لأننا نعاني اللاعقلانية في تفكيرنا ، واللامنهجية في حياتنا ، واللامبدئية في آرائنا ، وجب أن نسلط الضوء على ذلك وعلى خطورة ذلك في مجتمعاتنا ، وبصورة عامة لا تعيين خاص فيها ، فإن اللبيب من الإشارة يفهم . حيث من انعكاسات ذلك تحكم الهوى والغرضية في مسالكنا وتوجهاتنا ، والسطحية واللاجدوى في قراراتنا وخياراتنا .. هناك مجموعة من قيادات مجتمعنا ، الدينية والسياسية والثقافية والوظائفية ، يجب أن تتحمل المسؤولية في ذلك . عدد من هذه القيادات ، المتقوّدة والمتزعمة تفتقر للمبدئية ولثقافة العقل ، وللقدرة على التمييز بين الغث والسمين ، فيما يتعلق بمصالح المجتمع الحقيقية ، وتفتقر إلى الصدق والجرأة في اتخاذ القرارات السليمة ، وهي تسير مع السائد ووفق الغالب الناتج في معظمه عن هوى العواطف والمشاعر والمفاهيم القطعانية الضيقة ، التي تبهرها مظاهر الاحتفالية والبهرجة والقرقعة والفرقعة القبلية في مجملها ، مع الاحترام والمودة لبعضها .. وهناك فئة المتسلقين ، والمستفيدين من ذلك .. ومن يستثمرون لصالحهم ، معنويًا أو ماديًا ، أو معًا . وهي فئة تلبس ثوب الدين تارة وثوب العلم تارة وثوب الثقافة والتقدمية تارة أخرى .. وثوب العالم الأسفل حين تحتاج لذلك ، أو حين تلتقي أزلامه .. تلبس لكل نوع من البشر ما يعجبه ويوافقه ،استدرارا ً للاستفادة ،للاحترام والتبجيل ، أو للتقية فيما لا يوجب، على حساب العقل والمبدأ والضمير . ومثل هؤلاء أخطر بكثير ممن ُيعتبر عدو من خارج المجتمع ، إذ هم يمثلون شخصية "الدغري" كما في مسلسل دريد لحام ، وشخصية "مأمون بك " في باب الحارة .. يظهرون على انهم يعملون للمصلحة العامة ، وكمن يحرص على إحقاق حقوق الناس ، بينما هم في الحقيقة والواقع يعملون على إضعافهم وسلبهم وتضليلهم .. ومن هؤلاء من يعمل عن قصد واع ٍ لذلك ،ومنهم عن ضلال وسذاجة . لكن في كلا الحالين يبقى المجتمع بسبب هؤلاء سائر في غير صالحه وكرامته ، ولغير غايته .. يجب ان نقر اننا مجتمع تنقصه العقلانية في التفكير وفي التعامل مع الواقع ، ولا ينقصنا العقل ، وينقصنا التوجه السليم ،ولا تنقصنا النوايا السليمة عمومًا ، مع ذلك فإن الأغلبية إلى الآن لا تعرف ان تختار ما هو لصالحها ومن هو لمصلحتها حقا ً ، إن في تفاصيل الحياة الاجتماعية ، وإن في السياسة عمومًا ، كذلك في المجال الديني والفكري . أما الباب الذي يجب الدخول منه لكل المجالات عمليًا وبصورة صحيحة ،هو الثقافة العقلانية والموضوعية والمبدئية ، مع الاهتمام بأن يكون أساس كل ذلك وغاية كل ذلك ، طلب الحق والحقيقة ، وليس بصورة مسبقة ، مصلحة هذا الرأي أو ذاك ، هذا الفريق أو ذاك .. أقول هذا مع الإشارة إلى التغير الملحوظ للأفضل بصورة محدودة جدا ً من خلال ظهور الوعي في بعض تشكيلات وحركات سياسية وثقافية هنا وهناك ، أخذت تدرك طريقها جيدا ً وسط الغوغائية الغالبة والمسيطرة على الجو الاجتماعي العام .. وفي معرض هذا الكلام لابد من ذكر كلمة حول المسيرات التي يقوم بها إخواني رجال الدين الموحدين الدروز ، منذ بضع أعوام ، يحلون ضيوفا ً كل عام على قرية معينة من قرانا ، بصورة دورية على التوالي .. أقول : هي في كل الأحوال مسيرات وزيارات مباركة ،تعزز الوحدة والانتماء المعروفي والعربي الأصيل .. مع ذلك حبذا لو ان لجانا ً تشكل من فضلائهم بالتعاون مع أخصائيين في مجالات مختلفة تقوم بالاطلاع على الأوضاع الصعبة التي يعاني منها أبناء الطائفة الكريمة ، من خلال وضع برامج وخطط تعالج قضايا التعليم والعمل والسكن ،وتنظيم الأوقاف بصورة شفافة وناجعة ، تعود على العموم بالخير والنفع ، لتتحول هذه المسيرات من تظاهرات تقليدية شكلية ، إلى رسالة دينية إجتماعية عملية ،وأكثر جدية .. لا سيما وان الإمكانات والطاقات متوفرة ولا بأس بها ، والذي ينقص هو التنظيم والتوظيف لها بصورة علمية وعملية ، سواء بالمعنى الإداري المادي ، وبالمعنى التوحيدي الروحاني ، حيث " لم يُخلق الإنسان إلا للعلم والعمل به ، كذلك الثمرة الطيبة لم تخلق إلا للأكل ".. ويجدر ذكره هنا ، تقدّمي شخصيًا للشيخ موفق طريف رئيس المجلس الديني الأعلى ،منذ حوالي نصف سنة، ببرنامج مشروع يتمثل في إقامة مركز تعليمي عرفاني ، يتم فيه تأهيل وتخريج السياس والمأذونين ، وفقهاء في المذهب التوحيدي ، أسوة بإخوانهم في لبنان ، وفي كل المذاهب الأخرى ، وللأسف لم يستجب لذلك ، مع العلم أن شخصيات مثقفة في الطائفة ، سبق وتقدمت بمطالب مماثلة من قبل، لكن دون جدوى .. ودون إعطاء جواب مقنع .
كميل شحادة - الرامة