بقلم الإعلامي نادر أبو تامر
مع ابني رامي اتفقت على مشاهدة مباريات المونديال من البداية. واتفقنا على الاختلاف. إذا أيّد هو فريقا عارضته أنا، وإذا عارض هو فريقًا أيّدتُهُ أنا. هكذا افتعلنا القليل من التوتر في بدايات الكأس. خصوصًا عندما كانت المباريات، في حينه، مملّة. وأحيانا، كنا نطفئ التلفاز قبل نهاية المباراة، ونفضّل أن نقوم نحن، بدلا من اللاعبين، بلعب الكرة، رغم ضحالة تجربة أبيه، وفشلها من بداياته، أو بداياتها.
رامي كان مهووسًا بإيطاليا التي توّجت بطلة على حساب زين الدين زيدان. وكنت مفتونًا بفرنسا التي أحببتُ فييري وهنري فيها وآخرين . وظننت، مبكرًا، أنهم سيصنعون الأساطير، فصاروا هم أنفسهم أسطورة مضحكة. الفريقان اللذان تنافسا على بطولة 2006 غادرا جنوب إفريقيا مع انطلاق أول قطار من القارة السمراء باتجاه القارة الباردة.
وتأهلت اوروغواي. ارتقت اسبانيا. صعد راقصو السامبا من البرازيل. ورغم وزنه الثقيل نقل العملاق مارادونا ارجنتينه إلى مرحلة أخرى، وسجّل الألماني كلوزي وفريقه أهدافًا بالجملة، وانتقلوا هم أيضًا إلى المرحلة التالية. هولندا هي الأخرى رافقتنا في هذا المشوار وغيرها منتخبات عديدة.
لا أنا صدقت. ولا رامي في تكهناتنا حول ايطاليا وفرنسا. واخترنا أن نؤيد عمالقة آخرين. فتساقطوا واحدًا تلو واحد.
أيّدْتُ أنا روني. لكن هذا النجم لم يشفع لانجلترا في مباراة قاسية. هدف التعادل الذي سجلوه لم يُحْتَسَبْ. وراحت على الإنجليز برباعية راقصة من أقدام ألمانية راسخة.
أيّد رامي البرتغال بفضل محبته لكريستيانو رونالدو. لكنّها لم تصمد.
أيدتُ أنا البرازيل فانقض عليها الهولنديون وافترسوها.
بقي رامي مخلصًا للأرجنتين فطحنتها الأقدام الألمانية برباعية لا ترحم.
بقي أن نؤيد أسبانيا التي سطّر فيها دافيد فييه إنجازات طيبة، أو هولندا ذات الالتفافات الروبينية المباغتة، لكن الاخطبوط بول سبقنا في تكهن النتيجة.
هكذا سقط العمالقة الذين كانوا يحاولون أن يحكموا مملكة السحر. سقط الأباطرة واعتلى كرسي الرئاسة من لم يكونوا مرشحين للتربع عليها. حين خسرت اسبانيا أمام سويسرا تجاهلها الكثيرون. لكن حالة الشلل التامّ الّتي فرضوها على ألمانيا أعادتهم إلى الصورة وإلى الأذهان.
سقط الملوك مثل حجارة الليغو. واختفى الأبطال من رقعة الشطرنج وجاء الفرسان الجدد. غابت شمس الكبار. لم يلمع كريستيانو كما أراده رامي. والعهد الميسي سينتظر مباريات الدوري ليثبت أنه الأفضل في العالم. تمرَّدَ الصغار على العمالقة وسرقوا الفوز من بين أصابع أيديهم، أو أقدامهم. انتزعوا التيجان من فوق رؤوسهم وأعلنوا عن أنفسهم الأمراء الجدد الذين يحكمون البلاد. ليس حسب قوانين الطوارئ. الكرة التي لا تعترف بالقوانين.
قد يفيق هؤلاء العمالقة من سباتهم. لكن مدة النوم طويلة طويلة. 4 سنوات. وحتى ينهضوا من نومهم سيبقى الراقصون الشباب في باحة اللهو إلى حين. تعالوا نرحب بالأمراء الجدد الذين ترأسوا دولة كرة القدم، بدون جيوش أو أسلحة. بدون إراقة الدماء بل بالعرق والجهود وبالمكر الذكي. بدون إطلاق الرصاص، بل من خلال إطلاق الأهداف.