بقلم: الكاتب والإعلامي نادر أبو تامر
يعود إلينا صاحب "الصدى"، المهندس جريس عوّاد، بمؤلف مبتكر حيث يأخذنا معه إلى أعماق التراث، يغوص بنا، ببوصلة ترى الأشياء على حقيقتها، بأصالتها، بعبقها، يستلّ مكشافه، يسلّطه بزخم على مواضع هامة، على مواقع مفصلية، على محطات لها حضورها في سيرورتنا الشعبية، وحضارتنا، ويسحبنا معه في القاع، يمنحنا جرعات من أكسجين الزمن نستنشقها إلى رئاتنا، يطلعنا على مسافات منسية من تاريخنا، ومساحات غنية من وجودنا الثقافي ومن قصص الأمثال التي نعيشها بوجداننا، وقد نتعاطى معها دون إدراك لحقيقتها التي يعريها جريس عواد أمامنا، ثم يسبح بنا ويعود، من جديد، إلى سطح المياه وينثر عليه فتات الخبز لتجتمع حوله اسماك الحبر والبحر.
لا يعود جريس بخفي حنين من رحلة لأمثال الفصحى والعامية، وقد تمخض الجبل فولد بئرًا لا تنضب من الفائدة، وكل ما يلمع في هذا الكتاب هو ذهب فعلا، وقلبه على ولده وقلب ولده على تاريخنا، ويعلمنا أنه هكذا تورد الإبل، وإذا نام الراعي فيوجد من يرعى التراث، وهذا البلوط اجاه مين يعرفه، وجريس الذي يعرف من أين تؤكل الكتف عنده الخبر اليقين، وهو يأكل الحصرم ويعطينا العنب، وإذا كان السكوت من فضة عادة فكلام مورد الأمثال هو من ذهب، وندرك عبر إبحارنا في معالم الكتاب أنّ ضربة المعلم بألف.
مورد الأمثال الذي به المؤلف يزودنا، يزودنا بما هو منّا وفينا، بشذرات وافية من انتمائنا إلى هويتنا وكياننا.. وأهميته هي في أنه يفسّر لنا ما كنا نظنه، قبل قراءة الكتاب، مفهومًا ضمنًا، لكننا ندرك، من خلال اطلاعنا على المادة البكر التي يضعها أمامنا أننا نجهل تاريخنا فيأتي من يوفر لنا سلم الصعود إلى القمم الحضارية في موروثنا الثقافي الأصيل بكل ما فيه من حقائق، ونوقن أنّنا بحاجة مستديمة إلى العودة للنبش في الذات والنقر في الدماغ لنعرفها حق المعرفة.
مورد الأمثال يعرفنا على حقيقة الأمثال وما هي جذورها، ولماذا نستخدمها، وفي أي المواقع والسياقات الاجتماعية والثقافية حيث يأخذ المؤلف الأمثال، يفتتها، يفككها، يعيد تجميعها، ينثرها، يعصرها، يعجنها ويقدّمها لنا على طبق راقٍ من التفاعل والتكامل. طالعوا مؤلف جريس عواد واطلعوا على كينونتكم. شكرا للمؤلف على هذا الكتاب الذي يضفي لمسة سحرية على أنفاس ثقافتنا وتاريخنا ويصطحبنا في رحلة لا تنسى. رحلة موفقة أرجو لكم! اربطوا أحزمة الاعتزاز بالنفس وانطلقوا!
الكاتب والإعلامي نادر أبو تامر