نظرة في شهيد الفكر والتأمل كمال بيك جنبلاط - بقلم منير فرو

تاريخ النشر 16/3/2010 12:46

"إن العمال الذين ليس على جسدهم قميص هم الذين سيحررون العالم" (كمال ) 

 

 

16 آذار عام 1977 كان يوما مشؤوما ليس لأبناء الطائفة العربية الدرزية ، وإنما للإنسانية جمعاء، ففيها سقط رجل العلم والعبقرية، رجل الفلسفة والحكمة اليونانية الإغريقية، والفيثاغورية الافلاطونية الارسططاليسية ، والهندية البوذية الكونفوشية الغاندية، والاسطورة التيبتية الصينية ، وما تخفيه حضارة الحكمة والحكماء من وراء مرتفعات القمم الثلجية ، قمم جبال همالايا ، حيث بنى ذو القرنين سدّه الشهير، والمصرية الفرعونية،المرتبطة بتوت عنخ امون ، والملك امحوتب وحتشبوت ورعمسيس ، وهرمس إدريس القرآني المثلث بالحكمة الباني الاهرام لتكون مستودعا ومكمنا لعلوم الكون واسراره ، لتتجلى فيه الذات الالهية التي هامت بحبها ارواح الصوفيين كامثال الشيخ حسين منصور الحلاج ، وابو قاسم الجنيد ، وسري السقطي ، وابراهيم بن ادهم ، ورابعة العدوية ، وحسن البصري ، وذو نون المصري وغيرهم من اتباع المذهب الصوفي التوحيدي ، الممتد من حكمة اخوان الصفا، والبابلية الاشورية الحمورابية السومرية ، الممتدة من بلاد فارس ، وما تحمل في طياتها من امثال كليلة ودمنة، ثم ما حملته الشرائع الدينية،والرسالات السماوية من اشراقات توحيديةمنذ خلافة ادم في الأرض إلى طوفان نوح –ع- إلى عبور سيدنا إبراهيم –ع – ارض كلدان وظهور الأسباط الاثنعشر وقصة النبي يوسف –ع- الى ظهور النور من طور سيناء ( التوراة ) إلى سعير( يسوع الناصري ) إلى أن تلألأ في جبل فاران (الرسالة المحمدية ) ، لقد سقط هذا الإنسان متخضبا بدمه كالأسد الضرغام الذي تحلى بوصفه المتنبي في قصيدة"وصف الاسد" ، ولكن هذا الرجل الذي طالما كره العنف وحمل السلاح ها هي يد الغدر تغتاله بوابل من الرصاص في مفرق "دير دوريت" اللبنانية حيث كان الشهيد في داخل سيارته المرسيدس مسافرا فنـزف الدم منه الى ربطة عنقه، فمال بجسده الى اليسار حيث حمل جانبه كتابه : "نكون او لا نكون" ،  تلك العبارة التي ارغم كمال جنبلاط الصوفي والنباتي الذي كره اكل اللحوم ان يرددها أبان ثورة 1958 ضد كميل شمعون حيث قال : " كم هو مجرم هذا الذي اضطرني على حمل السلاح أنا الذي لا اؤمن بالعنف ، ولكن اذا كان الخيار بين العنف والذل فقط فلا مجال لنا سوى العنف " ، لقد نذر الشهيد كمال نفسه للعلم والمعرفة التنويرية والفلسفة وجعل العقل اسمى هبة وهبنا اياه الخالق فعرّج عن طريق العقل الى المعرفة فغاص في علوم الفلاسفة اليونانيين والبوذيين والمصريين والصوفيين والهنديين والصينيين ، واقتفى حكمة ووداعة الناصري يسوع المسيح عليه السلام ، فتعلم منه نصرة الفقراء والمعوزين وحب السلام لقول المسيح : " طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون " ، وقد ساهم في انشاء مدرسة العرفان التوحيدية في لبنان ووضع فكرتهالان المجتمع يرقى بالعلم والمعرفة والتوحيد هو اساس تلك المعرفة الممتدة الجذور منذ القدم والمتقمصة الادوار الكونية منذ تلك الكلمة الالهية الاولى : كن فيكن "، وفي نظر المعلم الدين يجب ان يكون متطورا وروح العصر وان لا يبقى صنما يقف مكانه لئلا يصبح عبئا ثقيلا على اتباعه لان الله سبحانه كتب لنا الحياة "والايمان بالحياة هو الايمان بالتطور فلولا التطور لما كانت الحياة " ويقول : " خطيئتنا الكبرى هي أننا نتطلع دائما الى الماضي الذي جعلنا منه صنما في هيكل الاصنام الذي نتعبّد ولا يمكن ان ننهض الا بالامل وبالنزعة الى ما فوق الاوثان وما هو فوق المعتقدات والقوميات والعنصريات والتكتلات " فيرى المعلم ان تأخرنا نحن الشرقيين عن الغرب بسبب دخولنا في تفسير القومية والتي هي مستنقع ضحل تدعو الى الطائفية والتعصب الطائفي والمذهبي اللذان يولدان البغض والحقد والكراهية ويسببان الفتن والمنازعات التي تشل حركة التطور والازدهار ولبنان اكثر عرضة من غيره لتعدد طوائفه ومذاهبه وعليه يجب التغاضي عن المعتقدات والعنصريات والقوميات والتوحد تحت دستور يضمن حياة مشتركة ذات منهج تعايشي واحد ينصهر في بوتقة واحدة – وحدة وطنية وتعايش مشترك - لقد بلغ كمال في العلم قمة كبيرة فاتقن عدة لغات وجال في البلاد بحثا عن العلم فدخل البلاد غامضة المعتقدات كالهند ووصل الغرب ، تسمى بالمعلم وهذا الاسم لا يمنح الا لمن بلغ الكمال الانساني وسما في جوهرية العقل والنفس وشرّف نفسه عن حب الذات والانانية وربّاها على الاخلاق والفضيلة والبعد عن المادة والشهوات ففتح افاقه في معرفة الذات الالهية وتبحر في فلسفة علوم الاديان السماوية وعرف حقيقتها وان الاديان والمذاهب كالجداول تتجمع لتشكل نهرا واحدا يصب في مصب واحد هو توحيد الخالق والايمان برسله واحترام النفس البشرية وصيانتها من القتل الروحي والجسدي وتدنيسها بالشهوات البهيمية ومن خلال تأملاته وتفكيره والغوص في ذاته استطاع ان يؤلف مؤلفات تحمل افاقا وابعادا فكرية وفلسفية في علم الروح والبدن والطب والسياسة والاداب واضعا بذلك قوانينا للنفس البشرية لتتلأئم مع قوانين الطبيعة لذلك اتبع المعلم منهجا واسلوبا لحياته في اكله ومشربه حيث لا يأكل الا النبات الغير مطبوخ ومتجنبا المصنعات من الاغذية لانها سبب الامراض ويبحث عن الهواء النقي في الجبال ويجلس القرفصاء متربعا متبعا رياضة اليوغا واما ملبسه فهو اميل الى الزهد لقد عبّر عن السياسه بانها يجب ان تكون شريفة لتقود المجتمع الى طريق السلامة وذلك عن طريق النخبة الصالحة دون ان يرشح احد نفسه ففي حال قيام الفرد بترشيح نفسه اصبح عنده غاية ذاتية قبل ان تكون غاية لاجل المجتمع فهو بذلك ينظر الى الديمقراطية الغربية بالسلب لا بالايجاب كونها تمنح اسفل الطبقات لان ترشح نفسها مستخدمة المال لنيل اربها لقد وضع المعلم افكاره في عدة كتب منها كتاب "ادب الحياة" و"وثورة في عالم الانسان" و"العلاج بعشب القمح "و"الديمقراطية الحديثة" و"فيما يتعدى الحرف"و " حقيقة الثورة اللبنانية " وغيرها من المؤلفات التي تحوي ادبا وشعرا وفلسفة لم يكن كمال بعيدا عن مجريات الامور السياسية في لبنان والوطن العربي وحتى في العالم فقد بنى حزبا تقدميا اشتراكيا لايمانه بالاشتراكية التوافقية لمصلحة الوحدة اللبنانية وبعيدة عن الطائفية الفئوية تقلد مناصب في البرلمان اللبناني وناضل من اجل وحدة لبنان وتقدمه فلم يهمه حزبا معينا بل كان يبدي رأيه لخصومه السياسيين ويوضح لهم اخطائهم السياسية ليرتجعوا عنها حرصا على كرامة لبنان وشعبه لقد جالس وعاشر معظم الرؤساء والقادة العرب ورسم لكل واحد منهم صورة في مخيلته فسمى جمال عبد الناصر بـ "بسمارك العرب" وياسر عرفات بـ "سبع أرواح" ومعمر القذافي "مزاجي ما بيتكل عليه" وسليمان فرنجية "سكران بالفروسية" ورشيد كرامي "احترق لبنان والأفندي نايم" وكميل شمعون "خرّب لبنان"، لقد وقف كمال مع الوحدة العربية فوقف الى جانب جمال عبد الناصر والذي نال الزعامة بفضل تعاليمه الاشتراكية والوطنية وناصر الشعب الفلسطيني بعكس معظم الاحزاب والمليشيات اللبنانية التي اتفقت على ضرب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان وقال عن خسارة العرب لفلسطين عام 1948 : لان العرب لم يعرفوا كيف يتفقون على موقف ايجابي واضح ولانهم اساءوا فهم الطائفية اليهودية ولانهم غير متماسكين بل متناحرين " ومما يحكى عنه انه دعا بعض زملائه الوزراء الى مأدبة في قصر المختارة ففرحوا ظنا انه سيلاقيهم بالمناسف والقوز والقصوص والمشاوي ولكنهم فوجئوا بمائدة من حواضر البيت زيتون زعتر لبنة وبيض فوجموا صامتين فانتهرهم قائلا : ما بالكم تحجمون عن تناول زادي هو عشاء واحد تتناولونه مرة واحدة في حياتكم فما بالكم بالاف ابناء الفقراء الذين يكادون لا يجدون مثل هذا الزاد " هكذا قام المعلم بتلقين الوزراء درسا في الشعور الانساني مع الفقراء والمعوزين وكأن لسان حاله يقول لرؤساء العالم اين انتم وصراعكم على المناصب ؟ اهتموا بحال الفقراء والمساكين ومعاناتهم الذين لولاهم لم تصلوا الى ما انتم عليه ، ويذكر عنه انه بكى عندما رفضت الحكومة اللبنانية طلبه بتعيين 500 معلما بحجة ان الخزينة خاوية لحرصة على التعليم وعدم اهمال الاولاد لقد تنبأ كمال بسقوط روسيا الاشتراكية من سقوط الشيوعية في حال عدم تعديل بعض النقاط وهكذا حدث فعلا سقطت وتفردت أميركا بالهيمنة واخيرا لا يمكن للسطور ان تف حق هذا الرجل وستبقى البشرية جمعاء مدينة له لافكاره واراءه التي فيها صيانة الانسانية من التمييز العنصري والعرقي والديني لانه دعا الى دولة تشبه جمهورية افلاطون الفاضلة او اراء المدينة الفاضلة للفارابي او كمدينة توماس مور التي اسماها " اليوتوبيا " وتعني البلد الذي لا وجود له لمثاليته التي من النادر ان نجدها في عالمنا المادي هذا وستبقى تعاليمه حجة على السياسيين الذين اعاثوا في الارض فسادا لاتباعهم سياسة الاهواء والمقاصد ففرقوا الشعوب بالتلاحم والنزعات الطائفية رحم الله الشهيد المعلم .  

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>