بقلم : النائب سعيد نفاع
"سبحان مغيّر الأحوال وله ترجع الحكمة في كل حال وحال". يحتار المرء وهو يقرأ بين فترة وأخرى مواد تُسمّى مقالات حول "التواصل" و"مشروع التواصل" ومن جانبيّ الحدود، وأرجو ألا أغيظ هؤلاء الذين لا يعترفون بها حدودا ويعلنونها خطوط وقف إطلاق نار ولو طالت الهدنة ويعتبرون تفاعلهم الإسرائيلي "مشروعا اعتراضيّا". يحتار وهو يقرأ تصنيف نفس الوفد وبنفس التركيبة قوميّا ووطنيّا عندما يسافر في ال-2005 وال-2007 إلى سوريّة بمبادرة د. عزمي بشارة وسعيد نفاع، ويصير طائفيّا وتطبيعيّا في ال-2010 عندما يكون بمبادرة سعيد نفاع؟!
لا يسع المرء إلا أن يستعين بالله سبحانه مغيّر الأحوال ولكنه في حالتنا بريء فلا هو غيّر حال ولا بدّل مجال، رغم أننا وأعوذ به، نلقي عليه كل قصوراتنا وإحباطاتنا وحتى حين نولِعُها بيننا "طوشة" ونعتلي السطوح بالأحجار والعصيّ أو بالسلاح نلقيها عليه !
ما حدا بي أن أكتب هذا المقال هي مقالة عن التواصل في إحدى الصحف اللبنانيّة بقلم محررها (من أسقط عزمي بشارة في يد المخابرات الإسرائيليّة)، توزّع في البلاد على عناوين إلكترونيّة من عنوان إلكتروني تحت اسم "نسيم حلبي" المجهول أو المجهولة مرفِق بها عنوانا لها: "إ .أ. يعرّي سعيد نفاع". ليس صدفة أنني لا أذكر الاسم والصحيفة فلا هي ولا صاحبها يستأهل ذلك ولا من لقّنه بعد أن لقّمه.
التواصل بين أبناء أي فئة أو مجتمع أو شعب أو أمّة من نافل القول أن نقول أنه من أسس وجودها. وما أحوجنا نحن في ال-48 إليه فيما بيننا أولا عائلات وطوائف، ومع بقيّة أبناء شعبنا ثانيا ومع أبناء أمتنا ثالثا. حاجتنا إليه ماسّة لأنه مرتبط بتحصين وجودنا المهدد إن لم يكن جسديّا فعلى الأقل شكلا، فالحمائليّة والطائفية والعنف المرافق لهما والعنف الاجتماعي وانكفاؤنا كل في محيطه الأضيق والأضيق لا تبشر بخير وفي التواصل بعض دواء ولكنه دواء هام خصوصا ونحن نواجه مؤسسة لا أخبث ولا ألعن تعمل على ضرب وجودنا بتشويه شكله ليصير وجود طوائف متخلّفة متناحرة لا أقليّة قوميّة موحّدة متواصلة.
التواصل بيننا وبين بقيّة أبناء شعبنا وبالذات في الشتات مخيمات سوريّة ولبنان وبيننا وبين أهالينا وحتى مذهبيّا هو ليس فقط فعل إنسانيا هو كذلك وطنيا وقوميا بامتياز، هكذا كان وهكذا سيبقى ولن تبدّله المواقع الحزبيّة ولا المواقع الجغرافيّة، فكما كان في قمة الوطنيّة والقوميّة في أعين هؤلاء وأولاء عندما تبناه د. عزمي بشارة وهللّ له إ. أ. محرر الجريدة اللبنانيّة مثلا، ولن يجعله طائفيّا وتطبيعيّا قلم إ. أ. عندما تابعه سعيد نفّاع، ولن تبدّله أقلام ولا صحف تغنّت بالجماهيريّة الليبيّة وملك ملوك أفريقيا حين مولتها وبدّلت وغنّت لآل الحريري ومن ثمّ بآل ثاني وآل نجّاد.
لا يضير التذكير أننا نحن فلسطينيي البقاء تعرضنا وما بين النكبة-48 وحتى النكسة-67 إلى حملة تشكيك من ذوينا العرب وحتى أهلنا الفلسطينيين في الشتات، ولسخرية الأقدار نبع الأمر من مجرّد بقائنا. ورغم أنّا ثبتنا وجودنا الجسديّ بشق النفس وما زالت معركتنا على شكل هذا الوجود محتدمة وسط تناقضات عيش ليس بالهيّن التعايش معها، نجد أنه ما زال كمّ قليل من العرب يزايد علينا ويعتبر أي تواصل معنا تطبيعا مع "العدو الصهيوني"، والأغرب أن هنالك قوى من هؤلاء تحشر أنفها في خلافاتنا السياسيّة والحزبيّة، منصبة أنفسها أوصياء علينا وأحيانا مدفوعة الأجر من أموال ملوّثة وأخرى من أموال مضمّخة بدمائنا نحن، ليجد نفسه الإنسان يتساءل وفي الكثير من الأحيان سؤال العارف:
كيف يصحّ أن يرفع صحافيّ أو صحيفة القوميّة شعارا ويشنّ هجوما على قوة وطنيّة فلسطينيّة في الداخل أخذت شهاداتها من صاحب الحق الأبديّ في منح الشهادات، الميدان؟!
الصهيونيّة ومباشرة بعد ال-48 اعتبرت بقاء 156 ألف فلسطيني خطأ تاريخيّا تعذّر عليها "تصحيحه" بترحيلنا حينها وفقط بسبب ما تمّ في اتفاقات رودوس 1949 مع الأردن من تلبية لطلبها بضمّ منطقة المثلث مع سكانها إلى دولتها، فكيف سترحّل من ناحية من تبقى وتقبل ضمّ آخرين؟!
ولكن كان لا بدّ لها من ضرب كل مواطن قوة هذه الأقليّة وأولها المعيشيّة والاقتصاديّة بمصادرة أراضيها لتكون لقمة عيشها في يد المؤسسة، وثانيها وحدتها، فلم تأل جهدا في دقّ الأسافين واستطاعت أن تثبتها في الكثير من المواقع ومنها الطائفة العربيّة المسلمة الدرزيّة والشركس المسلمين والبدو وبعض الطوائف المسيحيّة وطبعا كل ضعاف النفوس من بقيّة وكل طوائف أبناء شعبنا.
عمل الوطنيّون ومن كل المشارب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا للتصدي لهذه الشرذمة قبالة المؤسسة وقبالة أزلامها وبكل السبل وجاء سبيل التواصل وبالذات مع سوريّة عام ال-2000 أحدها وبمبادرة د. عزمي بشارة، إحد السبل لتحصين وجودنا بكل شرائحنا. وما يخصّ العرب الدروز عينيّا تمّ طرح الأمر أولا في اللقاء الذي تمّ مع فاروق الشرع في ذكرى ال-40 للرئيس المرحوم حافظ الأسد بحضور أعضاء المكتب السياسي للتجمع المشاركين في الوفد ومنهم د. عزمي بشارة والموقّع أدناه. ومن ثمّ في لقاء ثلاثي في باريس بين د. عزمي بشارة والنائب وليد جنبلاط وكاتب هذه السطور. والشعار كان تقوية انتماء العرب الدروز في ال-48 وطنيّا وقوميّا واستثمار الزيارة كذلك للأماكن المقدّسة، فسبحان مبدّل الأحوال وأعوذه البريء من هذا التبدّل!
أثبت هذا التوجه صحته وعلى الأقل نتيجة للقلق الذي أثاره المشروع ونتائجه الميدانيّة في المؤسسة الإسرائيليّة، فالإجراءات القمعيّة التي اتخذتها ضدّ المتواصلين العرب الدروز قيادة وعاديين لم تتخذها ضدّ آخرين من المتواصلين اللهم إلا في حالات قليلة، وما زال المتواصلون العرب الدروز يخضعون للملاحقة الشباكيّة والقضائيّة. ومرّة أخرى كيف يلتقي تهجّم إ. أ. وأصدقائه وهجوم المستشار القضائي لحكومة إسرائيل على هذه الساحة؟!
كلام كثير يمكن أن يقال في هذا السياق ومن حقّ الكثيرين أن يسألوا ويتساءلوا عن التواصل وفي التواصل، لكن ليس من حقّ "العراة" أن يلبسوا من تنازل عن لبوسه طواعيّة فإن "فاقد الشيء لا يعطيه" حتّى لو تخيّل نفسه متدثرا بكل فراء الدنيا، ويعروا من حافظ على لبوسه وحتى لو كان من الأسمال تحديّا، وخصوصا إولاء من وراء الحدود مثل إ. أ. وله نقول: من أسقط عزمي بشارة في فكّ المخابرات الإسرائيليّة بمكالماته التلفونيّة "المتسنّط" عليها فليغط عُريَه وعري أحبائه بغطاء غير التهجم وبمعطيات كاذبة على التواصل ووفد التواصل إلى لبنان وسوريّة وعلى القيّمين عليه.
ونسأل القراء ممّن استلم الرسالة الإلكترونيّة: من أين ل- إ.أ. أنّ الوفد حصل على إذن الأمن الإسرائيليّ!!!
آب 2010