بينما كانت تضع كوبَ الشاي على حافة النافذة، قالت:
"اشتقت لكلماتِكَ... حين داهمني الشتاء، اشتقت إلى موسيقاكَ، وتأوهاتكَ في حفلات الهروب إلى عتمة القمر، اشتقت إليكَ حين خيّم الصمتُ في زوايا البيت المظلمة! هل تظن بأنه تكون نهاية بعد البداية أم العكس (سأَلَت)؟ ما هي معزوفتنا؟ من أين تبدأ حكايتنا؟ (لم تنتظر إجابة)، أعترفُ لكَ، بأنني أبقى، في الغالب، مع وحدتي وعتمتي في الغرفة... آه (استدرَكت الحديث بُعيد هنيهات من الصمت) ومع كوب الشاي المملّ! لا أستطيع تحديد الزمن بعد اليوم! من بعدكَ، أعترف لكَ، إنني أهذي في مكان مستحيل الملامح، والعاصفة... هوجاء في الخارج ولا أدري سبب العاصفة!
أحلّق، في فراغ مدينتي ما بين الوجع وحدود النهار والأزقة التي لا تنتهي في بحر شوق وحدائقَ شوكٍ وورد أحاطت بنا حين راقصتُكَ، أمام عيون الناس، وقبَّلتُكَ وتهت في شبق شفتيك وأمسكت يديكَ لتحملني إلى سماء سابعة، حين تقرفَصنا مع الياسمين في آخر الليل وصلَّينا، أضأنا الشموع ولعبنا بالوحل والألوان... كيف لا أحبكَ! (تنهَّدت)... وأنا (أكملت حديثها)، فوق جسدِكَ فقط، يجتاحني عطر البنفسج في مدينة الفَراش والضَّباب وأهاجر من احتلال إلى آخر، لألوّن الزّهر في حقولِكَ وفي غاباتِكَ السريّة.
ممنوع! (رفعت يدها اليمنى أو اليسرى؟! لا يهم، وثم هَوَت وحدها بسقوط حرّ على حافة النافذة)... ممنوعة أنا من قَول أي شيء، ممنوعة أنا من ممارسة الكلام! ممنوعة من الممنوع! أعترف لكَ، بأني أصطنع الجنّ، أحترف الكذب وأمارس الملَلَ وأرفع صوت موسيقى كلاسيكية، تحملُني إلى نوستالجيا، إلى حيث تروح عيناي لتبحث عن مرافئِكَ عبر نافذتي، حزينة...أنا، أعترف لَك، ولا أجرؤ على أي شيء، أبحث عن كلمات لأسرقها من فضاء اللاشيء واستوقف بضع حبات من الرمل في ساعة رملية تتهالك عند مشارف النهاية!
أملأ فراغ الصدى بقهقهاتك وجنونك، وأكون مع همساتك... معَك! كما أنتَ بكل ما فيك... في زمن جَزْرٍ رديء المعالم رمادي الهوية!"
(صمت)!
العاصفة... هوجاء في الخارج!
(صمت)!
حَملَت كوبَ الشاي الرخامي (بينما كانت تمسح دمعها) وارتشفت منه قليلا كالعصافير!