بقلم : منير فرّو
(الجزء الأوَّل)
قال تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر، بما كسبت أيدي الناس،ليذيقهم بعض الذيعملوا لعلهم يرجعون، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل" ، وقال أيضا وعزّ من قائل : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون"، صدق رب العزة،وقد جاء في التوراة في سفر التكوين وذلك بعد أن رأى الرب أن شر الإنسان في الأرض قد كثر وأصبح هذا الإنسان شريرا في قلبه، لان قلب الإنسان شرير منذ حداثته، لذا يقرر أن يعاقب الإنسان وبهائم ودبابات وطيور السماء، وكان الحكم القضاء على الجنس البشري وعلى جميع الكائنات الحية، ولكن الله أبقى سيدنا نوح وهو من ذرية ادم لكونه مستحقا لنعمة البقاء، لأنه كان طيّبا هو وأفراد عائلته لذلك قال الله لنوح : " نهاية كل البشر قد أتت أمامي لأن الأرض امتلأت ظلما منهم، فها أنا مهلكهم مع الأرض ، اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر تجعل الفلك مساكن تطليه من داخل ومن خارج بالقار "، وكان أن بعث الله الطوفان وغمر الارض جميعها وابقى نوحا ومن معه من ذريته وما طلب منه الرب ان يبقيه من الحيوانات زوجا . هكذا الإنسان يعاقبه الرب بما كسبت يداه ، لان أعمال الإنسان مردودة إليه من خيرها وشرها، ويحاسبه الله عليها في عاجل الدنيا وآجل الآخرة. وقد جاء في إنجيل متى : "وكما كانت في أيام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان".
في الآونة الأخيرة تتزايد مخاوف العالم من ظاهرة ما تسمى بالاحتباس الحراري والتغييرات المناخية، وازداد فيه عقد مؤتمرات دولية في بحث هذه الظاهرة والعمل من اجل الحد منها، خوفا من يدمر كوكبنا الأرضي بكل ما فيه ، فالاحتباس الحراري بات ظاهرة تثير مخاوف المسكونة بأكملها، أكثر من حرب نووية أو هيدروجينية، لأنها ظاهرة يمكن أن تؤثر سلبا على كل شبر من بقاع الأرض، بغض النظرعن قوتها وجاهزيتا في التصدي لأي كارثة طبيعية، وكانت الأمم المتحدة قد عقدت في العام الماضي مؤتمرا عالميا في كوبنهاغن في الدنمارك شارك فيه دول كثيرة واستمر هذا المؤتمر أسبوعين من 7 إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول ، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، معوقات كثيرة منها التمويل المالي للقرارات التي سيتخذها، و كيفية توجيه الأموال إلى البلدان والمجتمعات المتضررة، مع تحديد الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ، والتركيز على الأمن الغذائي والزراعة، وغيرها من الأمور، وقد توصلوا في بداية هذا المؤتمر بان تقوم الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين بتقليص غاز ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2020 ، وقد قالت الصين بأنها قادرة على تخفيض حتى 45% من غاز ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2020 .
إن ما يشهده كوكبنا الأرضي من الازدياد المتواصل في ارتفاع درجات الحرارة، يعود إلى ما يسمى بـ "الاحتباس الحراري"، والذي يفسّر على أنه "ظاهرة ارتفاع درجة الحرارةفي بيئة ما، نتيجة تغيير في سيلان الطاقة الحراريةمن البيئةوإليها، وعادة مايطلق هذا الاسم على ظاهرة ارتفاع درجات حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي، ويعود الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلى القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. الى زيادة انبعاث .green house gases الغازات الدفيئة أو غازات الصوبة الخضراء " ، وأهم هذه الغازات ، الميثان الذي يتكون من تفاعلات ميكروبية في حقول الأرز وتربية الحيوانات المجترة ومن حرق الكتلة الحيوية (الأشجار والنباتات ومخلفات الحيوانات)، كما ينتج من مياه المستنقعات الآسنة. وبالإضافة إلى الميثان هناك غاز أكسيد النيروز (يتكون أيضا من تفاعلات ميكروبية تحدث في المياه والتربة ) ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون (التي تتسبب في تآكل طبقة الأوزون ) وأخيرا غاز الأوزون الذي يتكون في طبقات الجو السفلي. وقد ازدادالمعدل العالمي لدرجة حرارة الهواء عند سطح الأرض ب0.74 ± 0.18 °C خلال المائة عامالمنتهية سنة 2005، وحسب اللجنة الدولية لتغير المناخ (IPCC ): "فان أغلبالزيادة الملحوظة في معدل درجة الحرارة العالمية منذ منتصف القرن العشرين تبدو بشكلكبير نتيجة لزيادة غازات الاحتباس الحراري (غازات البيتالزجاجي) التي يبعثها الإنسان"، وعن سبب ظاهرة ارتفاع حرارة كوكب الأرض ينقسم العلماء إلا من يقول أن هذه الظاهرة طبيعية و أن مناخ الأرض يشهد طبيعيا فترات ساخنة و فترت باردة مستشهدين بذلك عن طريق فترة جليدية أو باردة نوعا ما بين القرن 17 و 18 في أوروبا، وفريق آخر يعزون تلك الظاهرة إلى تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.و أسباب انبعاث الملوثات إلى الجو هي:
أولا: أٍسباب طبيعية وهي:
أ- البراكين
ب- حرائق الغابات
ج- الملوثات العضوية.
ثانيا: أسباب صناعية:
أي ناتجة عن نشاطات الإنسان وخاصة احتراق الوقود الاحفوري "نفط, فحم, غاز طبيعي".
أسباب التغيرات المناخية
أولا: طبيعية:
أ- التغيرات التي تحدث لمدار الأرض حول الشمس وما ينتج عنها من تغير في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض. وهذا عامل مهم جدا في التغيرات المناخية ويحدث عبر التاريخ. وهذا يقود إلى أن أي تغيير في الإشعاع سيؤثر على المناخ.
ب- الانفجارات البركانية.
ج- التغير في مكونات الغلاف الجوي.
ثانيا: غير طبيعية:
وهي ناتجة من النشاطات الإنسانية المختلفة مثل:
أ- قطع الأعشاب وإزالة الغابات.
ب- استعمال الإنسان للطاقة.
ج- استعمال الإنسان للوقود الاحفوري "نفط, فحم, غاز" وهذا يؤدي إلى زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو ، مما ينجم عنه زيادة درجة حرارة الجو.
نموذج البيت الزجاجي
في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين ظهر اختلال في مكونات الغلاف الجوي نتيجة النشاطات الإنسانية ومنها تقدم الصناعة ووسائل المواصلات, ومنذ الثورة الصناعية وحتى الآن ونتيجة لاعتمادها على الوقود الاحفوري " فحم، بترول، غاز طبيعي " كمصدر أساسي ورئيس للطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوروكاربون في الصناعات بشكل كبير، أدى ذلك حسب رأي العلماء على زيادة الدفء على سطح الكرة الأرضية وحدوث ما يسمى بـ" ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warning " وهذا ناتج عن زيادة الغازات الدفيئة واهم مركباتها الكيميائية هي : بخار الماء، ثاني أكسيد الكربونCO2، أكسيد النيتروز (N2O) ، الميثان CH4 ، الأوزون O3، الكلورفلوركربونFCs. واما دور الغازات الدفيئة:الطاقة الحرارية التي تصل الأرض من الشمس تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وكذلك تعمل على تبخير المياه وحركة الهواء أفقيا وعموديا؛ وفي الوقت نفسه تفقد الأرض طاقتها الحرارية نتيجة الإشعاع الأرضي الذي ينبعث على شكل إشعاعات طويلة " تحت الحمراء ", بحيث يكون معدل ما تكتسب الأرض من طاقة شمسية مساويا لما تفقده بالإشعاع الأرضي إلى الفضاء. وهذا الاتزان الحراري يؤدي إلى ثبوت معدل درجة حرارة سطح الأرض عند مقدار معين وهو 15°س .والغازات الدفيئة " تلعب دورا حيويا ومهما في اعتدال درجة حرارة سطح الأرض " حيث: تمتص الأرض الطاقة المنبعثة من الإشعاعات الشمسية وتعكس جزء من هذه الإشعاعات إلى الفضاء الخارجي, وجزء من هذه الطاقة أو الإشعاعات يمتص من خلال بعض الغازات الموجودة في الغلاف الجوي. وهذه الغازات هي الغازات الدفيئة التي تلعب دورا حيويا ورئيسا في تدفئة سطح الأرض للمستوى الذي تجعل الحياة ممكنة على سطح الأرض. حيث تقوم هذه الغازات الطبيعية على امتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض وتحتفظ بها في الغلاف الجوي لتحافظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وبمعدلها الطبيعي " أي بحدود 15°س ". ولولا هذه الغازات لوصلت درجة حرارة سطح الأرض إلى 18°س تحت الصفر.مما تقدم ونتيجة النشاطات الإنسانية المتزايدة وخاصة الصناعية منها أصبحنا نلاحظ الآن: إن زيادة الغازات الدفيئة لدرجة أصبح مقدارها يفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وعند مقدار معين. فوجود كميات إضافية من الغازات الدفيئة وتراكم وجودها في الغلاف الجوي يؤدي إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي وبالتالي تبدأ درجة حرارة سطح الأرض بالارتفاع.
إن أول من أبتكر مصطلح "الاحتباس الحراري" العالم الكيماوي السويدي،سفانتى أرينيوس، عام1896م، وقد أطلق أرينيوس نظرية أن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض.ولقد استنتج أنه في حالة تضاعف تركزات ثاني أكسيد الكربون فـي الغلاف الجوي فأننا سنشـهد ارتفاعا بمعدل 4 إلى 5 درجة سلسيوس في درجة حرارة الكرة الأرضية،ويقترب ذلك على نـحو مـلفت للنظر من توقعـات اليوم. إن الجو يحتوي حاليا على 380 جزءا بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر الغاز الأساسي المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بنسبة الـ 275 جزءً بالمليون التي كانت موجودة في الجو قبل الثورة الصناعية ، ومن المعروف أن آثر الاحتباس الحراري ولملايين السنين قد دعم الحياة على هذا الكوكب. وفي مثل ما يحدث في درجة البيت الزجاجي فإن أشعة الشمس تتغلغل وتسخن الداخل إلا أن الزجاج يمنعها من الرجوع إلى الهواء المعتدل البرودة في الخارج. والنتيجة أن درجة الحرارة في البيت الزجاجي هي أكبر من درجات الحرارة الخارجية.كذلك الأمر بالنسبة لأثر الاحتباس الحراري فهو يجعل درجة حرارة كوكبنا أكبر من درجة حرارة الفضاء الخارجي. ومن المعروف كذلك أن كميات صغيرة من غازات الاحترار المتواجدة في الجو تلتقط حرارة الشمس لتسخن الأراضي والهواء والمياه مما يبعث الحياة على الأرض يتبع ... يتبع ... يتبع ...
(الجزء الثاني)
إن الإنسان مع تقدّمه في حضارته يتجه نحو الزوال والاضمحلال والهلاك ، لان الإنسان هو في أعلى سلم الكائنات الحية وهو المتصرف في الطبيعة ، هكذا اراده الله ، ولكن للطبيعة قوانين عليه أن يحترمها ويسير بموجبها لا أن يتجاوزها ، ما يمكن أن ينقلب عليه وبالا ودمارا، لأن الخالق جل وعز الحكيم الخبير بمصنوعاته قد خلق الكون على أتم نظام، وأتقن انسجام، فكل شيء في هذا العالم يسير على نظام، وكل تغيير لهذا النظام بلا شك سوف يجعل خللا جسيما في سير هذا الكون المنسجم بذاته، كما هو الحال في جسم الإنسان، كل خلية تعمل باستقلال، ولكنها بسلامة عملها هذا تخدم الجسم بكامله ليقوم بجميع وظائفه، هكذا الكون بفضائه وهوائه ومائه وترابه وأفلاكه وجماداته وكائناته الحية ومن ضمنهم الإنسان.
الخالق تعالى أعطى لكل منها استقلالها في عملها، وبتأدية هذا العمل المستقل يتم إدارة الكون، وهو تعالى أوحى للنحل بعمله كما لغيره من الكائنات، وسخّر الأفلاك والكواكب، وجعل لكل لها مسارها ليكون فيه استقرارها، وقد ضرب الله تعالى في القران أمثالا كثيرة تدل على حكمته وعظمته، كما قال : " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا"، فالماء يستقر في الأودية المنخفضة في الجبال والتلال بمقدار سعة تلك الأودية، وإذا زاد الماء فانه ينبسط على الأرض ليسقي الضفاف، وينتفع منها من يجاور الأودية من النباتات والحيوانات. وكما جاء في يوم البيئة العالمي لعام 2007 ترومسو/ نيروبي، 4 يونيو 2007: سيتأثر مستقبل المليارات من الأشخاص في جميع أنحاء العالم وذلك نتيجة ظاهرة التغير في سقوط الثلوج وفقدان البحار وجليد البحيرات وذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي وذلك كما كشف عنه تقرير جديد وفريد نشر بمناسبة يوم البيئة العالمي. ومن المتوقع أن تشمل هذه الآثار السلبية تغييرات خطيرة فيما يتعلق بتوفر موارد المياه للشرب والزراعة وارتفاع مستويات البحار مما يؤثر على السواحل المنخفضة والجزر بالإضافة إلى زيادة المخاطر مثل هبوط الأراضي المتجمدة حالياً.
ويقدر بأن ما نسبته 40 بالمائة من سكان العالم سيتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة فقدان المناطق الثلجية في جبال آسيا وذلك كما جاء في تقرير توقعات البيئة العالمية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة للجليد والثلوج. وتواجه البلدان والمجتمعات والمزارعين ومولدات الكهرباء في جبال الألب وجبال الأنديز وجبال البرانس تحديات مشابهة وذلك كما يقول التقرير التي تم نشره تزامناً مع يوم البيئة العالمي. ومن المتوقع أن يزيد ذوبان الجليد والثلوج أيضاً من المخاطر بما في ذلك مخاطر الانهيارات الجليدية ومخاطر تكون بحيرات جليدية غير مستقرة والتي يمكن أن تفيض على ضفافها مما يدفع بكميات هائلة من المياه إلى الوديان بسرعة تقارب سرعة صاروخ حديث مضاد للدبابات. ومن ناحية أخرى، فان ارتفاع درجة الحرارة وذوبان الأراضي المتجمدة أو "الجمود السرمدي" يؤدي إلى زيادة أحجام الهياكل المائية الحالية وظهور هياكل أخرى في أماكن مثل سيبيريا. وتعتبر هذه الهياكل المائية غاز ميثان متفجر في الجو وله انبعاثات قوية بدرجة تستطيع أن تخترق الجليد. ويعتبر غاز الميثان غازاُ قوياً ناتجاً عن الإحترار العالمي (الاحتباس الحراري) وتشير التقديرات الجديدة إلى أن الكميات الناتجة عن هذه البحيرات التي يطلق عليها اسم المتجمدة هي أقوى بدرجة أكثر بخمس مرات مما كان يعتقد في السابق. وفي نفس الوقت فان انحسار كميات الثلوج والجليد يؤدي إلى امتصاص كميات أكبر من درجة حرارة الشمس من قبل الأراضي والمحيطات القطبية وهو ما يؤدي بالتالي إلى الإسراع في وتيرة ارتفاع درجة الإحترار العالمي. وهذه الملاحظات هي مجرد بعض من المخاوف التي يعتقد الخبراء بأنها تؤدي إلى ظهور تغيرات مناخية أسرع ومفاجئة أكثر مما يتبع ذلك آثار كبيرة على الناس والاقتصاديات والحياة البرية. وعن الأنهار الجليديةبدأت العديد من الطبقات الجليدية بالفعل بالانحسار وذلك بفعل التغير المناخي. ويقول التقرير أن ارتفاعاً في الحرارة ثلاث درجات في درجات حرارة الصيف قد يؤدي إلى فقدان جبال الألب حوالي 80 بالمائة من غطائها الجليدي. وقد تشهد مناطق الغطاء الجليدي مثل الأرجنتين ومنطقة بيتاجونيا في تشيلي وجبال سنت إيلياس في الأسكا إلى انهيار هذه الكتل الجليدية. وقد تم أيضاً إبراز ظاهرة تشكل البحيرات نتيجة ذوبان الأغطية الجليدية ومخاطر انفجار فيضان جليد البحيرات. وبإمكان هذه البحيرات إطلاق حوالي 100 مليون متر مكعب من المياه وذلك بسرعات تصل إلى 000ر10 متر في الثانية باتجاه الوديان المعرضة لهذا الخطر. وتشمل المناطق الجليدية التي تواجه هذا الخطر جبال الهملايا وتين شان وبامير في طاجاكستان وفي نفس الوقت جبال الانديز وجبال الألب في أوروبا. ففي شهر يوليو من عام 1998 أدى انفجار وفيضان جليد البحيرات في وادي شاهيماردان في جيرجيستان واوزبكستان إلى مقتل أكثر من 100 شخص. وأدى حادث مماثل في شهر أغسطس من عام 2002 في وادى شاكادارا في جبال بامير بطاجاكستان إلى مقتل 23 شخصاً. ومن ناحية أخرى تتأثر حياة 4ر2 مليار من الناس والذين يشكلون نسبة 40 بالمائة من سكان العالم حالياً، بحوادث ذوبان الأغطية الجليدية في الصيف في مناطق جبال الهملايا وهندوكوش وكونلون شان وبامير وتيان شاندان. وقد تنخسر هذه الأغطية الجليدية بنسبة تزيد عن 40 بالمائة وقد تصل إلى 80 بالمائة بحلول عام 2100 وذلك بموجب النماذج المناخية الحالية حيث ستصبح بعض السلاسل الجليدية خالية تماماً من الغطاء الجليدي. وتشمل الأنهار التي تواجه هذا الخطر سير داريا وآمو داريا ونهر السند ونهر الكنج ونهر براهمابوترا ويانجتز وهوانج هي أو النهر الأصفر حيث قد يواجه حوالي 3ر1 مليار من البشر خطراً متزايداً وهو نقص المياه بينما يواجه أكثر منهم خطر فقدان مياه الري للمحاصيل بالإضافة إلى حالات إرباك بالنسبة للصناعة وتوليد الكهرباء، أما بالنسبة لجليد الأنهار والبحيرات، يعتبر جليد المياه العذبة عنصراً هاماً بالنسبة لسبعة من 15 من أكبر أنهار العالم و11 من أكبر 15 بحيرة في العالم، بما في ذلك النهر الأحمر في أمريكا الشمالية وبحيرة كالافيسي في فنلندا ونهر تورنيونجوكي ونهر أنجارا في جنوب شرق سيبيريا. وتشير البيانات بشكل عام والتي تم الحصول عليها من جليد الأنهار إلى أن الارتفاعات في درجة حرارة الجو على المدى الطويل في فصل الخريف والربيع قد أدت إلى تأخير بلغ 10 إلى 15 يوماً "في التجمد" وإلى عملية عمليات سريعة مماثلة في التحطيم. وتشير النماذج إلى أن استمرار التغير المناخي قد يؤثر على توقيت وحجم الذوبان الربيعي والذي يؤثر على فيضان "الحشر الجليدي" في بعض الأماكن والمناطق.
(الجزء الثالث والأخير)
وقد يؤدي التغير المناخي في الحقيقة إلى تقليل هذه الحوادث الدرامية في أقصى الشمال ولكن هذا قد يؤدي إلى جفاف مناطق واسعة رطبة في دلتا الأنهار في القطب الشمالي وتحولها إلى مناطق عشبية. وهناك أيضاً مخاوف بالنسبة لآثار ذلك على الأسماك وعلى أشكال التنوع البيئي الأخرى وهي تربط بين النقل والناس الأصليين. وفي الوقت الحاضر تستخدم الكثير من المجتمعات النائية البحيرات والأنهار المتجمدة كطرق لصيد الحيوانات وصيد الأسماك ومناطق الصيد باستخدام المصايد أو للوصول إلى المستوطنات البشرية الكبيرة.
الحضارة التي صنعها الإنسان لن تكون لصالحه عاجلا أم آجلا، لأنه لم يعرف أن يتدبرها ويتلائم معها، لان الإنسان وحضارته زائله والطبيعة باقية ، وكل تدخل من قبل الإنسان في نظامها سوف يعود عليه بالضرر المحتم، لذلك يقول العالم الكسيس كاريل : " إن الحضارة الحديثة في مأزق لأنها لا تتلائم مع حقيقة كيان الإنسان ، لقد بنيت هذه الحضارة بدون معرفة طبيعتنا الحقيقية ، فهي ناجمة عن مصادفات الاكتشافات العلمية واشتهاءات البشر وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم وبالرغم من اننا نحن الذين شيّدناها فان هذه الحضارة ليست على قياسنا "، ويقول العالم البيولوجي جان روستان : " إن صوتا عظيما ينادينا لإنقاذ الطبيعة التي يقتلها الإنسان بشكل متواصل وبطيء ".
الإنسان تدخل في الطبيعة دون معرفة بل جرته اختراعاته واكتشافاته لأهوائه الشخصية ، فاضرّ بالطبيعة وانسجاماتها ، تدخل في حياة الحيوانات والنباتات وتضاريس الطبيعة ، أزال الجبال الرواسي التي هي أوتاد الأرض وموازينها وهي التي قال عنها تعالى : " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم "، يعني ثبات الأرض بسبب الجبال لئلا تميد وتضطرب بسبب الزلازل، فالجبال تصد الرياح والأعاصير وتمنع الزلازل، وفي حين إزالتها تتعرض الطبيعة إلى أعاصير وزلازل واضطرابات مدمرة بعدم وجود تلك الجبال التي هي حواجز أمام اضطراب الأرض، والتي جعلها الله أيضا سببا لتخزين المياه بفضل الثلوج لتذوب في الصيف وتملأ الوديان والأنهر بالمياه الحلوة لتكون غذاء لكل كائن حي قد تكفل الله برزقه.
لقد غيّر الإنسان مجرى الأنهر ما أدى إلى تغييرات بيئية واضطرابات مناخية ، لان الأفلاك تدور بتلائم مع الطبيعة ، لتخدم الكائن الحي ، وكل تغيير على وجه الأرض يجعل الأفلاك وبصورة اوتوماتيكية تغيّر مسارها ، بقدرة العزيز الحكيم ، وذلك لتبقى محافظة على استمرارية الحياة ، ولكن التغيير الذي يقوم به الإنسان على وجه الأرض وبدون هوادة ، جعل هناك اضطرابا في دوران الأفلاك ما أدى إلى تغييرات مناخية ، باعتراف العلماء ، من انحباس الأمطار وهطولها بصورة غير منتظمة ، وذوبان القطب الشمالي بسبب الانحباس الحراري ، وارتفاع في درجات بسبب تمزق طبقة الأوزون الناجمة عن الصناعات النووية والاستهلاكية والغازات والكيماويات التي صنعتها الأيدي البشرية ، وأيضا الفيضانات والأعاصير والزلازل ما يدل على انتقام الطبيعة من الإنسان الذي وكله الله القدير ليحافظ عليها فخان الأمانة ، وعاث في الأرض فسادا .
فالإنسان قام بسحب المياه الجارية في باطن الأرض، ومنعها من الجريان إلى حيث يشاء خالقها، لينتفع منها الإنسان والكائن الحي والنبات في كل موضع، وتحكم بالبحار والمحيطات والأنهار والينابيع، مما منع رطوبة الجو المعتدلة وجعلها تضر بالإنسان، وغيره من الكائنات الحية، وأيضا إخراج الإنسان للسوائل، ومنها النفط من باطن الأرض بكميات كبيرة، عرّض قشرة الأرض للزلال والاهتزازات والهزات الأرضية، لان القشرة الأرضية محمولة على هذه المادة السائلة، ومبنية على قوانين ضغط السوائل، الضغط أو المكبس الهيدراولي الذي يحرك الرافعات ويحرك الآلات، المبني على مبدأ باسكال، الذي ينص على ما يلي : " إذا سُلط ضغط إضافي عمودي على سائل محصور ، فإن هذا الضغط ينتقل إلى جميع أجزاء السائل وفي جميع الاتجاهات بالتساوي"، لأن السائل يتميّز دون غيره من حالات المادة الصلبة والغازية، فجزيئات السائل ليست ثابتة ولا يمكن أن تتقارب في حال ضغطها لعدم وجود مساحات، وبحال إخراج الكميات الكبيرة من السوائل من باطن الأرض، سوف تتعرض القشرة الأرض إلى انهيارات وخسف كثيرة، سوف توقع الخسائر الفادحة التي ليس حصر، وهذه من علامات أخر الزمان،
وأيضا الإنسان أباد الحشرات والكائنات الحية، التي هي بالحقيقة خلقها الله للمنفعة وليس فيها أضرار وإنما هي ضرر باعتقاده الإنسان الخاطيء فهو يريد أن يحصل على منتوجات زراعية وفيرة وعلى المال الوفير ، ولم ينتبه أن الطبيعة مبنية على التضاد ، فهناك حيوانات وحشرات تعيش على أضدادها فبهلاك الضد يكون الإنسان قد اتلف هذا النظام المتضادد ، والذي هو سلسلة الحياة ، فالحياة هي وليدة توازن وتناقض معين وتناسق متكامل في الوحدة ، وكل تلاعب بهذا التوازن هو مجازفة ذات عواقب مخلة بنظام الحياة ، لا يمكن لأحد تحديد مدى خطورتها ،
فالإنسان لم يترك شبرا واحدا على وجه الأرض دون تلويث، فهذه البحار والأنهر والمحيطات مليئة بالنفايات النووية ،الكيميائية ،الصناعية وكميات النفط والمجاري، وهذا أيضا زاد من ارتفاع الحرارة واضر بالكائنات البحرية وأدى إلى قتلها، عدا عن تلويث الشواطيء ، وأيضا افسد التربة بالسموم والمبيدات الكيميائية ما نتج أمراضا وآفات للنباتات لم تكن معهودة ، أضرت بالمزروعات وبالتالي بالحيوانات التي تعيش على هذه النباتات ، فافسد لحومها وتحولت إلى أمراض عند الإنسان ، وأيضا افسد تركيبة النباتات والحيوانات لتدخله بجيناتها وطرق الوراثة فأنتجت أمراضا جديدة لآكليها من بني البشر . وأيضا افسد الهواء بغازات ودخان المصانع والسيارات والطائرات والإشعاعات النووية ، وإشعاع الانتينات والاتصالات الهوائية والقنوات الفضائية فاحدث أمراضا للإنسان والحيوان كنوبات قلبية وضيق في التنفس ونوبات دماغية وشلل وأمراض سرطانية متنوعة وغيرها ، لان امتزاجات الغازات والأدخنة بالهواء وبخار الماء تنتج غيوما تحبس الأكسجين.
وإذا نظرنا إلى ما صنع الإنسان، من أسلحة تقليدية وغير تقليدية، بنايات سكن من الاسمنت المسلح،عمران وشوارع على آلاف الهكتارات من الأراضي، ومجامع مياه، نستنتج كم هو ظالم لنفسه ولغيره ، وباختصار الإنسان باختراعاته وحضارته ينتحر ويجعل الطبيعة تنتحر معه، وبذلك أصبح العالم وبما فيه على شفا جرف الهاوية، وأصبحت نهايته وشيكة، فألف سلام على الطبيعة ومن عليها،وما كان الله ليظلم أحدا بل كان الإنسان لنفسه ظلوما جهولا، فرحماك يا ربي .