لا شك في ان شعر نزار قباني يشكل معلما هاما من معالم المشهد الشعري المعاصر. فشعره اخترق كل البيوت العربية وتربع في صالوناتها ومكتباتها وحتى في مطابخها كباقة ورد, من الماء الى الماء. ولأن شعر نزار كذلك يتحتم على كل مقاربة له ان تنبع من امرين او ان تسير وفق معيارين:
الاول: المعيار الفني والثاني: المعيار الجماهيري. وأعني ان دراسة شعر نزار يجب ان تكون ضمن هذين المعيارين, ذلك لأن شعره يتمتع بجماهيرية واسعة من جهة, اما من جهة أخرى ففيه العديد من المزالق الفنية, التي تعتبر ضريبة هذه الجماهيرية. من هذه النقطة بالذات-الفنية والجماهيرية, رأينا أن معظم النقد الذي دار حول شعر نزار يقع هو الاخر في مدرجين: الاول: نقد متحمس له والثاني: نقد متحمس عليه. وواضح ان النقد الذي تحمس لنزار اقام حماسيته على هذه الجماهيرية الواسعة, اما الاخر فاقام حماسيته على المزالق الفنية. وكي نرى الى هذا المشهد النقدي المتضارب سنتوقف عند بعض المقالات التي تناولت شعر نزار باقلام عدد من نقادنا الكبار. بداية الفت النظر الى ما في بعض هذه المقالات من تضارب في الاراء, ولعل الامر ناشيء من كون نزار ظاهرة شعرية متميزة كسرت طابوات كثيرة منذ انطلاقها.
فهذا زعيم نقدنا مارون عبود يقول: "وبعد, فهذا شاعر في كلامه حلاوة كلام جرير, ولكنه يفوقه خيالا لأنه يصور بكلمة واحدة ما يصوره غيره بكلام. وفي اعتداده بنفسه هو مثل عمر بن أبي ربيعة, هو المحبوب دائما والتارك لا المتروك.." (عبود, ص 71).
وفي مكان آخر يقول: "ففي شعرك قصص ابن أبي ربيعة, وحسن ختام قصص أبي نواس, وحلاوة كلام جرير, وفتك بشار العقيلي" (عبود ص 70).
ويقول: "قال غيري: النثر مشي والشعر رقص فأرقص لنصفق لك. أنت في سامبا وطفولة نهد أولا". (عبود, ص 69).
واضح من هذه الاقتباسات حماس مارون عبود لشعر نزار, أما سهيل إدريس فتبلغ به الحماسة لشعر نزار حدا أكبر من الذي ذكر, فهو من خلال مقارنته لقصيدتين ألقيتا في مهرجان تكريم طه حسين في القاهرة الأولى لنزار والثانية لسعيد عقل يقول " تشرب قصيدة نزار قباني كالماء الزلال, وترتشف أبياتها بعذوبة لأنها متفجرة من نبع التدفق والطبيعة. إنها كالشجرة الغضة, تستمد نسغها من تلقائية الجذور السمحاء, وعفوية الأرض المعطاء, بعيدا عن أي تصنع" (إدريس, ص 140).
ويقول أيضا: "نزار قباني... يعتمد البساطة في اختيار الكلمة وتركيب العبارة, وهذه البساطة هي التي خلقت له ذلك الرصيد من الشعبية الذي يكاد لا يدانيه فيه شاعر عربي معاصر". (إدريس, ص 40).
ويستمر في حماسه لقصيدة نزار فيقول: "هذه الكلمات النثرية تتحول فجأة إلى كلمات شعرية, في غير ضعف أو تهافت, لأن البساطة فيها مقترنة بصدق العفوية أو عفوية الصدق, وهي التي لا تناقض بينها وبين العمق". (إدريس, ص 141). أو: "وفي هذه الأبيات لا تحول البساطة والوضوح دون المتانة في التراكيب والغنى في التصوير والتجنيح في الخيال". (إدريس, ص 141).
يقول د. عمر الدقاق عن شعر نزار: "نزار اليوم شاعر متعدد الجوانب. انه شاعر الحواس والمتع, أشعاره كأنهار من البهجة واللذة والحبور, وهو الطائر الصداح الذي يمرح بألحانه المطربة في حقل الحياة المشرقة يتنقل بين رياحينها ويتمرغ في عطورها". (الدقاق, ص 438).
وهذا سامي الكيالي يقول: "كتب ذاته بصدق وحرارة, وبواقعية لا تتلاءم ومحيطه الذي تكتنفه شتى التقاليد, أي لم يشأ أن يكون صوت فكرة من الفكرات أو صدى مذهب من المذاهب بل كان مرآة نفسه وصدى شعوره وحسه. كتب تجاربه, وصور ذاته بشتى انفعالاتها... خرج في تعبيره على أساليب القدماء وعلى جميع الشعراء الكلاسيكيين الذين عاصرهم, وحتى على شباب جيله.." (ألكيالي, ص438).
وفي مكان آخر يقول: "رمزية نزار تشع بالأضواء... قد تكون أضواء معتمة ذات غبش... ولكنها تشع ببريق متلألئ ينفذ إلى النفس, لا تختلط أمسياته بأصبوحاته... فالصفاء أظهر ألوانا.. أريد أن أقول إن شعره يحافظ على جزالته.. على لونه المتميز الذي يربك أعمق مشاعره ويقص قصص حبه وحكايات وجده بأسلوب رمزي لا ينقصه الوضوح". (الكيالي, ص 441).
ولعل جبرا إبراهيم جبرا كان أكثر النقاد حماسا لشعر نزار قباني, حيث يقول: "ان ينطق الشاعر اليوم بلسان التجربة الأزلية شرط أساسي للشاعرية: وان ينطق في الوقت نفسه بلسان النصف الثاني من القرن العشرين شرط أساسي للديمومة, وفي شعر نزار هاتان القوتان فاعلتان معا. الحب هنا قديم قدم كلكامش والإلياذة, وحديث حداثة جريدة اليوم". (جبرا. جبرا, النار والجوهر ص 118).
ويقول: " شعر نزار قباني شعر الإيجاب, شعر الإصرار, شعر تمجيد كل ما هو حي, فيه فاكهة بكر تجنى كل يوم من شجرة كأنها بكر كل يوم. والمعجزة في كل ذلك هي أن يلتصق الشاعر بعصره ومكانه, فيتجاوزهما, ويبقى صوت اليوم هو صوت الغد وبعد الغد, ويكون الشعر والعشق صنوين في اتحاد الشعر بالكون, وتغدو زمانية التجرية خارجة على الزمان نفسه". (جبرا. جبرا, النار والجوهر, ص 179).
وعن جماهيرية وشعبية شعر نزار يقول: "هذا الشعر الذي يستجيب له حتى الذين لا يفقهون الشعر, فتراه في كل بيت وعلى كل لسان, لا يمكن أن يكون مجرد لعبة لفظية يتلهى بها هؤلاء الناس. لا بد أنها حاجة, ظمأ جوع, من نوع ما. ومن استطاع ان يجعل من الشعر حاجة وظمأ وجوعا لكل من له أذنان, لا بد أنه وضع اصبعه على سر خفي في اعماق النفس". (ن.م, ص 119).
ويبلغ الحماس بجبرا أن يجعل الشاعر فوق كل شعراء الحب من العرب والغربيين على حد سواء. يقول: " لا احسب شاعرا في تاريخ أي أدب في العالم كتب غزلا بمقداره". (ن.م, ص 199).
ما ذكرناه غيض من فيض من أقوال المتحمسين لشعر نزار ويلاحظ أن تركيزهم على شعره يقع في خانتين: خانة البساطة, وخانة العصرنة. ولكن بقدر ما شكلت هاتان الخانتان مثار اعجاب المتحمسين له, بقدر ما كانتا ايضا المنفذ لهجوم المتحمسين عليه. بالاضافة الى نقاط أخرى أضافوها تتلخص في قضية تأثره بل نقله عن سعيد عقل, وفي تكراره, وفي قلة ثقافته التي يقتضيها الشعر المعاصر, وفي برجوازية شعره. فهذا مارون عبود يقول في شعر نزار: "قلد الشاعر سعيد غقل الشاعر العامي ميشال طراد في موضوعاته الشعرية فناجى ما ناجى من أشياء وأنت (يقصد نزار) قلّدت الاثنين" (مارون عبود, ص 68). وفي مكان اخر يقول: " أنت في الأدب العربي رابع ثلاثة عبدوا اللحم وليس عندهم للروح شيء, الصوفية والميتافيزيقية لا محل لهما في شعرك". (ن.م, ص 71).
أمّا امطانيوس ميخائيل فيرى في شعر نزار شعرا برجوازيا عاجزا, يقول: " اما نزار قباني فانه يعجز في قوقعته الذهنية العبقرية عن ممارسة التصور الاستاتيكي العفوي". (ميخائيل, ص 142).
ويضيف: " وفي قصيدة (فستان التفتا) يكرر الشاعر الصور الحسية والعبارات والتشبيهات التي استعملها في مؤلفاته السابقة, وهي في ذاتها امتداد للصور الشعرية التي التي وردت في الشعر العربي الجاهلي وشعر عصر الانحطاط والشعر الاندلسي, فاصبحت تقليدا شعريا يتوارثه الخلف عن السلف". (ن.م, ص 142). ويقول ايضا: " ان نزار يعتبر شاعر الطبقة البرجوازية والعقلية البرجوازية". (ن.م ص 152). وهو "يعيب عليه هذا الامر لأن مخيلته البرجوازية قصيرة النظر عن قضايا الشعب الحقيقية". (ن.م, ص 152). ويتهم نزار لكونه يستعمل لغة الحديث اليومي العادي, بأنه "حول الشعر الى نكتة أو الى مجموعة من النكات الصغيرة التافهة والتي يمكننا أن نتحسس أهميتها ونتذوقها بشكل أفضل من المهرجين أنفسهم بدلا من شعراء عمالقة وسادة.. كنزار قباني!". (ن.م, ص 165).
ولعل ايليا الحاوي كان أشد النقاد طعنا واستخفافا بشعر نزار, فهو يتهمه بالنقل الحرفي عن سعيد عقل, حيث يقول: "على ان سعيد يستولي على خاطر نزار, ويستأثر على حواسه وذهنه, حتى نرى أن هذا الاخير لا يتخذ من سعيد فنيته وذهنيته وصوره وحسب, بل صياغة العبارة أحيانا" (الحاوي, ج (1) ص 20). ويضيف في مكان اخر من دراسته: "ويقيني أن شعر نزار ما برح يجري في كثير من قصائده على ذلك النوع من الغلو العامودي الذي يتفلت له الشاعر من حدود المعقول تفلتا كاريكاتوريا اعتباطيا". (ن.م, ص 29). وفي موقع اخر يتهم الحاوي نزار بافة التكرار حتى النسخ التام. (ن.م, ص 32). ويقول: "فنزار هو سعيد واضحا ومبسطا وربما منثورا". (ن.م ص 41). وفي معرض دراسته لديوان (طفولة نهد) يقول: "ايكون الشعر هكذا جمعا للالفاظ في الصدفة النفسية والاتفاق الفكري مثيرا في نفس القارىء شعورا بالحيرة والاندهاش أمام معنى لا معنى له وصورة لا شكل لها, وقصة تجري حوادثها في عالم اللاواقع..." (ن.م, ص 52). وعن التكرار يقول ايضا: "ومهما يكن من امر فان الشاعر يكرر ذاته ويمضغ أفكارا واحدة". (ن.م, ص 106). ويخلص في دراسته الى ما يلي: "ومهما يكن فان مشكلة نزار ليست في النهاية مشكلة موهبة, فهو شاعر موهوب, لكنه قاصر, متخلف ليس لديه الثقافة التي يقتضيها الشعر المعاصر, وهو كذلك ليس لديه المعاناة العميقة كحقيقة الوجود, لانه لا يرتبط بها ذلك الارتباط المصيري الحاسم". (ن.م, ص 113).
وهكذا وبعد هذه الوقفة مع اراء المتحمسين سلبا وايجابا يجد الدارس نفسه في حيرة من أمر شعر نزار. لذلك يعود هو الاخر الى ذينك المعيارين اللذين ذكرناهما سلفا, أي الفني والجماهيري, اذا أراد أن يرى شعر نزار بموضوعية. ومن هذين المعيارين وقبل الولوج فيهما تنهض مساءلة مهمة على خلفية النقد الذي وجه لشعر نزار والذي أوردنا بعضا منه في هذه المقاربة: ماهي مهمة الشعر؟ هل مهمته تقريب الامور للقارىء العادي والنزول الى مستواه, فكرة وصورة ولفظا؟ أم مهمته رفع مستوى القارىء والأخذ بيده الى مستويات رفيعة ترى الى ما وراء الظاهرة والعادي والمألوف؟ انها مسألة شائكة لم يستطع النقد النظري أن يحلها لغاية الان.
مما تقدم نرتأي اذا أردنا الحديث عن شعر نزار أن نضع لنا تصورا معياريا للشعر من الناحية الفنية كي نقيس عليه شعر نزار ومن ثمّ أن نقف على أسباب جماهيرية هذا الشعر رغم عدم صموده أمام المعيار الفني الحديث كما سنرى. من هنا فان المعيار الفني الذي سنتكىء عليه يقوم على مفهوم الحداثة كما نراها رغم عدم الحسم فيها هذا من جهة, أما من أخرى فيقوم على مفهومنا المتواضع للشعر المعاصر. وكي نكون منهجيين في الحديث نرى بداية أن نحدد باختصار هذين المفهومين.
الحداثة أو الشعر الجديد "عبارة عن ابداع وخروج بالشعر عن السلفية, أي يكون رؤيا, والرؤيا بطبيعتها ثورة خارج المفهومات السائدة" (أدونيس, ص 9). لهذا فان أهم ما في الحداثة "أنها موقف كياني من الحياة" (الخال, ص 23).
وهذا يعني أن الحداثة او الشعر الجديد له حقيقته الخاصة, حقيقة العالم الذي لا يعرف الذهن التقليدي ان يراه ولكن الذي يراه ويكشف عنه هو الشعر "فالشعر الجديد يرى في الكون ما تحجبه عنا الالفة والعادة ويكشف وجه العالم المخبوء كما يكشف علائق خفية ويستعمل لغة ومجموعة من المشاعر والتداعيات الملائمة للتعبير عن هذا كله". (أدونيس, ص 9). وقوام الحداثة من هذا المنطلق "معنى خلاق توليدي لا معنى سردي وصفي", اي الكشف عن "عالم يظل ابدا في حاجة الى الكشف". كما يقول رينيه شار. لذلك هو يعبر عن قلق الانسان, فيصطدم في عملية الخلق الشعري بتحديين: حدود اللغة-قواعدها وأصولها- وأساليبها أي الموروث" (الخال, ص 19). وبقدر ما يصطدم بهذين التحديين بقدر ما يكون التحديان امتحانا لاصالة الشاعر وموهبته الابداعية. ان أهم ما يميز الحداثة: "التضمين", وتلاقي الضداد, والتلميح (الخال, ص 23), فمع الأول تكتسب القصيدة الجدة والطرافة ومع الثاني تكتسب الزخم والتوتر وترتفع عن مساق الكلام العادي ومع الثالث تكتسب الضبابية والسرية اللتين تثيران في القارىء حب الاستطلاع والتشويق والمغامرة والتحدي. وهذا في مجمله يعني "كسر المألوف وتفتيق العادي والانطلاق الى ما وراء الظاهرة" (بولس, ص 91).
ان حجارة هذا البناء الموضوعي المبين سابقا هي الألفاظ "لأنها في الشعر تؤدي الى ما وراء المعاني فتنضاف اليها أبعاد جديدة, وبذلك تتجدد وتحيا وتصبح اللغة في معنى الشعر لا في مبناه فقط" (الخال, ص 23).
ويلخص (أدونيس, ص 10-ص13) مهمة الشعر الحديث بقوله: "أولا, عليه أن يتخلى عن الحادثة, وثانيا أن يكف عن أن يكون شعر وقائع اي أن يبتعد عن النثر العادي, وعن المألوف من دلالات الكلمات, وثالثا التخلي عن الجزئية واحتواء رؤيا للعالم ليست مباشرة. ورابعا, التخلي عن الرؤية الأفقية كما هي في الشعر القديم بحيث يتجاوز السطح ومعاناة الوجود من الخارج بل التحول الى محايئة هذا الوجود: (امطانيوس ميخائيل, المقدمة). وخامسا, التخلي عن التفكك البنائي, أي عن التشقق في الهيكل, وعن الخطابية والمباشرة والاستعاضة عن ذلك بالصورة التركيبية, أي الصورة الرمز". (أدونيس, ص 10-13).
وهذا يقود الى أن يكون الشعر الجديد ذا غرابة والجميل غريب دائما. كما يقول (بودلير) والغرابة هنا بمعنى الجدة.
على الشعر الحديث ان يقود الى "الادهاش والشدهة وان يسعى الى مظاهر ذات صيرورة وديمومة كي يستطيع أن يحطم العرض الايضاحي, الأيديولوجي المباشر ليصير تعبيرا عن التجربة الانسانية". (بولس, ص 91 وما بعدها).
وكي يصل الشعر الى ذلك كله عليه أن يوظف عددا من الاليات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "التراث, لغة مؤثثة بمفردات منزاحة, التناص الذي يغني الخطاب الشعري, والأسطرة". (بولس, ص 94).
هذا هو مفهوم الحداثة كما نراه, أما مفهومنا للشعر عامة فيقول: لقد كان الشعر منذ البدء شعر قضية, اذ أنه "يصدرعن المعاناة والمنازعة والرفض والثورة. اذا ركد فيه الانفعال الذي تنثال به العواطف وتتحدد المولقف, فانه يعود شعر وصف ورصف, يتبارى فيه صاحبه على الألفاظ والمعاني أو انه يلعب على حبالها ويتعابث بتعقيدها وتوليدها ومدّ أبعادها والتفتق لها بحيل الغلو والاحالة" (حاوي, ص 5, ج 2).
من هنا فالشعر محاولة لانتزاع الوجود الاخر الحقيقي من قلب الوجود الأليف, الزائف, المطروح على أديم المظاهر والمتلبس بالحقيقة أو المخادع بها, انه سعي الى هدم ما علق به وتطين عليه". (حاوي, ص5, ج 2). وهكذا فان كل تجربة شعرية تحتضن قضية, امرا ما تعلنه أو تنتقض وتتعارض به, تحله محل يقين اخر, قضية متصلة بفهم الحياة ومعانقة الحقيقة أو السعادة أو الكرامة, أو أية قيمة انسانية أخرى. الا أن ذلك كله لا يلج فيها باب الجدل والنقاش والبينة والأخذ والرد على الأشياء والأحياء, وانما هو والج ومقيم في حدود المعاناة حيث تتحد الذات بالموضوع وتغدو الحقيقة حضورية. (حاوي, ص 6, ج2).
الشاعر اذن راءٍ يشاهد الحقيقة ويتصل بها ويحل فيها ويمثلها بالرؤى والرموز والاستعارات والاطياف القريبة والغريبة التي تحدث في خياله وانفعاله المدهشين. الحقيقة الشعرية, هي حقيقة انفعالية دون شك ولكنها لا تصدر عن الانفعال المهووس الفاقد البصيرة, والذي يسفح ذاته بالترهات العاطفية والأباطيل. انما هو انفعال عاقل رزين, يستمد من العقل جديته ومن العاطفة يقينها وحرارتها وحياتها وحيويتها, كما يقول "رامبو".
على ضوء ما تقدم من معيار فني ومن مفهوم الحداثة سنفحص في هذه المقاربة شعر نزار, وكي لا تنفلت هذه المقاربة وتتسيب وتتشطى مروحيا وتفقد بالتالي أهميتها- لأن شعر نزار غزير متنوع- سنسيجها بجانب واحد من هذا الشعر, هو جانب الالتزام السياسي, الذي بدأه نزار عام 1955 بقصيدو "خبز وحشيش وقمر". وتوطد عنده بعد نكسة عام 1967. مع التأكيد على أن ما سنقوله في هذا الشعر ينطبق تماما على شعره الاجتماعي (المرأة), لأن معين الشاعر واحد.
بناء على ما تقدم يتبرعم سؤال وتنهض مساءلة تقول: كيف كان شعر نزار المشار اليه؟ هل كان انفعالا أهوج مخادعا هائجا يطفر من ذاته طفرة لا يهتدي بالعقل ولا يهديه؟ بمعنى أنه انفعال لا تلجمه رؤية ولم ينر أحداقه التأمل؟ وهل صدر هذا الشعر عن معاناة حقيقية. ومن ثم هل قارب هذا الشعر مفهوم الحداثة الذي ذكرناه سابقا؟
الاجابة عن مساءلة كهذه تحتم الوقوف على قصائد نزار السياسية, وهي كثيرة لا شك, لذلك ستستمد هذه المقاربة بيناتها, وستشيد على قصائد اربع هي: قصيدة "لا", وقصيدة "جميلة", وقصيدة "الوصية", وقصيدة "أطفال الحجارة".
ولكن قبل الولوج الى لب الموضوع تفرض علينا الموضوعية ان نرى الى ما في هذا اللون من الشعر من مزالق كثيرة, وقع فيها معظم الشعراء الذين اقتربوا منه وقاربوه, وذلك لأمرين: الأول: لنفحص هل تنطبق هذه المزالق على شعر نزار, والثاني: هل استطاع نزار بشاعريته أن يتخلص من هذه المزالق؟ أم أنه علق بها ودار في اسارها.
أهم المزالق الملتصقة بهذا اللون من الشعر هي: أولا: ان الكثير من الشعر السياسي العربي الحديث تعوض فيه الشاعر عن الانفعال الخالق المهتدي الى الحقائق والحال فيها بالأحلام, والأوهام. "فهذا الضرب من الانفعال هو حماسي عصبي يطغى عليه النزق, فتفوته المعاناة المسؤولة المتمالكة لروعها والتي لا ترضى عن اليقين الجدي بديلا". (حاوي, ص8, ج2). ومن هنا فان افة هذا الشعر الايهام الشعوري الفاقد الرؤية, الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها في سبيل امر طارىء لا تناسب فيه بين السبب والنتيجة.
ثانيا: ثمة شيء اخر في هذا اللون من الشعر, هو افة "الرصف" وهو "ضرب من الحماس اللفظي" حيث تحشد العبارات وتترادف وتتكاثف لتوهم بعظم الانفعال, دون ان يتفطن الشاعر الى انه لم يترجم الانفعال ولم يكشف أبعاده". (حاوي, ص12, ج2).
ثالثا: "الوصفية", وهي ضرب من شعر المحاكاة, فهي "حيث يركد الانفعال ويفقد صموده وينقاد الى المظاهر والخوطر ويغدو اداة للنقل والتقليد في حدود اللفظة والصورة". (حاوي, ص10, ج2).
رابعا: "التقريرية" وعدم اقامة هذا التوازن الذكي بين المتخيل والواقعي.
على ضوء ما تقدم فان نظرة متمعنة لشعر نزار السياسي تشي بأنه عالق في الكثير منه بهذه المزالق. فقضية الانفعال الحماسي الذي يطغى عليه النزق, وقضية تفويت الرؤية نتجت عند نزار في رايي من كونه تناول في شعره احداث العالم العربي الساخنة, اي انه كان يخطو في شعره على ارض ملتهبة, مليئة بالبثور. "ان الالتقاء بالراهن السياسي يعني مواجهة الشاعر لاسئلة محرقة لا تحتمل الارجاء-لانها اسئلة تنبىء عن المأزق العام للمجتمع وتضع موضع التساؤل مجموعة القيم والمثل والمبادىء والمراهنات التي كانت تخلق دينامية ما وترسم افقا نتطلع اليه. ان الشاعر يجد نفسه وجها لوجه مع ركام الاشياء, ركام من الظواهر المرضية والسلوكية والاجتماعية, ركام من الاحداث والاخبار والنوادر والكلمات. وكل هذه المواد المتفجرة عن صلبنا وأحشائنا تشكل جسدا فيزيقيا هلاميا لا يمكن أن نحكيه بنفس الوتائر والنبرات واللغات السابقة. وهذا هو مأزق الشاعر: كيف يخطو ويحدد موقعا لأقدامه فوق أرض ساخنة مليئة بالندوب, مليئة بيقنيات تنهار وأخرى تتبرعم وتتأسس". (بولس, ص 78). هذا من جهة, أما من أخرى فقد نتجت القضية المشار اليها من تعمده اثارة القارىء أو المستمع, الذي من أجل ارضائه سفح فنيته على مذبح المضمون.
ولنأخذ مثالا على ذلك الانتفاضة. فالانتفاضة حين اندلعت غمرت النص الأدبي وفاجأته على أكثر من صعيد. لقد فاجأته في أعز ما يملك بداية: الاستلهام التأملي البطيء. لذلك لم يعد أمام النص من مجال للمناورة سوى التلقي والانفعال ورد الفعل, دون حساب للفنية. ولكم استدرت الاحداث السياسية من قصائد دوّت وشاعت وتذيعت في عصرها أو في الحقبة التي رفدتها واسترفدت منها, ثم ركد الحماسي وانطفأت شعلة الانفعال, فاذا بتلك القصائد تذوي لانها لم تكن تستمد حياتها من نسغ الفن, بل من الصخب. ودليلنا على ذلك قصيدة نزار "اطفال الحجارة". اين هي الان؟ وهل ما زالت تدوي في وجداننا كما كانت تفعل في وجدان قارئها من الزمن؟ طبيعي انها فقدت لونها, وذلك لانها استمدت قيمتها من موضوعها فيما تقتضي الفنية ان تمده, توكأت عليه بدلا من أن يتوكأ عليها. فهي لم تكن قائمة بذاتها بل به, فلما استكان تهاوت, وذاك هو التباين بين الانفعال العصبي الشديد الهياج والانفعال الفني المتمهل.
الشاعر الحق ينطلق من الموضوع ولا يرده الى ذاته ولا يتجول في حدوده المألوفة ومعانيه المعروفة بل يتولاه كمهماز عبر رؤيا عامة ينتظم بها الوجود وهي رؤيا تأنف من التقرير والمباشرة والتعميم والغلو (1).
وقضية اخرى في شعر نزار تنبجس من خاصرة الاولى هي "الرصف" فهو عنده كثير الامر الذي يشي بكثرة التكرار عنده. فكأن شعره نسج على نول واحد. فمفرداته هي هي يلمها ثم يبعثرها, يجمعها ثم يوزعها حتى بات القارىء المثقف يعرف قاموس نزار المؤثث بحفنة من مفردات تشير الى الماضي واخرى تؤشر الى الحاضر, ولا يستوقفه منها شيء جديد فهي تتمحور وتتبوأرعلى عباءة, ومسبحة, وخنجر وحريم وجواري, ونفط, وخنجر وياسمين وتفتا ونهد ولوز وكل ما يتفتق عنها منظرا ولونا ورائحة وأبعادا وايحاءات (2). ومن هنا من افة التكرار والرصف هذه اطلقت الشاعرة والناقدة العربية العراقية نازك الملائكة على شعر نزار شعر "الهيكل المسطح" الذي يخلو من الحادثة ويعمد الى ملء الفجوات بالتشابيه والصور المكرورة. (نازك, ص209 وما بعد).
وقضية ثالثة في شعر نزار تعود الى الوصفية, التي ذكرناها سابقا, وأقصد تكرار الصور لدرجة الملل, فصوره في هذا الاطار مبذولة مكرورة, صار القارىء العارف الناقد يتوقعها قبل قراءتها (3).
واخيرا النثرية والتقريرية, وهي افة شعر نزار عامة, ولكنها تبرز واضحة في شعره السياسي. فالكثير من كلامه يقع على مدرج النثرية والخطابية, بحيث يفقد الكلام رونقه, وتتسطح الصور ويخبو بريق الايحاءات.
ودليلنا على ذلك عدد كبير من القصائد, تمثلها قصيدة "جميلة بوحيرد", حيث فيها اعطانا الشاعر واقعة يحسن اداءها للتهيج والاثارة دون ان يلج الموضوع من الداخل, اي وقف على البراني دون ان يدخل الى الجواني, وذلك بجمل نثرية تقريرية بعيدة عن روح الشعر (4).
واذا قسنا شعر نزار السياسي بمقياس الحداثة الذي بيناه سابقا نقع على عديد من الامور التي يبتعد فيها شعره عن مفهوم الحداثية, عدا النثرية والخطابية. منها مثلا عدم توظيف الأسطورة بالشكل الصحيح, وعدم كسر العرض الايضاحي الأيديولوجي وغير ذلك.
ولكن وكي ننصف الشاعر نجد عنده أيضا الكثير مما يتعلق بالحداثية, خاصة توظيف التراث بشكل ذكي, رغم ما فيه من تكرار, هذا من جهة, أما من أخرى وانصافا اخر للشاعر يجب الا يغيب عن بالنا حذقه ومهارته في عدة قصائد حيث فيها ابتعد عما ذكرناه وجاءنا بصورة جميلة وبمقاطع نافذة متفوقة وليس أدل على ذلك من قصيدته "لا"(5) و"الوصية"(6).
ورغم ما قلنا, يظل سؤال محير اخر يلوب على الشفاه, وهو اذا كان شعر نزار السياسي كما صورناه, يفتقر الى الفنية والحداثية, فما الذي يجعله رغم ذلك محبوبا بل معشوقا من الجماهير اكثر من أي شعر اخر لشاعر اخر؟ وهنا نأتي الى الشق الاخر من مساءلتنا في البداية.
سؤال محير وعندي أنّ النقد عاجز عن الاجابة عنه, ولكنني أغامر وأقول: "ان ما حبب الناس في شعره السياسي بالذات, ما يلي:
أولا: كونه يصور واقع عصره, نافذا الى الجذور التاريخية فيه الممتدة عبر الزمن, مزاوجا بين صورتين: صورة البعث, وصورة التخلف والخمول, وهي الأشد وقعا في النفس. التي منها ينطلق دون أن يدع وجها من وجوه الخزي العربي حتى يلم به ويجلده بغضبه, هاجيا الحاكم البهلوان, الذي يعلف رعيته بلاغة وبيانا. وهذه صورة تستهوي القارىء كثيرا. وصورة اخرى يستلطفها القارىء ويجري وراءها بحكم مازوخية الشاعر هي صورة الشعب العربي الخامل الذي يجلس القرفصاء على بوابة التاريخ, يشاهد الداخلين الى حرمه يبنون ماثرهم وهو قابع مكانه مخدرا يبيع الشعارات. بالاضافة الى ان الشاعر ينعى على العربي استلقاءه على سرير التاريخ ينفق عمره باللهو الغيبي, كأنه حي مائت, لا حضور له على مسرح التاريخ والحضارة. وما يزيد من محبة القراء الى مثل هذه الصور رغم تكرارها اتكاؤها على التراث وانطلاقها من التقاليد والأساطير وميلها الى الدين والسياسة مصحوبة بنار الغضب, ذلك الغضب الذي اخترق طابوات كثيرة مغلقة, ظلت قرونا لم يجرؤ أن يقترب منها الانسان العادي, فكأن نزارا بهذا يدغدغ حواسه ويفتق له جرحا طالما فكر هو في تفتيقه فلم يستطع (7).
الأمر الثاني: استخدامه لرموز بسيطة يعرفها القارىء جيدا, لذلك ينسجم معها ويستوعبها, وربما يضيف اليها من عنده, كما ويستلذ في عملية تعريتها, لابتعادها عن التركيبية (8).
ولعل الامر الثالث يكمن في الصور المسطحة البسيطة المسحوبة من عالم القارىء العادي, فهي صور معروفة له, ولكنها رغم ذلك تسحبه وتأخذه الى عوالم ساحرة عجز عن دخولها لافتقاره الى سحر الكلمة والى الاثارة الشعرية (9).
وأمر اخر, اللغة البسيطة المفهومة ولكنها المؤثثة رغم بساطتها بايحاءات يستلطفها القارىء, ثم أمر اخر مهم هو الايقاع الجميل النابع من التكرار والموسيقا الداخلية للكلمات, فمفرداته رشيقة أنيقة منتقاه بذائقة من عالم مترف, بحيث تسحر قارئها لأنها تجيء من عالم يحلم به ولا يستطيع الاقتراب منه(10). ويتبع ذلك اللعب والتحول من الصورة العامة الى الجزيئات (11).
ولعل الامر الأهم, هو المتح من العامية البنانية وتوليد الصورة منها (12). ثم يلي ذلك الاسطرة على بساطة تركيبها في شعره (13). ثم تفاؤله في قصائده حتى تلك القصائد التي يعتريها سخطة الشديد, فهو دائما ينتظر ذلك العربي المنقذ الوافد من رحم الزمن, من اليرموك, من حطين, من بدر, من القادسية (14).
وأخيرا, النقد السياسي/الاجتماعي, الصارخ والهادف الى النهوض والتجدد وهو ما يعيش من أجله العربي اليوم, بعد أن تمرغت جبهته بالوحل (15).
أخلص الى القول بعد هذه الوقفة مع شعر نزار. هل استطعت أن أجيب عن المساءلات التي طرحتها؟
أحسبني فعلت. فما ذكرته يبين أن نزارا سفح الكثير من فنيته على مذبح جماهيريته, ثم هل يحتاج كلامي هذا الى براهين واثباتات كي تتضح مصداقيته؟ ربما؟! ولكن القصائد التي اعتمدت عليها, والتي ذكرتها في البداية معروفة لقارىء شعر نزار, والرجوع اليها يعطي البرهان الكافي لما قلته والاحالة اليها موجودة في نهاية هذه المقاربة.
وأخيرا, هذا هو نزار شاعر الغضب, المنفعل بقضايا شعبه, والذي لا يرحم أحدا, ولا يكف عن جلد الذات, هادفا الى انهاضها لتلحق بالركب الحضاري العصري.
هذا هو نزار في شعره السياسي الملتهب حماسة الذي من أجله ضحى بالكثير من أسباب الفن والحداثة.
وهكذا اذن يكون نزار بعد الذي قلناه قد عاش حياته بين التزامين مهمين: اجتماعي وسياسي. الاول اعرضنا عنه هنا لأنه يحتاج الى وقفة أخرى-رغم ما في الالتزامين من تشابه على الصعيد الفني- وقد جسّد نزار الالتزامين شعرا بحيث أصبح على كل فم عربي.
عاش ظاهرة شعرية, ومات ظاهرة فريدة.
كان مدرسة في التزاميه, بحيث حبا على بيادره الكثير من الشعراء, وسيظل مدرسة "متفردة" مهما حاول النقد العلمي أن يقول مقولته فيه سلبا أم ايجابا.
الاحالات
(1)
قاوموا
وانفجروا
واستشهدوا
وبقينا دببا قطبية
صفّحت أجسادها ضد الحرارة
قاتلوا عنّا
الى أن قتلوا
وبقينا في مقاهينا
كبصاق المحارة
واحد يطلب مليارا جديدا
وزواجا رابعا
ونهودا صقلتهن الحضارة
واحد
يبحث في لندن عن قصر منيف
واحد
يعمل سمسار سلاح
واحد
يطلب في الخانات ثاره
(2)
أدخل مثل البرق من نافذة الخليفة
أراه لا يزال مثلما تركته
منذ قرون سبعة
مضاجعا جارية رومية
أقرأ ايات من القران فوق رأسه
مكتوبة بأحرف كوفية
عن الجهاد في سبيل الله, والرسول
والشريعة الحنيفة
أقول في سريرتي:
تبارك الجهاد في النحور, والاثداء
والمعاصم الطرية.
يا حضرة الخليفة
أعبر عن سرادق الحريم كالمنيّة
أمشي عللى الأبدان, والغلمان
والأساور المرمية
أمشي على
توجع الحرير والقطيفة.....
من بيت مال المؤمنين... كل ما أطلبه
عباءة من قصب
وساعة من ذهب
ومن نساء قصره محظيّة
*نلاحظ هنا ايضا النثرية والتقريرية.
(3)
الاسم: جميلة بو حيرد
اسم مكتوب باللهب
مغموس في جرح السّحب..
العمر اثنان وعشرونا
في الصدر استوطن زوج حمام
والثغر الراقد غصن سلام
امرأة من قسطنطينة
لم تعرف شفتاها الزينة..
(4)
مقصلة تنصب والاشرار
يلهون بانثى دون ازار
وجميلة بين بنادقهم
عصفور في وسط الامطار
الجسد الخمري الاسمر
تنفضه لمسات التيار
وحروق في الثدي الايسر
في الحلمة
في..في.. يا للعار..
الاسم: جميلة بو حيرد
تاريخ: ترويه بلادي
يحفظه بعدي أولادي
تاريخ امرأة من وطني..
(5)
قتلناك!..
يا حبنا وهوانا..
وكنت الصديق, وكنت الصدوق,
وكنت أبانا
وحين غسلنا يدينا.. اكتشفنا
بأنا قتلنا منانا
وأن دماءك فوق الوسادة
كانت دمانا
نفضت غبار الدراويش عنا
أعدت الينا صبانا
وسافرت فينا الى المستحيل
وعلمتنا الزهو والعنفوانا
ولكننا
حين طال المسير علينا
وطالت أظافرنا.. ولحانا
قتلنا الحصانا
فتبت يدانا
فتبت يدانا.
(6)
أو حين يقول في "الوصية"
أفتح تاريخ أبي,
أفتح أيام أبي
أرى الذي ليس يرى:
أدعية.. مدائح دينية
ادعية حشائش طبيّة
أدوية للقدرة الجنسية
أبحث عن معرفة تنفعني
أبحث عن كتابة
تخصّ هذا العصر أو تخصني
فلا أرى حولي سوى
رمل وجاهلية.
(7)
أرفض ميراث أبي
وأرفض الثوب الذي ألبسني
وأرفض العلم الذي علمني
وكل ما أورثني
من عقد جنسية
أرفض ألف ليلة
والقمقم العجيب, والمارد,
والسجادة السحرية..
أرفض سيف الدولة المغرور