بقلم زياد شليوط
خطوة جريئة وشجاعة اتخذها وقام بها عشرات الفنانين المسرحيين الاسرائيليين، حين وقعوا على عريضة يعلنون فيها موقفهم الواضح في امتناعهم عن المشاركة في عروض مسرحية في مستوطنة أريئيل لأنها مقامة على أراضي فلسطينية محتلة في الضفة الغربية منذ عام 1967، وتلك العروض من المزمع اقامتها في مطلع تشرين الثاني القادم في افتتاح قاعة فنية في تلك المستوطنة.
انها خطوة جريئة وشجاعة لأنها تأتي في ظل حكومة من أكثر الحكومات يمينية وصهيونية متزمتة في اسرائيل. وهي خطوة جريئة لأنها عكست موقفا مبدئيا وضميريا لأولئك الفنانين الذين لم يتأثروا بخطوة سياسية آنية كالتي تجري في هذه الأيام، وتتمثل في المؤتمر الذي دعا اليه أوباما في واشنطن ويجمع بين الرئيسين الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. وهي خطوة شجاعة لأنها نقلت روح الشجاعة لقلوب عشرات المحاضرين الجامعيين الذين وقعوا على عريضة مماثلة، يؤيدون فيها الفنانين ويعلنون موقفا مماثلا. هذا في الوقت الذي يتعرض فيه المحاضرون الديمقراطيون الى هجمة تحريض صهيونية جديدة يقودها وزير المعارف بنفسه ومعه عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست الفاشيين، المعارضين للحياة الديمقراطية والاستقلالية الأكاديمية للجامعات في اسرائيل، تحت ذريعة أن المحاضرين الديمقراطيين يسيئون لاسرائيل ويدعون لمقاطعة الجامعات الاسرائيلية على خلفية المواقف العنصرية لها.
وخطوة جريئة لأنها أدت بعدد من الأدباء الاسرائيليين البارزين وخاصة أ.ب. يهوشواع وعاموس عوز اللذين لا يخرجان عادة عن الاجماع الصهيوني، والى جانبهما الكاتب اليساري البارز دافيد غروسمان والأديب المعروف سامي ميخائيل الى التوقيع على عريضة يعلنون فيها عن تأييدهم ودعمهم للفنانين الرافضين تقديم العروض في المناطق المحتلة.
ان هذه الخطوة الجريئة فجرت نقاشا جرى تغييبه عن الساحة الثقافية الاسرائيلية لفترة طويلة، بين مؤيد ومعارض، أو متفهم وممتنع. وعاد النقاش الحاد حول طبيعة الفن والثقافة عموما وعلاقتهما بالسياسة. وكان الموقف الواضح والجريء للفنانين هو سيد الساحة، فالفنان ليس دمية أو قطعة ديكور، بل هو انسان ومن أشد الناس حساسية للقضايا الانسانية. وسقطت كل التهديدات بقطع أرزاقهم أو عدم تحويل الميزانيات للمسارح التي يعملون فيها، كما سقطت الادعاءات بأنه لا ذنب للجمهور المقيم في المستوطنات في سياسة الاحتلال، فالجمهور الموجود هناك هو جمهور مستوطنين، ويقيم بقوة السلاح وبدعم مباشر من قوات الاحتلال التي سلبت وصادرت أراضي الفلسطينيين، فهل يعقل الادعاء بأنه لا رابط بين الجمهور وبين المكان. واذا كان قسم من ذلك الجمهور محب للفن وللمسرح فان بامكانه الوصول الى مركز اسرائيل خلال أقل من نصف ساعة لمشاهدة عرض مسرحي.
ومسألة أخرى لم يفطن اليها أحد وبقيت في زاوية منسية. كيف يعقل أن تحتفل مستوطنة أريئيل بافتتاح صالة عروض فنية، في الوقت الذي تحرم فيه القرى الفلسطينية المجاورة من افتتاح مدرسة جديدة، أو ضخ المياه اليها، أو في الوقت الذي يتم فيه قطع أشجار الزيتون للمزارعين الفلسطينيين وحرمانهم من جني ثمارهم وضرب مصدر رزقهم، أو في الوقت الذي تمنع فيه بلدية البيرة من انجاز تشييد ملعب رياضي حديث، واستصدار أمر احتلالي بهدم الملعب بعد وصوله للمرحلة النهائية؟ أجل كيف يمكن السكوت عن كل تلك الموبقات الاحتلالية بينما يتمتع فيه المستوطنون بكل وسائل الراحة والترفيه؟
تحية للفنانين الاسرائيليين الشجعان، الذين فتحوا عيون الكثيرين وأيقظوا ضمائر الكثيرين، على قضايا كادت أن تعشش في زاوية الاهمال والنسيان، وتسببوا في تجديد النقاش المشروع حولها.
(شفاعمرو- الجليل)