عام على رحيل الرجل الوطني المثالي الأستاذ سلمان شحاده فياض - بقلم كميل شحادة

تاريخ النشر 22/2/2010 13:28

في الثالث عشر من شباط العام الماضي، رحل العم أبو مروان سلمان شحاده فياض عن عمر ناهز 84 عامًا، أتذكره اليوم مع أحباب آخرين ، أهل ،أقارب وأصدقاء ممن رحلوا قبله وبعده .. بهذه المناسبة أشعر بما يدفعني من واجب لتقديم لمحة عن تاريخ هذا الرجل ، ليس بصفته عم قريب وحسب ، بل لأن في إشكالية شخصية هذا الرجل وما ميزه من صفات خاصة إستثنائية بكل ما تعني الكلمة دون أي مبالغة، ما يجعل أمر تذكره بكلمة متواضعة واجب طبيعي .. ومن ذلك ان آخرين يشاركوني الرأي ممن عرفوه مثلي وربما أكثر مني ، من الوطنيين المحترمين الثقات المخلصين ، وهو خال سميح القاسم في الوطنية والنضال مع كونه خاله في القرابة .. ان من أسباب عدم دخول هذه الشخصية ، بما يوازي وزن موقفها الوطني والإنساني والثقافي ، في الصورة الإعلامية بما يجعلها معروفة أكثر بكثير مما عرفت ، هو طبيعة هذه الشخصية ، قبل ان نتحدث عن أية ظروف ساهمت في ذلك .. لقد عُرف أبو مروان رجلا ً مثاليًا بقياس النموذج التقليدي ، الذي طبع حياة حكماء العرب التاريخيين الأخلاقيين ، الذين كانوا يرون في تطبيق المبدأ بصفة ذاتية ،أولوية على كل مصلحة وقيمه ،حتى لو كلف ذلك خسران الوظيفة ، وعدم الحصول على المركز والمنصب والمال ورضى الأحزاب والناس .. تجلى ذلك في عدم إقحام نفسه وبكل وسيلة – كما يفعل معظم ممثلوا الجماهير – للظهور في الإعلام وطلب المال والشهرة والوجاهة ، على خلفية موقفه ،بعدم المهادنة وعدم المداهنة ،بل الاستقامة العنيدة التي كلفته أخيرا ً اتخاذ العزلة في صالح المبدأ والموقف مدى سنوات طويلة من عمره وحتى وفاته .. لقد ولد الأستاذ سلمان شحادة وترعرع في بيت ديني، علمي ، حيث عرف والده الشيخ أبا محمد شحادة فياض كأحد أبرز فقهاء الدين في عصره في نطاق دروز فلسطين 1875 – 1957 .. وعرفت أمه جوهرة أبو زيدان، بالتقوى والورع .. في أربعينات القرن الماضي دخل دار المعلمين في يافا بعد إنهاء دراسته الأولى في قريته الرامه ، ثم تخرج ودخل في سلك التعليم .. في سنة 1942 إلتحق بالكتيبة الدرزية المقاومة للاحتلال الصهيوني بقيادة الثائر شكيب وهاب ..استجاب ومجموعة من قريته ومن بعض القرى الدرزية المجاورة سنة 1948 للتصدي لقوات الهجناه ، حيث دارت معركة بالقرب من شفاعمرو ، سميت بمعركة هوشي والكساير ، قريتان في تلك المنطقة ، جرى التهجير على أهليهما ضمن حملات التهجير لعديد من أنحاء فلسطين . أصيب العم سلمان برصاصة في عينه اليسرى ، نقل في اثرها للمعالجة في بيروت حيث فقد عينه، فزرع الأطباء مكانها عين من زجاج ، ظلت ترافقه إلى وفاته كوسام شرف قلدته إياه تلك المعركة الشرسة ، التي يقال ان أحد إخوة موشي ديان كقائد من قوات الهجناه، قتل فيها .. حين تم الاحتلال واستقر الوضع بعد ان بسط المحتل يده على الحياة العامة وعلى كل شيء تقريبًا .. عاد العم أبو مروان لمزاولة التدريس في إحدى القرى المجاورة ، ولم يستقم ذلك سوى بضع سنوات قليلة حتى فصلته السلطات من التعليم بسبب استمراره على موقفه المناويء للاحتلال ، المعارض لممارسات السلطات الظالمة للمواطنين العرب . ذلك بعد محاولات عديدة لإغرائه بمختلف وظائف ومناصب عرضتها عليه تلك السلطات، لكنه رفضها جميعًا ،وحتى رفض تعويضًا ماليًا عن عينه التي فقدها بسبب الاحتلال .. لقد رضي هذا الرجل بالاعتياش من دخل زهيد مما ورثه من أرض عن أبيه ، ومن دخل دكان صغير عمل فيه، تولاه عن أخيه الذي يكبره سنا ً، والدي المرحوم الشيخ محمد شحادة فياض .. سنة 1972 كتب سلمان شحادة منشور "عار التجنيد وعار التزلف" أوقف للتحقيق إثر ذلك بعد ان أحضر له شرطي دعوة للمثول في مركز شرطة كرميئيل حيث رفض العم التوقيع عليها مشترطا ً ان تكون مكتوبة باللغة العربية، ومنع من زيارة القدس والجولان لمدة خمس سنوات على خلفية ذلك .. كان العم سلمان يقضي جل وقته في مطالعات وقراءات مختلفة ، كان يقرأ كل ما تطاله يده ، لكنه اهتم بشكل خاص بالاطلاع على ما في الأديان ، خصوصًا الدين الإسلامي ، حتى اعتبره بعض جلساؤه ونظراؤه من الإخوان السنيين، فقيها ً سنيًا .. إلى ذلك درس اللاهوت المسيحي عبر المراسلة وحصل على شهادة BA ،واستمر سنة ونصف الى ال MA  لكنه توقف بسبب إغلاق كلية التعليم بصورة مفاجئه ،ذلك وهو فوق السبعين من العمر.. شارك بكتابة مقالات في صحف ومجلات عديدة : المرصاد ،الخميس، اليوم، البيادر السياسي، وغيرها، كاشفا ً محاولات التشويه لتاريخنا،من خلالها، فاضحًا ، التوجهات العنصرية والمغرضة للسلطات وأذنابها .. كان العم رجل عادات وتقاليد إجتماعية أصيلة .. أحترم الناس صغيرهم وكبيرهم على السواء ، حرص دائما ً على إقامة علاقات مودة ومحبة بين جميع الناس دون تمييز ، ترك الدنيا زاهدا ً مثاليا ً دون عقب من نسل له، لكنه ترك الكثير من المحبين والمخلصين ، وكثير من العطاء في مجالات مختلفة ،وطنية ، أخلاقية، ثقافية .. لقد اعتبره كثيرون من الوطنيين والمثقفين، أبا ً روحيًا ومعلمًا. رحمه الله . 
     
 
 
 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.ط·آ·ط¢آ³ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ­ ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¢آ´ط·آ¸أ¢â‚¬ع‘ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ±-ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آ±ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â�ط·آ·ط¸â€کط¸ظ¹ط¸â€کط¸â€کط¸â€کط·آ¨ ط·آ§ط¸â€‍ط¸â€‍ط¸â€، ط·آ«ط·آ±ط·آ§ط¸â€، ط¸ث†ط·آ±ط·آ­ط¸â€¦ط¸â€، ط·آ¨ط·آ±ط·آ­ط¸â€¦ط·ع¾ط¸â€، 24/2/2010 0:04
2.ط·آ·ط¢آ³ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ­ ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¢آ´ط·آ¸أ¢â‚¬ع‘ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ±-ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آ±ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â�ط·آ·ط¸ظ¹ط·آ¨ ط·آ§ط¸â€‍ط¸â€‍ط¸â€، ط·آ«ط·آ±ط·آ§ط¸â€، ط¸ث†ط·آ±ط·آ­ط¸â€¦ط¸â€، ط·آ¨ط·آ±ط·آ­ط¸â€¦ط·ع¾ط¸â€، ط¸ث†ط·آ£ط·آ³ط¸ئ’ط¸â€ ط¸â€، ط¸ظ¾ط·آ³ط¸ظ¹ط·آ­ ط·آ¬ط¸â€ ط·آ§ط·ع¾ط¸â€،24/2/2010 0:06

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>