بقلم: نايف خوري
التقى عشاق الزجل من الكرمل وحيفا والجليل بجوقة القلعة بقيادة الشاعر الكبير موسى زغيب وإلى جانبه الشاعر سميح خليل والشاعر بسام إدوار حرب. وجاء هذا اللقاء التاريخي في عمان يوم عيد الفطر السعيد 10.9.2010، وقد أشرف على تنظيم الحفلة السيد حسين زيدان من دالية الكرمل، الذي كان قد نظم من قبل حفلة رائعة للشاعر زغلول الدامور.
قبيل الحفلة أجرينا المقابلة التالية مع الشاعر زغيب:
سؤال: يسرنا في البداية التعرف عن كثب على الشاعر الكبير موسى زغيب.
جواب: أنا موسى زغيب من مواليد 17.9.1937 في حراجل – كسروان، في لبنان. استقيت الشعر أبًا عن جد، حيث جدي لأمي وأخوالي وأبي كلهم شعراء. درست في الفرير في عمشيت، وأخذت أكتب الشعر للرفاق والأصدقاء في المناسبات المختلفة وأنا بسن السادسة عشرة. وأصبحت رئيس جوقة "باز الجبل" وأخذت أظهر على المنابر بمشاركة حنا موسى من جوقة الأرز، وأخذنا نقيم المباريات مع خليل روكز في جبيل وأنا ابن 17 عامًا. ثم التحقت بجوقة خليل روكز مع أني كنت قائد الجوقة، وأجرينا المباريات مع جوقة زغلول الدامور، ثم اتسعت الجوقة لتضم أنطوان سعادة وأسعد سعيد والياس خليل وعادل خداج وغيرهم كثير من الشعراء. وبعد المباريات مع الزغلول تبارينا مع جوقة السيد محمد مصطفى. أما أنا فألفت عدة جوقات آخرها مع ابن أختي الشاعر الشاب سميح خليل والشاعر الشاب بسام حرب ابن صديقي إدوار حرب. فأنا أهدف إلى تنشئة جيل جديد من الشعراء الذين لابد أن يظهروا على المنابر.
سؤال: ألهذا السبب ظهرت في برنامج "أوف" التلفزيوني؟
جواب: نعم، فقد شعرت بأن العبء ملقى على عاتقي، خاصة بعد غياب عدد من الشعراء القدامى. ويجب علينا المحافظة على هذا اللون الإبداعي الهام على مختلف الأصعدة. وقد لاحظت ظهور عدد لا بأس به من الشعراء الشباب الذين يجب توجيههم ورعايتهم. فالشاعر لا يعتبر بمجرد كتابته لقصيدة واحدة، بل يجب أن تتوفر لديه الموهبة وتنميتها. هذا عدا عن الصوت والأداء والتأثير على السامعين لكي يصغوا إلى ما يقول.
سؤال: ما مدى التفاعل بين الارتجال والتحضير، أو حفظ الشعر غيبًا؟
جواب: صحيح أن الارتجال قد يفيد في بعض الأحيان، ولكنه لا يخدم دائمًا. وأنا أعتمد على الحفظ كثيرًا، وفي ذاكرتي آلاف القصائد وأبيات الشعر التي أستحضرها كلما أشاء، وقد حفظتها طيلة 53 سنة، ولا زلت أكتب كل يوم 5 ساعات. فالموهبة ليست على هواها عندما تأتيني، بل عندما أريدها أنا. وكثيرًا ما يطلبون مني قصيدة لفرح في مناسبة عزيزة، أو قصيدة رثاء لمرحوم، فلا أنتظر الوحي والإلهام بل أستحضره فورًا.
سؤال: لا يقتصر ظهورك على المنابر في مناسبات الحفلات أو الأفراح، بل تظهر في المآتم أيضًا.
جواب: صحيح، لأن الشاعر يتأثر بمقتضيات الحال والظروف إن كانت في الفرح أو في الحزن. وفي أحد المآتم شاهدت غجريًا يندب على ميت بلحن أعجبني ولكن شعره مكسور، فاستوحيت من اللحن بعض القصائد، وصقلتها وأخذت أرددها. وأصبحت المراثي التي أكتبها تدرس في الجامعات اللبنانية منذ 25 سنة إضافة إلى كثير من شعري في مختلف المواضيع.
سؤال: بماذا يتسم أسلوب موسى زغيب وما هي مميزات شعره، أو ما هي الأمور التي استحدثتها في الزجل؟
جواب: إنك تسأل عن قضية طويلة ومسألة واسعة من الدراسة التي قام بها عدد من الباحثين في مجال الزجل. ولكن يمكن الإشارة إلى بعض المبادرات التي استخدمتها ولم تكن من قبل، مثل: إدخال ألوان تراثية جديدة على الدلعونة. ومشاركة أدوات موسيقية لم تظهر في حفلات الزجل من قبل. التركيز على التلميح وليس المباشرة في الوصف والغزل مثلاً، وهذا يعطي المستمع مجالا لكي يستخدم خياله ويتذوق الشعر بشكل أفضل. كما أدخلت نظامًا خاصًا للشروقيات وأجريت عليها أكثر من 10 تعديلات. وكتبت حتى الآن أكثر من 52 شروقية. فالشعر عندي كالفرس الجموح، بحاجة إلى الضبط والانصياع. وكل قصيدة بالنسبة لي كالعروس، وأضيف إليها جماليات جديدة كل مرة، ولا ينتهي تجميلها أبدًا.
سؤال: كيف ترى الاهتمام بالشعراء الشباب؟ وهل هناك رعاية كافية لإظهار جيل جديد من الشعراء يحملون مسؤولية الزجل؟
جواب: لا ننتظر رعاية من الدولة، ولكن تأسست في لبنان نقابة لشعراء الزجل انضم إليها 210 شعراء، فهل كلهم شعراء يمكن الاعتماد عليهم؟ أنا شخصيًا أعرف سبعة منهم فقط. وعلى الشاعر أو الفنان الذي لا يستطيع تأمين حياة كريمة له أن يتجه إلى مصدر معيشة آخر، وأنا بدأت أتقاضى 10 ليرات في مطلع حياتي. وعلى صعيد الرعاية يجب تدريس الزجل أسوة بالشعر العربي الفصيح، وليس الشنفرى أحق من خليل روكز، ولا الحطيئة أحق من شحرور الوادي ولا حتى المتنبي أحق من رشيد نخلة. وبالنسبة لجيل الشباب فلدينا عدد لا بأس به من الشعراء الشباب الذين يمكنهم حمل مشعل الزجل ليعتاشوا منه.
سؤال: لاحظنا اهتمامك في برنامج "أوف" التلفزيوني، وتوجيهاتك للشعراء، أولاً، لماذا لم يظهر من الفتيات سوى اثنتين؟ وثانيًا، هل هناك تجديد لهذا البرنامج في المستقبل؟
جواب: سؤالك مهم، فصوت الفتاة يضيف رونقًا على شعر الزجل، ولدينا شاعرات ولكن ظهورهن على المنابر قليل جدًا. ومن التجديدات التي سنقدمها لمشاهد في برنامج "أوف" هي الدخول إلى بيت أحد الشعراء القدامى أو إلى مكتبته وتكريمه بقسط وافر من حلقات البرنامج. وفي هذا المجال أرغب بالإعلان بواسطتك إلى الشعراء الفلسطينيين الذين لا يستطيعون السفر إلى لبنان للمشاركة في برنامج "أوف" حيث سنأتي إلى عمان لتصوير بعض الحلقات بمشاركة الشعراء من الجليل والكرمل وغيرها من المناطق وبعدها سنذيعها ضمن البرنامج.
الحفلة: كان لي شرف تقديم هذه الحفلة وتولي عرافتها حيث تكدست الأفكار التي راودت ذهني في ما أريد أن أقول لهذا الشاعر العظيم موسى زغيب. وما أن صعدت المنبر لألقي كلمتي حتى شعرت بالمسؤولية الكبيرة على عاتقي لتنظيم الفقرات وإدارة الحفلة، لأن مقدم الحفلة يعتبر واجهتها أو إطارها، فإذا كانت الواجهة ضعيفة فإن الحفلة تظهر بضعفها، وإذا كان الإطار متماسكًا ومتينًا فهكذا يحافظ المقدم على رونق الحفلة وبهجتها. فقلت:
بادئ ذي بدء نتقدم بأجمل أمنيات الخير والسعادة، بمناسبة عيد الفطر السعيد، إلى صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، وإلى جميع أفراد الأسرة المالكة السعيدة الذكر، وإلى جميع أبناء الأردن، هذا البلد الطيب والمضياف، وإلى جميع أبناء الشعب الفلسطيني أفرادًا وقيادة، وإلى جميع العرب والمسلمين قاطبة، أعاده الله على الجميع بوافر الخيرات وغامر البركات.
إذا كان رشيد نخلة قد تربع على عرش الزجل، وإذا كان شعراء الزجل في لبنان قد وضعوا قواعده وأسسه، وإذا كانت سماء الزجل قد ازدحمت بأسماء النجوم اللامعة، فإن النجم الساطع اليوم يبقى سيد الكلمة والنغمة، بليغ الكلام والمعنى الشاعر موسى زغيب.
وإذا كان كبار شعراء العربية منذ الجاهلية وما بعدها، قد تغزلوا بالحبيبة، ووصفوا الطبيعة، وعبروا عن مكنونات قلوبهم وما تخالجها من مشاعر وأحاسيس، وبكوا وأبكوا في مواقف الحزن، وسالت دموعهم في لحظات الألم والفراق، فإن الشاعر الذي استطاع أن يجمع كل هذا معًا، بين الغزل والوصف، وبين الحكمة والمثل، بين الدموع والفراق، ببيان البلاغة والجمال، إنه هو هذا الشاعر المفوه موسى زغيب.
أيها الإخوة والأخوات، يا محبي الزجل وعشاق الكلمة الجميلة، لقد أتينا إلى هذا الحفل من بلاد الجليل والكرمل، من مختلف الطوائف والأطياف، ومن مختلف الأعمار والأجيال، لكي نشاهد عن كثب هذا الشاعر الذي استطاع عبر عقود أن يرفع شأن الزجل مع فرقته في حفلات القلعة وبيت ميري وبرنامج أوف التلفزيوني. وها إننا نرد إلى منبعكم العذب، وننهل من معينكم الذي لا ينضب، ونرتوي من تنغيم صوتكم ونتمتع بترخيم لحنكم ونحلق في سماء شعركم، وإلى جانبكم الشاعران المحبوبان سميح خليل وبسام حرب. ونعود حاملين زادًا وزوادًا معنويًا وروحيًا وفكريًا. ودوى التصفيق في القاعة المكتظة بالحضور، فاستبشرت خيرًا. وأضفت: ما كنا لنجتمع هنا لولا الجهود الجبارة والتضحيات التي بذلت لتلبية أذواق الجمهور. وكان الشغل الشاغل لاختيار صفوة الشعراء هو لمنظم هذا الحفل الصديق حسين زيدان، وأدع له الكلام. وأشار حسين إلى أهمية التواصل في مجالات الشعر عامة والزجل خاصة مع كبار الشعراء في لبنان، وحضور حفلاتهم في عمان.
ثم ألقى الشاعر شحادة خوري قصيدة دعا فيها الشاعر زغيب إلى احتضان الشعراء الفلسطينيين والعناية بهم للوصول إلى المنابر اللائقة. وألقى من بعده الشاعر توفيق حلبي قصيدة غنية بمعاني المحبة والتقارب والسعي إلى رفع شأن الزجل في بلادنا. وألقى الدكتور عماد قسيس قصيدة مهداة إلى الشاعر زغيب أكد فيها على أن الزجل في بلادنا له مكانة مرموقة وجمهوره الذي ازداد مع الزمن وتعاظم بظهور البرامج التلفزيونية، وتمنى للشاعر العمر المديد في عنايته بالشعر والشعراء. أما الشاعر عبد الكريم عزة فقد ألقى قصيدة تحية للشاعر زغيب ولشعراء الزجل اللبنانيين.
ودعوت الشعراء إلى المنبر قائلاً: لندع المنبر لرجاله، لنتنغم ونترنم على وقع الأصوات الجميلة والألحان البديعة والمعاني الرفيعة والقلوب النابضة بالحب والفرح، الشاعر موسى زغيب وفرقة القلعة سميح خليل وبسام إدوار حرب. وعلى الأورغ الفنان إميل كفوري. أما الكورس فيتألف من الشاعر خير نصر الدين والشاعر عبد الكريم عزة، وعلى الإيقاع الفنان الشاب كيان نصر الدين.
وأخذ الشعراء يتناولون ألوان الزجل وأصنافه وأنواعه من الشروقي إلى المعنى فالمردود، والموال والعتابا والميجانا والدلعونة والقصيد وتطرقوا إلى مواضيع شتى طرحت بين الطرفة والنكتة والفكاهة، وبين الجد والحكمة والمثل، وبين تجارب الحياة والعبر والدروس، التي قدمها الشاعر الكبير زغيب إلى سميح ابن أخته وإلى بسام ابن صديقه. وانتبه الشاعر إلى تفاعل الجمهور وحبه للزجل وشعرائه فزاد ألوانًا وأصنافًا، حتى قام بعض الجمهور بعقد حلقات الرقص والدبكة والسحجة. واستمر الشعر ينهال منسكبًا شلالا على الحضور، طيلة أربع ساعات متواصلة، حتى أغرقهم وأطربهم وحرك أحشاءهم ولم يشبعهم، لأنهم انتقلوا بعد الحفلة إلى الفندق مستمرين بالرقص والغناء بحضور الشعراء.
ورأيت نفسي أنهض متثاقلا ولا أرغب باختتام الحفلة فلم أشعر بالوقت الذي مضى بل رغبت بمزيد من الشعر والمتعة التي لا توصف، ولكني قلت: بعد أن عشنا هذه السويعات الرائعة، وقد تذوقنا هذه الوجبة الدسمة من الشعر الراقي والرفيع، نكون قد أمضينا لحظة تاريخية بالنسبة لنا نحن أهل الجليل والكرمل وحيفا، وستبقى ذكراها العطرة وعبقها الشذي في نفوسنا. ولذا نطالب الصديق حسين أن يسعى لتكرار مثل هذه الأمسيات. وشكرت من قلبي الكورال والعازفين وقدمت التحية للشاعر المبدع بسام إدوار حرب، والشاعر الموهوب سميح خليل، والتحية الكبيرة، الكبيرة جدًا للمعلم المبدع والشاعر موسى زغيب.
وتجدر الإشارة إلى أن السيد توفيق حلبي قام بتصوير الحفلة وسينشرها في يوتيوب، كما تم تصويرها تلفزيونيًا لتبث على إحدى القنوات الفضائية.