب رغم كثرة الخيم والقاعات والمراكز والجمعيات التي جعلت من الثقافة ثيابها الفضفاضة.
عشت مراحل النقد المحلي المأزوم منذ يومه الأول بسبب جوهره المبني على الزمالة والقرابة العائلية والتودد للكبار من أصحاب التأثير السياسي وتغليب العلاقات العامة على النقد وعلى الأدب .. وجعل مقاييس الابداع تبنى على ارتجال نقدي مزاجي ساقط فكريا ، وفارغ من أي رؤية جمالية او فلسفية او ثقافية بسيطة ، ونوعا من التسلية لبعض "النقاد" االذين اكتشفوا انهم ادباء بعد أن أصبحوا يمثلون الماضي السياسي والاجتماعي في واقعنا ،وكل معرفتهم بثقافتنا لا تتعدى الإصدارات الجديدة فقط . وأجزم انهم يكتبون صفحاتهم النقدية ، بدون قراءة على الأغلب الا بالتصفح ، او بدون فهم "الناقد" للمقروء.. وليس غريبا ان أضيف ان بعض الأدباء منهم لا يعرفون تفسير ما يكتبون. ولا اسجل مواقفي عبثا ، بل عن تجربة شخصية ، جعلتني انتبه لفوضى النقد ومخاطره على ثقافتنا ...
أمر مضحك ؟
وهو كذلك !!
نعود الى دور السياسة في الشعر او علاقة السياسة والثقافة عامة .
كنت اتوقع ان يحضر سياسي او اديب مخضرم عاصر معركتنا لصيانة لغتنا وثقافتنا وهويتنا القومية ، يوم كان موقف القيادة الطليعية ( واضح انها قيادة الحزب الشيوعي التاريخية ) ترى بالثقافة مكملا للسياسة وبالسياسة درعا ثقافيا ، حيث تحولت القصيدة بالأساس ، الى سلاح سياسي هام في نضالنا، وهل ننسى ما لايعرفه المشاركين في الندوة المذكورة ، بأن مهرجانات الشعر التي نظمت في سنوات الخمسين والستين ، كانت سلاحا سياسيا للمقاومة والتمسك بالهوية والتراث والوطن امام الموجات الهوجاء للإرهاب والقمع السلطوي .
مثلا معركة الهويات بعد اقامة دولة اسرائيل ، الم نوظف الشعر فيها من أجل دعم مواقفنا السياسية ؟ الكاتب والشاعر والمناضل حنا ابراهيم يذكر في كتاب مذكراته : " ذكريات شاب لم يتغرب "معارك الهويات التي خاضها الحزب الشيوعي ومحاميه حنا نقارة الذي أطلق علية الناسلقب "محامي الشعب" ، وكانوا ينشدون له الأهازيج الوطنية فرحا بتحصيله للهويات عبرالمحاكم الأمر الذي كان يعني البقاء في الوطن وعدم اعتبار الفلسطيني "متسللا" يجبقذفه وراء الحدود ، وتحديا أيضا للحكم العسكري الذي فرض على العرب الفلسطينيينالباقين في وطنهم .
ومن تلك الأهازيج :
طارت طيارة من فوق اللية ( اسم مكان في الجليل ) الله ينصركويا شيوعية
حنا نقارة جاب الهوية غصبا عن رقبة ابن غريونا
ويرويالشاعر والمناضل حنا ابراهيم انه كانت تمنح هوياتحمراء لمن يعتبروا " ضيوفا " بالتعبير الاسرائيلي ، أي المرشحين للطرد من الوطن .أما غير الضيوف فكانوا يحصلون على هوية زرقاء. ويذكر حنا ابراهيم أغاني التحدي التيكانت تنشد في حلقات الدبكة ، ومنها:
يا أبو خضر ( اسم شرطي عنصري ) يللا ودينا الزرقات والحمراع صرامينا
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ما ني مهموما
يقطع نصيب القطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي واميل حبيبي والحزب الشيوعيبهزو الكونا
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه :
لو هبطت سابع سما عنحقنا ما ننزل
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
ومن تلك الأهازيج :
طارت طيارة من فوق اللية ( اسم مكان في الجليل ) الله ينصركويا شيوعية
حنا نقارة جاب الهوية غصبا عن رقبة ابن غريونا
ويرويالشاعر والمناضل حنا ابراهيم انه كانت تمنح هوياتحمراء لمن يعتبروا " ضيوفا " بالتعبير الاسرائيلي ، أي المرشحين للطرد من الوطن .أما غير الضيوف فكانوا يحصلون على هوية زرقاء. ويذكر حنا ابراهيم أغاني التحدي التيكانت تنشد في حلقات الدبكة ، ومنها:
يا أبو خضر ( اسم شرطي عنصري ) يللا ودينا الزرقات والحمراع صرامينا
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ما ني مهموما
يقطع نصيب القطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي واميل حبيبي والحزب الشيوعيبهزو الكونا
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه :
لو هبطت سابع سما عنحقنا ما ننزل
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
هذا نموذج صغير من دور الشعر في السياسة . وهل ننسى دور قصيدة محمود درويش " سجل انا عربي " التي أصبحت صرخة تحد ضد القوائم السوداء ؟ وهل ننسى قصيدة سالم جبران : " سجل اسمي في القائمة السوداء / سجل اسم ابي امي اخواني / سجل حتى حيطاني / في بيتي لن تلقى الا الشرفاء ".
وهل ننسى كأننا عشرون مستحيل / في اللد والرملة والجليل لتوفيق زياد وقصائده سجناء الحرية وعمان في ايلول ؟ الم تكن القصيدة اهم من خطاب سياسي مهما كان ناريا ؟ وهل ننسى سميح القاسم في ابدا على هذا الطريق التي أضحى عنوانها شعارا سياسيا مجندا ؟ هذا نزر يسير . ولا يبدو لي ان ندوتكم ، من قراءة الخبر والمواقف ، قد دخلت للمضامين ولفهم ان سقوطنا السياسي واضمحلال قوتنا السياسية ، كان مرافقا لغياب الجيل الطليعي الذي رأي بالثقافة معلما نضاليا مجندا ، ووصول قيادات لا تقيم اعتبارا للثقافة في العمل السياسي مع الأسف الشديد ، والا ما كانت تسمج بغياب مجلات الجديد والغد والدرب وهبوط الاتحاد ثقافيا وسياسيا .
الملاحظة الأخيرة ، من الواضح ان الشعر اكثر وأسرع استجابة من أجناس الأدب الأخرى في الفعل السياسي، ولكن من الخطأ الوهم ان السياسة تأثرت او أثرت على الشعر فقط ، بل النثر الأدبي أيضا لعب دورا كبيرا في رسم معالم فكرنا السياسي ، واكتفي بذكر أعمال اميل حبيبي مثلا.
ان الفصل بين السياسي والثقافي هو مثل فصل المخ الأيمن عن المخ الأيسر.
هذه ملاحظات عابرة وليس دراسة . وآمل ان ينتهي عهد السمسرة الثقاقية والندوات السرية والأسماء التي لا تتبدل ، مثل الزعماء العرب!!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة