بقلم : الناقد نور عامر
الشاعر المخضرم محمود دسوقي أحد شعراء المقاومة ، لطالما شدّني بقصائده الوطنية المحرضّة الى درجة أشعر معها أن كل بيت من نظمه هو رسالة تنز صدقا وإحساسا عميقا بالمسؤوليّة تجاه القضية الفلسطينية في الداخل والشتات .
هذا على صعيد قراءتي للكثير من نتاجه ، أمّا في مجال الإستماع إليه في المناسبات فقد كنت أصفق بحرارة مع المصفقين ، وأتمنى لو يزيدنا من كلماته تبعث الحماس في النفوس . إنه رجل المنبر ، ورجل التحدي والتجارب عبر نصف قرن من النضال .
لكن سؤال يراودني : أين يقف الدسوقي اليوم من الشعر المعاصر ؟ .
بداية تجدر الإشارة ان لشعر المقاومة في سنوات خلت كان ضرورة أن يستوعب من كل الناس ، من المثقفين والبسطاء والأمّيين . فلم يكن بوسع الشعر أن يخاطب الجمهور المتألم الغاضب بلغة الرموز والغموض . كانت الظروف تفرض نمطا خاصا من الشعر . وهكذا في كل زمان ومكان يخضع الشعر لمعايير الحياة الإجتماعية والسياسية .
بداية تجدر الإشارة ان لشعر المقاومة في سنوات خلت كان ضرورة أن يستوعب من كل الناس ، من المثقفين والبسطاء والأمّيين . فلم يكن بوسع الشعر أن يخاطب الجمهور المتألم الغاضب بلغة الرموز والغموض . كانت الظروف تفرض نمطا خاصا من الشعر . وهكذا في كل زمان ومكان يخضع الشعر لمعايير الحياة الإجتماعية والسياسية .
محمود دسوقي شاعر متمكن في النظم الموزون المقفى لغة وبلاغة ، لكن مشكلته أنه لم يبرح الصورة التقليدية التي تعتمد البديع والزخرف والتنميق ، هذه الملامح المتوارثة عبر أكثر من الف سنة وكأنها القدر المكتوب ! . ان مثل هذه الصورة المقيّدة لم تعد قادرة على مواكبة العصر بتعقيداته ومشكلاته ، وتقاربه العالمي إجتماعيا وسياسيا وعلميا وثقافيا . من هنا أخذت الصورة الشعرية الحديثة تتعقد لتصبح في رأي الأفكار الجديدة : " صورة القلق الكوني والحيرة والإبهام والغموض والأسرار " .
لكنها تبقى في المحصلة الصورة الفنية مثال الرؤية الحضارية ، ومثال " اختصار العالم والوجود بلحظة شعرية " . هذا طبعا على مستوى الشعر الشعر ، وليس كل شعر .
أربعة وثمانون بيتا قصيدة " رسالة الى جامعة الدول العربية " هي القصيدة المحورية في ديوان " الرسام العاشق " للدسوقي .
" كفى يا أمتي ذلا وعارا / فهذا العار قد أدمى عيوني / سئمت العيش في وطني سجينا / أنادي العرب من وطني السجين / ولكن لا حياة لمن تنادي / هل الأموات تسمع أخبروني " .
بهذه الأبيات يستهل قصيدته ، ويختمها : " شعبي الفلسطيني يهتف عاليا / هذي بلادي أنهر وتراب / سيعود يوما بالزهر مكللا / يحلو النشيد وتشرب الأنخاب " .
ان نَصِف الشعر بالإبداع فهذا يحتاج أولا أن تتوفر فيه ميزة الإبتكار والتجديد . وقصيدة الدسوقي تفتقر الى هذين العنصرين ، كذلك تفتقر الى تلك الشحنة اللا منظورة التي تهيأ المتلقي لاستقطاب ـــ تخيّلا أو تصوّرا ـــ ما هو أبعد من صوت الكلمات ، أو ما يشار إليه في النقد المعاصر بالفائض الثري ، فائض الحروف .
لذلك خرجت قصيدته / مطولته من إطار ما يسمّى الإبداع ، ولم يبق منها سوى التقرير السياسي ، وبعض التفاؤل المتشح بالإيمان . ومع ذلك يظل الدسوقي بمواقفه ومبادئه الشاعر الإنسان الذي نكن له الكثير من الحب والتقدير .