الشيخ الوطني والإمرأة

تاريخ النشر 29/4/2010 20:44

بقلم: سعيد نفّاع

كان الشيخ طوال حياته واعظا هاديا الناس إلى سواء السبيل، شديدا ولا يقبل تفسيرا لآية كريمة إلا ذلك الذي يذيب الحديد ولا يقبل فتوى إلا تلك التي تفلق الصخر. وفيما يخص النساء وكلهنّ عورات من رأس إبهام الرجِل حتى رأس أرنبة الأنف، فحدّث ولا حرج. 
ولا مكان لهنّ بين الرجال وإن وُجدن في محضر حتى لو كان لعبادة الله لا يحضره إلا إذا ضمن ستارا بينهن وبين الرجال وبعدا عن الستار يضمن عدم قدرة الأنف على الشم. وإن كان واعظا فهو الوحيد المسموح أن يكون بينه وبينهن خيط نظر. وإن قيّض لك أن تتواجد في مكان وتسمع عظاته وبالذات فيما يخص النساء لا تستطيع أن توقف تفكيرك الخبيث عن الذهاب إلى فراشه لتسأل: كيف رزق هذا بأبناء !؟ 
شاءت الصدف أن تواجد الشيخ في اجتماع والخطباء يتبارون في قصف الأعداء بكل ما أوتوا من قوة حناجر، فدبّ فيه الحماس وهو صاحب اللسان الأمضى من "موس" إسكافيّ فاعتلى المنصّة وراح يكيل للكفار قناطير من غضب ربّه وهو القائم على تنفيذ إرادته، فدبّ الحماس في الرجال وحملوه على الأكتاف.
ويبدو أنه طابت له دغدغة "قفاه" فصار يدأب ألا يترك هكذا مناسبة، لكن ما لم يحسب حسابه أن في هذه المناسبات يختلط الرجال بالنساء والسافرات منهن وكتفا إلى كتف، وقد فاته أن يلحظ ذلك في المرّة الأولى من فرط حماسه ولذة دغدغة "قفاه" على ما يبدو.
دارت الأيام وصار الشيخ لا يفوّت مناسبة فيها خطبة، والتمّت حوله حاشية التحفت بزيّه صار يدأب على الظهور على رأسها داخلا الاجتماعات على رأسها منفوشا كالطاووس مذكرّا بتصرّف "الزعامات" أيام الحكم العسكريّ، وبما أن الأيام أيام فضائيات ومواقع إلكترونيّة وصحافيين يتبارون على "السكوب" فهكذا ظهور هو من الضرورات.
ظلّ هاجس الشيخ الوحيد النساء والظهور بمحضرهن وإن ضيّعت عليه "قفاه" في المرّة الأولى وجودهن، فلا يمكنها أن تبقى قائمة بالمهمة. وإن استطاع أن يفرض إرادة الله الرائي نفسه قائما عليها، في الفصل بين النساء والرجال في اللقاءات الدينيّة الوعظيّة فلن يستطيع ذلك في اللقاءات الوطنيّة خصوصا وبعد أن أطلق عليه الصحافيّون الشيخ الوطنيّ والوطنيّة عندنا هي "سب الحكومة" ولا تشمل "عدم سبّ النساء".
سارت المسيرة ووجد له الشيخ في مقدمتها مكانا رغم الزحام في الصف الأول وضيق شوارع قرانا، وإذ بفتيات من رافعات الأعلام وقد بانت الكثير من "عوراتهن" يسرن تحت أنف الشيخ تسبقهنّ كاميرات الفضائيات والصحافيين، فراحت ألوان وجه الشيخ تتبدّل وعرقه يزرّ من أرنبة أنفه عاملا على أن ينظر إلى الأعلى البعيد خوف أن يقع نظره على عورة فتاة مرّة ثانية، فالأولى تعتبر في شرع الله غير إراديّة ومغفورة والعلم عند الله. وعلى ذمة بعض الصحافيين العارفين ببواطن الأمور كانت عيناه كثيرا ما تنزلق نحو الأسفل.
وإن كان يمكن تلافي العيون في المسيرة وهكذا ظنّ شيخنا، لكن لا يمكن أن يتم تلافيها في اجتماع نهاية المسيرة والجلوس في المقدّمة ضمانا لالتقاط الصور. سارع الشيخ لاتخاذ مكانا له في الصف الأول متلقفا أول كرسيّ حال به واصطفت القيادات مالئة الكراسي وإذا بالشيخ يجلس بجانب امرأة سافرة كثيرا عن ما بين رأس أرنبة أنفها ورأس إبهام رجلها، وهنا لا مجال كما في المسيرة ذاتها تلافي الأمر خصوصا وقد بدا ك"زمبوط" البصل بزيّه، وراحت كل محاولاته التخلّص من هذا الموقف هباء فراح يتصبب عرقا ورغم أن الجو ربيعي بارد.
وفي لحظة ما ظنّ أحد المنظمين أن مكروها صار للشيخ فناوله منديلا ثمّ آخر ومع كل منديل يزداد عرق الشيخ، ودون أن يعرف المنظم الساهر على راحة المشاركين أن كل منديل يناوله للشيخ يفتّق مسام جلده. وفي نشرات الأخبار التلفزيونيّة المسائيّة ظهر وجه الشيخ لامعا على الشاشات لدرجة كادت تشوه ملامحه.
وفي موعظة الجمعة التاليّة دخل الشيخ وهو المطمئن أن طالبي عظاته لا يمكن أن يكونوا رأوا الفضائيات ورأوا المسيرة الوطنيّة، وهو الذي جعل أمامهم من التلفزيونات واقتنائها ومشاهدتها رجس من عمل الشيطان، وإذا بالحضور نساء ورجال يجلسون "خُلّيط بُلّيط" ولا ستار ولا يحزنون، فاهتزّ شارباه الكثّان وقفل راجعا دون أن ينبس ببنت شفة مسرعا إلى اجتماع وطنيّ آخر.         

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.ط·آ¸ط¦â€™ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط¸â€‍ط¸ث† ط¸ئ’ط·آ§ط¸â€  ط·آ±ط¸ظ¹ط¸â€کط·آ­ط·ع¾ ط·آ­ط·آ§ط¸â€‍ط¸ئ’ ط¸â€¦ط¸â€  ط·آ§ط¸â€‍ط·آ³ط¸ظ¹ط·آ§ط·آ³ط·آ© ط¸ظ¹ط·آ§ ط·آ³ط·آ¹ط¸ظ¹ط·آ¯ ط·آ§ط·آ±ط¸ظ¹ط·آ­ط¸â€‍ط¸ئ’ ط¸ظ¾ط·آ§ط¸â€ ط·ع¾ ط¸â€ڑط·آ§ط·آµ ط·ع¾ط·آ¹ط·آ±ط¸ظ¾ ط¸ئ’ط¸ظ¹ط¸ظ¾ ط·ع¾ط·آµط¸ث†ط·آ¨ ط¸ث†ط¸ظ¾ط¸ظ¹ ط·آ§ط¸â€‍ط·آµط¸â€¦ط¸ظ¹ط¸â€¦ ط¸ث†ط·آ¨ط·آ¬ط·آ±ط·آ£ط·آ©1/5/2010 9:07

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>