البروفيسور ماجد الحاج : العلم والمعرفة هما جوهر حضارتنا العربيّة والإسلامية ، المجتمع العربي سبق المدرسة العربية ولا مجال للخروج من أزمة التعليم العربي دون تبني فلسفة تربوية حديثة تعتمد على الإبداع والبحث العلمي
موقع سبيل
بحضور مئات الشخصيات الأكاديمية والتمثيلية والتربوية عقد في قاعة منتزه الجليل في سهل عبلين المؤتمر السنوي حول التعليم العالي ومستقبل المجتمع العربيّ الذي تنظمه جمعية إنسان للأبحاث، للاستشارة وللخدمات التربوية والثقافية برئاسة البروفيسور ماجد الحاج، نائب رئيس جامعة حيفا وعميد البحث العلمي فيها.
افتتح المؤتمر الإعلامي والكاتب نادر أبو تامر الذي رحب بالحضور وتحدث عن أهمية التعليم لدى الأقلية العربيّة في البلاد منوها إلى ضرورة التميّز لدى الطالب العربيّ الذي يحمل، منذ طفولته، أحلام والديه بالتعليم والنجاح.
وكانت المحاضرة المركزية في المؤتمر للبروفيسور ماجد الحاج بعنوان "التعليم، البحث العلمي وإستراتيجية البقاء" تحدث فيها عن أهمية البحث العلمي الذي يلعب دورا هاما في تدريج الجامعات، مستهجنا وجود جامعة عربية واحدة فقط ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، بينما نجد، ضمن هذه القائمة، في المقابل، كافة الجامعات الإسرائيلية. وأشار الحاج أن نسبة الأبحاث والمنشورات العلمية في إسرائيل هي عشرة أضعاف ما هو موجود في كل العالم العربي. وهذا الوضع هو ليس بسبب غياب الطاقات العربية بل بسبب السياسيات المخطوءة للدول العربية ومؤسساتها التعليمية.
وذكر الحاج أن أزمة البحث العلمي هي من أخطر الأزمات على المجتمعات العربية كافة وتضعها في ذيل مسيرة الشعوب وخارج الصيرورة التاريخية الحديثة.
وأكد أن هذا الوضع يشكل تناقضا مع ثقافتنا العربية وحضارتنا الإسلامية التي أكدت على أهمية العلم والعلماء وأعطت البشرية أروع المساهمات في البحث العلمي.
وذكر الحاج في هذا السياق أن القرآن الكريم بدأ بكلمة "اقرأ" ووضع "العلم" مباشرة بعد "الخلق". وأضاف أن أحد الأبحاث تشير بأن ذكر العلم والعلماء في القرآن الكريم أكثر من 750 مرة وهذا يشير إلى الأهمية التي يعطيها الإسلام للعلم والمعرفة مقتبسا مفاهيم تربوية وعلمية هامة من العلماء المسلمين مثل الغزالي وابن خلدون والفارابي وغيرهم.
وتطرق الحاج إلى التغيرات التي حصلت على التعليم العالي والبحث العلمي داخل المجتمع العربي في إسرائيل. وأشار إلى الإنجازات الهامة في هذا المجال حيث يوجد اليوم حوالي 70,000 أكاديمي عربي من حملة اللقب الأول فما فوق بالإضافة إلى حوالي 40,000 طالب في مؤسسات التعليم العالي في البلاد والخارج والكليات الأكاديمية وكليات إعداد المعلمين.
لكن ذكر أن القسم الأكبر من هذا التغير هو تغير كمي وليس تغيرا نوعيا. وأكد الحاج على الغربة التي يشعر بها الطالب العربي في الجامعات الإسرائيلية وإلى امتحان البسيخومتري الذي يشكل العقبة الأساسية في سبيل قبول الطلاب العرب للجامعات لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدراسية للطلاب العرب.
كما أشار الحاج أنه خلال عضويته في مجلس التعليم العالي طرح هذا الموضوع على جميع المحافل وطالب بإلغاء امتحان البسيخومتري كشرط إلزامي للقبول وأثمرت هذه المطالب عن إلغاء الامتحان لسنة واحدة وإعطاء الخيار للطلاب العرب بين معدل البجروت والبسيخومتري. ولكن هذا الترتيب ألغي لاحقا بسبب ضغوطات الجامعات.
وذكر الحاج في هذا السياق بأن اللجنة التي ترأسها في مجلس التعليم العالي وضعت لأول مرة إستراتيجية شمولية للتعامل مع جميع قضايا ومشاكل الطلاب العرب وتبنى في حينه مجلس التعليم العالي هذه التوصيات.
وأضاف الحاج انه قد تمت المصادقة مؤخرا على ميزانية خاصة بحوالي 300 مليون شاقل للتعليم العالي في الوسط العربي للسنوات الست القادمة. ووجه الحاج التحية للوزير البروفيسور برافرمان على جهوده في تحقيق هذا الإنجاز بالرغم من أن الحاجة هي لميزانيات أكبر من ذلك للتعامل مع كافة توصيات لجنة تدعيم التعليم العالي.
وقال الحاج إن المجتمع العربيّ شهد تطورات سريعة، نسبيا، بالمقارنة مع المدرسة العربيّة التي تخلفت عن المجتمع ذاته، وذكر الحاج أن المشكلة الأساسية تكمنفي أساليب التعليم التقليدية في المدرسة العربية واعتمادها على التلقين والإيداع وليس على التفكير الناقد والإبداع.
وختم الحاج محاضرته بالتحدث عن المبادرة قبل سنتين لإقامة المركز الأكاديمي للتنمية البشرية وتدشين المشروع العالمي "الأكاديميون الصغار" الذي سبق الوسط اليهودي في إرساء قواعد التربية للبحث العلمي من المراحل المتقدمة للمدرسة الابتدائية.
وشدد على أهمية استثمار الطاقات والجهود للنهوض بتفكير أطفالنا وقدراتهم الإبداعية منذ سن الروضة وتنشئتهم على الرؤية النقدية وعلى البحث العلمي السليم. كما أشار إلى أهمية مساهمة الأكاديميين في النهوض بالمجتمع العربي قائلا "إنه لا خير في علم لا يُنتفع به".
جاءت محاضرة الحاج ضمن القسم الأول من المؤتمر الذي تكوّن من جلستين، شارك في الأولى المستشار التربوي الأستاذ راجح عياشي الذي قدّم عرضًا لمشروع التوجيه المهني والتعليم العالي في جمعية إنسان وضرورة تطبيقه؛ السيد حسن عيد، مفتش المستشارين التربويين في لواء حيفا، تطرق إلى العديد من النقاط والمفاهيم الخاصة بالتوجيه الدراسي للطالب العربيّ تحديدًا؛ فيما تناول الدكتور خالد أبو عصبه، مدير معهد مسار للأبحاث الاجتماعية مسألة الإقبال الكبير على التعليم من قبل النساء قائلا إنهن يقتحمن مواقع متقدمة في العديد من المستويات العلمية، باستثناء الجهاز السياسي، وأعرب عن حزنه حيث إن هناك آلاف الخريجين الذين ينهون الدراسة في معاهد العليم العالي بنجاح، غير أنهم لا يجدون فرص العمل الملائمة، فيضطرون، بسبب ذلك، إلى البحث ولو عن وظيفة جزئية، غير متوفرة أصلا، في التربية والتعليم.
كما كانت في المؤتمر مداخلات لشخصيات دينية واجتماعية وهم رئيس لجنة المتابعة السيد محمد زيدان، رئيس بلدية شفاعمرو ناهض خازم، سماحة القاضي نعيم هنو، الناشط الشفاعمري إلياس جبور، الشيخ كمال خطيب وعضو الكنيست محمد بركة الذي وصف تدريج الجامعات في العالم، الذي لا نجد فيه سوى جامعة عربية واحدة من ضمن أفضل 500، بأنه وصمة عار في جبين الأمة العربيّة، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أهمية اقتلاع آفة العنف من المجتمع العربيّ.
وأكد المتحدثون على أهمية هذا المؤتمر والطروحات الطلائعية التي ذكرها البروفيسور ماجد الحاج حول البحث العلمي في المجتمع العربي وضرورة التربية لتطوير التفكير والنهوض بهذا المجتمع أسوة بالأمم الحضارية.
وكانت هناك مداخلات عديدة من قبل الجمهور حول مضامين المحاضرات.
وقد اختتم المؤتمر بتناول وجبة إفطار مع موعد أذان المغرب.
