كشفت مصادر سياسية في إسرائيل عن أن الإدارة الأميركية وضعت برنامجا متكاملا لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، يقضي بالتوصل إلى اتفاق إطار للتسوية الدائمة خلال سنة واحدة، تنتهي بإقامة دولة فلسطينية، وتطبيق بنود هذا الاتفاق بشكل تدريجي من خلال مفاوضات بين الدولتين، إسرائيل وفلسطين، في غضون عشر سنوات.
وتزامن هذا الكشف مع خطة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أمس، وقالت إنها حصلت عليها من مصادر أميركية، تحتوي على المضمون نفسه. وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ينوي بذل كل جهد ممكن لتشجيع الطرفين على هذا التوجه، ولن يكتفي بلقاء القمة في البيت الأبيض، الأسبوع القادم، بل سيزور إسرائيل والسلطة الفلسطينية خلال بضعة أسابيع ليتحدث إلى شعوبها بشكل مباشر حتى تلتف حول قياداتها.
وأوضحت هذه المصادر أن أوباما مقتنع تماما بأن برنامجه واقعي. وقد سبق أن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وعدد من زعماء المنطقة حول ذلك وحصل على موافقة جارفة منهم. بل إن هذه المصادر أكدت أن نتنياهو، الذي يعتبر العقبة الأساسية في وجه مسيرة كهذه، وعد بالتعاون الكامل مع أوباما لتحقيق برنامجه، والشروط التي وضعها تتعلق في الأساس بموضوع الأمن، ويعتقد الأميركيون أنها قابلة للتسوية.
وكان دنيس روس، المستشار الكبير في البيت الأبيض، قد أجرى، أمس وأول من أمس، محادثات واسعة في إسرائيل مع وزير الدفاع إيهود باراك، ورئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض، ومستشار نتنياهو للشؤون الفلسطينية إسحاق مولخو، ووزير شؤون المخابرات دان مريدور، وعدد من المسؤولين في رئاسة مجلس الأمن القومي، وغيرهم، في إطار التمهيد لافتتاح المفاوضات المباشرة، يوم الخميس القادم. وأجمع من التقوه على أنه جاء ليضمن الاتفاق حول القضايا الأساسية المتعلقة ببرنامج افتتاح المفاوضات ونتائج اللقاءات الأولية، حتى يكون ذلك متكاملا ومن دون أي تشويش. ويريد روس أن يكون واضحا، أن لقاءات الخميس القادم ستنتهي باتفاق على جدول المباحثات اللاحقة. وحسب مصدر إسرائيلي اطلع على محادثات روس، فإن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ستجري خلال السنة القادمة بشكل مكثف بلا انقطاع. وستتضمن لقاء مرة كل أسبوعين بين نتنياهو وعباس، اللذين كانا قد أعلنا، كل من طرفه، أنه سيتولى رئاسة الوفد المفاوض.
وأكدت المصادر الإسرائيلية أن نتنياهو موافق على ذلك، بل إن أحد المقربين منه ادعى أن هذا في الأصل هو اقتراحه.
والهدف القريب من المفاوضات، كما يرمي البيت الأبيض، هو التوصل إلى اتفاق إطار للسلام، كما حصل بالضبط في مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. ففي هذا الاتفاق يتم تحديد حدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها ووضعيتها الأمنية (إسرائيل تطالب بأن تكون منزوعة السلاح وأن توضع آلية مراقبة لحدودها حتى لا تصبح ممرا لقوات معادية لإسرائيل)، وطابع العلاقات بين هذه الدولة وإسرائيل في جميع المجالات، وتسوية مبدئية لقضية اللاجئين. ويرى الأميركيون أن تطبيق الاتفاق سيحتاج إلى فترة طويلة لسببين: الأول تثبيت وضع الدولة الفلسطينية حتى تكون قادرة على توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة في دولة واحدة تمتلك مقومات الدولة، اقتصاد متين مزدهر وقيادة قوية واحدة تضمن سلطة القانون . والثاني التقدم التدريجي نحو السلام من خلال التجربة العملية وتغيير الواقع على الأرض بحيث يحل التعاون محل القطيعة والودية محل العداء.
ويلفت النظر إلى أن موضوع تجميد أو استئناف البناء الاستيطاني ما زال موضوع خلاف مركزي في قضية استئناف المفاوضات المباشرة. ومع أن الأميركيين يتحدثون عن التوصل إلى صيغة توفيقية، بحيث يسمح باستئناف البناء في الكتل الاستيطانية ويمنع في المناطق الداخلية في قلب الضفة الغربية، فإن الإسرائيليين ينفون ذلك. ومما يزيد في تعقيد الموقف أن نتنياهو يمتنع شخصيا عن الحديث حول الموضوع ويترك لوزرائه ومساعديه أن يصرحوا بشأن هذه القضية، كل على هواه.
وانضم وزير ثالث من حزب الليكود (الحاكم) إلى المجموعة التي تعرف بالمعتدلين وتؤيد الاستمرار في تجميد البناء الاستيطاني داخل الضفة، هو وزير المعارف جدعون ساعر (الوزيران الآخران هما دان مريدور وميخائيل ايتان). ويعتبر هؤلاء من المقربين إلى نتنياهو. ويقول خصومهم إنهم في الواقع يلعبون دور «تجربة الاختبار» في مكتب نتنياهو، ينطقون عمليا باسمه ويحاولون مساعدته في مواجهة المعارضة اليمينية المتطرفة التي تطالب بإطلاق مشاريع البناء في جميع المستوطنات.