موقع سبيل - من هيام قبلان
في أطراف مدينة باقة الغربية، وعلى تلّة من تلالها المشرفة على البحر ووسط هدوء الطبيعة تنجلي هناك مزرعة ، تسمى مزرعة أبو جميل وأم جميل ، هذا المكان الرائع بكل ما فيه يعتبر ( قرية تراثية كاملة ) والتي استقبلت الشعراء والمبدعين من مدن وقرى الشمال والجليل لاحياء يوم التراث والأرض والهوية ، تمتد مرافق المزرعة ومساراتها على مساحة تزيد عن الـ 30 دونما وتشتمل بالاضافة الى أشجار الزيتون على أكثر من 600 شجرة مثمرة أخرى كالتين والخروب واللوز والدالية وغيرها .
يغلب الطابع القديم على كل شبر من تراب المزرعة بحيث تشعر وأنت تتجوّل فيها كأنك عدت بأكثر من 50 عاما الى الماضي .
أبو جميل وأم جميل هما عاطف وحنان أبو مخ من باقة الغربية استقبلا مجموعة الشعراء بعد دعوة رسمية لهم بحضور جمهور من محبي الشعر والموسيقى وبمشاركة كل من الشعراء على المنصة : الناقد والكاتب د. بطرس دلّة ، الاعلامي والكاتب في أدب الأطفال نادر أبو تامر ، الشاعرة والروائية هيام قبلان ، الكاتب د. محمود أبو فنّة ، الشاعر والكاتب د. رافع يحيى ، كاتبة الفلكلور وقصص الأطفال نائلة لبّس ، العازفة الفنانة نبيلة أبو شقارة ، كاتبة الأطفال نبيهة جبارين ، الطبيب رسمي مجادلة ، شاعر الزجل شحادة خوري ، الشاعرة أوديت خوري " جبور" .من بين الحضور برزت شخصيات هامة : نفاذ خلايلية مفتشة البساتين والروضات في المثلث ، السيد جبارين المسؤول عن القسم التربوي في التلفزيون لعرب الـ 48 وغيرهم من المثقفين والمبدعين .
عاطف أبو مخ ( أبو جميل) استقبل الضيوف بكلمة ترحيبية قائلا : "تحية عربية خالصة تروي قصة الحلم الذي راودني منذ سنين وظلّ يلحّ عليّ من أجل تنفيذه ، ببناء مزرعة تتسع لكل ما في القرية التراثية من قديم وطبيعة جميلة وحياة بسيطة ومتواضعة ، هي وليدة لاشتياق وحنين لرائحة الماضي وأيام زمان لأيام أجدادي وجداتي ، لخبز الطابون وموسم الزيتون . المزرعة بنيت بسواعد أصحابها وتزينت بقطرات من كدّهم وحفر على كل صخرة فيها " ماضيا لن يندثر" الهدف من وراء اصلاح هذا التراب الخالد وتعمير مزرعة للحفاظ على تراثنا الأصيل مقابل توغّل التكنولوجيا السريعة والتي رغم أهميتها العظيمة تكاد تنسينا الطبيعة والبساطة ومعنى الحياة ، ومن هنا أتشرف بعرض ما تمّ استخلاصه من الحياة القديمة أمامكم وأمام الأجيال الآتية بناة المستقبل الواعد ، هنا كروم الزيتون تتزيّن بالحمائم فنشتمّ رائحة السلام بتآلف الأديان جميعا ".
في هذا المكان وبين أشجار الزيتون ورائحة الزهور وخضار الأعشاب الطبيعية والماء الصافية من نواعير القرية وبين جدران من حجارة قديمة وتحت مظلة من خيمة افترشها الحصير والكراسي القش الصغيرة والقديمة ، بين أفياء وظلال الأشجار الوارفة كان اللقاء الجميل ، الماتع والمميز بحضور هذه النخبة من الفنانين والشعراء ببرنامج حافل افتتحه الاعلامي المذيع نادر أبو تامر عريف الاحتفال بقوله:" نعيش التراث بقشوره ومظاهره حتى في مفهوم التراث فكيف يستمر العقل في تراث ينتمي الى الجذور ونحن لا نحافظ عليه من الزوال ، ان الزائر لهذا المكان يأتي لأنه بحاجة للعودة للجذور لأنه يبحث عن الانتماء ، يأتون الى هنا سيرا على الأقدام وضمن مجموعات من طلاب المدارس والمؤسسات والسياح ، حتى وخلال مدة قصيرة أصبح هذا المكان معروفا اعلاميا بعد ريبورتاج ال ( ام ، بي ، سي ) واحد والتي أعدت برنامجا كاملا عن المزرعة وما فيها من أماكن تدهش النظر وتريح البصر وذلك من خلال برنامج " صباح الخير يا عرب" ، !
د. رافع يحيى المختص بعلم التراث والأساطير القديمة قدّم مداخلة عن التراث وتطرق الى المشروع الثقافي من الحلم الى الواقع لتتذكّر الأجيال القادمة كيف من الممكن " التعمشق" على التراث. هذا المشروع الجريء الذي بحاجة لكل الجهد والصبر ليحقق الحلم ، ويحافظ على تواجدنا في داخل هذا الوطن ، أما د. بطرس دلة فقد شكر المضيفين على الاستقبال وقال : أنقلكم الى " الحكواتي" القديم في التراث حيث كنا نلتقي بالحكواتي في " المنزول" في البلدة ليحكي لنا حكايات من التراث. والأساطير ويتوقف عند حادثة أو مشهد مشوّق ليكمل الحكاية في اليوم التالي ".
قدّم د. دلّة قصتين على طريقة الحكواتي من خلال سرد جميل ومدهش أسر القلوب .
التمسك بالهوية والوطن والعودة إلى الجذور
الشاعرة والروائية هيام مصطفى قبلان شكرت المضيفين حنان وعاطف أبو ومخ لهذا المشروع " الحلم " الذي اعتبرته عودة الى الجذور والمحافظة على التراث العربي الأصيل وصيانة الأرض والمحافظة عليها كما اعتبرته هدفا من أهداف التمسّك بالهوية والانتماء الى الوطن ، الى أرض فلسطين، بكل فخر واعتزاز ، قرأت الشاعرة هيام قصيدة أهدتها في هذا اليوم الى الشاعر محمود درويش ذكرى يوم الأرض ، أما القصيدة الثانية فكانت قصيدة " أهبك فتنة ايزيس" التي مزجت فيها بين الحب وتوظيف الأسطورة اليونانية ، وقامت الشاعرة بتوزيع روايتها " رائحة الزمن العاري" التي تروي من خلالها أحداث الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وقصة الحب الذي يموت من أجل الوطن ، للنقاد والأدباء الحاضرين .
الشاعر الزجال صاحب الصوت الرنان شحادة خوري صدح تحت السماء وبين الأزاهير بشعره الشعبي الذي رمز من خلاله الى نقد المجتمع الآيل للسقوط والعودة الى القديم والجمال والطبيعة وهي كانت " ردّة معنّى" من التراث الشعبي الجميل .أما عن دور الاعلام فتحدّث السيد جبارين من أم الفحم وهو مدير البرنامج التربوي العربي في التلفزيون حيث أكّد أن للاعلام دور هام بكل ما يمسّ بشؤون الشعب والعودة الى التراث ، اذ أنّ الاعلام يعتبر قوة سابعة في العالم بعد قوى الطبيعة من فياضانات وزلازل ومحل وانتكاسات وهدم وكل ما له علاقة بظواهر الطبيعة ولا جدال أنّه يجب أن يتصدّر هذا المكان أبواب الاعلام من مرئي ومسموع ومكتوب ففي التلفزيون برنامج تربوي يعنى بكل ما يتعلق بالمجتمع والتربية بحلقات عن الغناء القديم والفلكلور والتراث البدوي والدرزي العربي ، وكذلك عن الهوية والانتماء للأرض والوطن . السيدة حنان أبو مخ ( أم جميل) المشرفة الرئيسية على المزرعة أشادت الى أنها لن تملّ ,انها ما تزال في أول الطريق بهذا المشروع لكن لديها الكثير من البرامج والأهداف التي لم تكتمل بعد وستستمر بذلك وأنها ىسعيدة بتلبية الشعراء المبدعين الدعوة . الدكتور رسمي مجادلة في مداخلته جمع ىما بين التراث والتداوي بالأعشاب والفائدة من الوقاية قبل المرض والعودة الى الطبيعة وكل ما ينبت فيها والابتعاد عن الطعام الكيماوي ، أراد أن يربط الزمان بالماضي والحاضر والمستقبل من خلال الأعشاب المتواجدة في المزرعة والتي ولّدت الأدوية في الأساس . خلال الحفل قدّم الفنانان موسى ومحمد خلف ثلاث معزوفات ما بين الأدب والموسيقى من رائعة عبد الوهاب " معزوفة النهر الخالد " وموشح أندلسي " لمّا بدا يتثنّى" والمعزوفة الثالثة " مضناك جفاك ... " وذلك من خلال عزف على العود بأنامل العازف موسى خلف وعلى الكمان المايسترو محمد خلف حيث ضجّت ساحة القرية التراثية بهذه الموسيقى الأصيلة المدهشة من مبدعين حبسا أنفاس المستمعين وأدخلا الطرب والمشاعر الصادقة بين الجميع . أما د. محمود أبو فنّة فقد أعرب عن سعادته بحضوره بين نخبة من الأباء والمبدعين والفنانين وأضاف أن هذا المكان سيكون نافذةة للعالم في المستقبل ولحضارات الشعوب وبكل تفاؤل عبّر عن احساسه الجميل بتواجده وانتمائه ىالى الأرض وعشق الطبيعة والأصالة .
الكاتبة والفنانة نائلة لبّس والموسيقية نبيلة أبو شقارة قدّمتا في مسك الختام وصلات ومعزوفات على " الأورغ" من التراث والفلكلور القديم ، من " زيانة العريس" حتى المهاهاة ، وأغاني أصالة وجذور الشعب والوطن وقد شارك الحاضرون بترديد الأغاني معهما بكل محبة وبجو أخوي بعيد عن العنصرية والطائفية كدعوة الآخر للسلام والمحبة والعطاء وتبادل الثقافة والمحافظة على حب الوطن كلّ من موقعه ..!