بقلم : يارا ابراهيم - المغار
ضحايا القدر
قادَني القـَدَرُ إلى شاطِئ الأحْزان ِ مُكـَبَّلة ً بـِقـُيودِ القـَهْر وَالذلِّ ، غـَارسًا بَراثـِنـَهُ في عُنـُقِي كابـِتــًا نـُطـْقَ صَمْتـِي . وَأنـَا ألوبُ وَأذوبُ مُحَاولـَة ً قـَلـْبَ الغالـِبِ إلى مَغـْلوبٍ لكـِنَّ مُحاوَلاتِي باءَتْ بـِالفـَشَل ِ وَأعْلـَنـَت ِ الإسْتِسْلام.
أوْصَلـَنِي القـَدَرُ الشـَّاطِئَ طـَاعَة ً لـِلـْمَكـْتوبِ فـَزَجَّنِي في سِجْن ِ اليَأس ِ وَالمَرَار ِ فـَحَاوَلـْتُ الفـِرَارَ وَكـَسْرَ القـَيْدِ الـَّذي حَصَرَ الآهَ فِي نـَفـْسِي فاشتـَدَّت عَليَّ القـُضْبَانُ وأرْغـَمَتني عَلى الصَّمْت ِ ففي هذا العالم لستُ إلا ضَحِيَّة َ وَاقـِع ٍ أليم ٍ، تـَعْصِفُ بي ريَاحُ الظـُّلـْم ِ وَالطـُّغـْيَان ِوَتـُغـْلــَقُ أبْوابُ الأمَل ِ فِي وَجْهـِي مَحْكومَة ً بـِغـَدْر ِ الزَّمَان .
وَهُنـَاكَ بَعْدَ بـِضْع ِ ثـَوَان سَمِعْتُ أصْوَات غـَريبَة ً إحْدَاهَا صَارخَة ٌمُسْتـَغيثـَة ٌ وَأخْرَى كـَامِدَة ٌ ضَعيفـَة ٌ فشـَدَّنـِي الفـُضولُ لـِمَعْرفـَةِ مَايَدورُ حَوْلـِي فِي هذا العَالـَم ِ الظـَّالـِم ِ كـَوْنــًا وَالمَظـْلوم ِ عـُمْقــًا. فـَطـَلـَبْتُ مِنَ القـَدَر ِ مَنـْحِيَ الأمَانَ لـِبَعْض ِ الوَقـْت ِ أسْتـَكـْشِفُ فيهِ مَصْدَرَ تـِلـْكَ الأصْوَات وَصَدَى الآهَات فـَأوْهَمَنـِي القـَدَرُ بالتـَّحَرُّر ِ وَاتـَّخـَذتُ الوَهْمَ جـِسْرًا أصِلُ عَبْرَهُ إلى السِّرِّ الكـَامِن.
وَابْتـَدَأ كابوسي المُزْعِجُ هُناك ...
خـَطـَوْتُ خـُطـْوَتـِي الأولى نـَحْوَ المَجْهُول ِ فـَاسْتـَوْقـَفـَتـْني صَدَفـَة ٌ مِنْ أصْدَاف ِ الشَّاطئ تـُشِعُّ وَميضًا مِنَ اللوْعَةِ وَالألـَم . حَمَلـْتُ الصَّدَفـَةَ بـِرفـْق ٍ ، تـَمَعَّنـْتُ فيهَا حَتـَّى اغـْرَوْرَقـَتْ عَيْنايَ بالدُّمُوع ِ، سَألـْتـُها : " ما خَطـْبُك؟ " ، أجَابَتْ : " أحْمِلُ في جُعْبَتي قِصَصًا تـُبكي الصَّخْرَ وَلـَمْ أعُدْ أقـْوَى عَلى حَمْلـِها ، فـَقـَدْ تـَمَزَّقـَتْ روحي وَتـَصَلـَّبَ جَسَدي لشـِدَّة الألم ِ" . عَرَضـْتُ على الصَّدَفـَةِ أنْ تـُحَدِّثـَني عَنْ تـِلـْكَ القِصَص ِ عَلـِّي أحْمِلُ عَنـْها القـَليلَ فـَقالتْ : " ألا تـَكـْفيكِ قِصَّتي ؟ اذهَبي وَلا تـُضَيِّعي الوَقـْت ".
تابَعْتُ المَسيرَ خاطـِفـَة ً التـَّفاصيلَ مِن هُنا وَهُناك ، مُصْغـِيَة ً إلى كـُلِّ صَوْتٍ وَرَنـَّةٍ ، تـَسْتـَوْقِفـُني العَبَراتُ وَالجـِراحُ ساردَة ً حَكايا تـَتـَلوَّنُ بالتـَّعاسَةِ وَاليَأس ِ وَالدَّمار حـَتـَّى تـَشـَرَّدَ نـَظـَري ، تـَشـَتـَّتَ فِكـْري وتـَشَبَّثَ جَسَدي بـِخـَيْط ٍ أحْمَرَ يَصُدُّهُ حاجـِزُ الصَّمْت .
أدْرَكـْتُ في رحْلتي أنَّ هذا قـَدَري وَذاكَ قـَدَرُهُم وَما مِنْ مَهْرَبٍ . أدْرَكـْتُ أنَّ قـِصَّتي ليْسَتْ إلا دَمْعَة ً في بَحْر ٍ هائِج ٍ ، فـَكـُلـَّما اشْتـَدَّ عَليْها المَدُّ والجَزْرُ تـُقاسي ، تـَطـْلـُبُ النـَّجْدَة َ فـَيَخـْتـَنـِقُ صَوْتـُها لـِيُرْدِيها القـَدَرُ ضَحيَّة ً مِنْ ضَحاياه.