ابراهيم مالك
( 3 قصائد من وحي الأعمال الفنية الأخيرة للفنانة التشكيلية رانية عقل وموضوعها الحصيرة )
الحصيرة الوطن
أتأمل الحصيرة ، تلك التي نسجتها أصابع فنانة ، تعيش لحظات حلم ، محلقة بعيدا وبعيدا ، في مراحات نجوم قصية ، فترى ما لا يُرى !
أتأملها ، فأرى من وراء الحجب ، وَجْهَيْ أمي وأبي ، وقد أبْصَرا في عُرْيهما " نجمة المجوس " ، الموحِية بأكثرَ من وِلادة ، فراحا على الحصيرة يرقصان ، في ليلةٍ غـَرِدَة ٍ وَمـُقـْمـِرَة ، على إيقاع خبطات أقدام آلـِهـَة ٍ عـاشـِقـة !
إيه أيتها الحصيرة ، يا حافظة سـِر ِّ عائلتي المقدسة ، يا ملاذنا في الطفولة ، في ليالي الشتاء قارصة البرودة ، لحظة نروح في شغف ، نصغي لجدتنا عما كان ، لم يكن ولن يكون !
يا وطني !
كم يحزنني ما كنته وصرته ،
كنت مدى ً ينفتح على مدى ، مفترشا ثرى أمي ، بين ماء وماء ، بين شطآن بحر وشعاب قمم وبين طلة فجر وحلكة عتمة ،
وقد راح الطالعون ، من رحم أسطورة ، يطوون ثراك كالحصيرة ، فباتت معلقة في طرف زاوية من حيطان ما كان غرفتي وبـت ُّ مـُضـيـَّع َ الجـُذور كتائهٍ في العراء .
ألله يا وطني !
كم يوجعني ما دُفـِعـْت َ إليه !
فصرت َسجنا أَصـْغـَر َ من قبضة يد ،
أضيق َ من فسحة أمل ٍ
وكنت َ رحب الحوش ، أشبه بمراحات ، تزينها كمشات ُ نجوم ، بيادر ُ قمح ٍ ،
كروم ُ عـِنـَب ٍ ، زيتون ٍ ، فاتن الخضرة ، أحراش ُ بـَلـّوط ٍ وَحـَواكـيـر َ تين !
ألله يا وطني ، كم تمنيت !
لو أنك تنتفض على ما فيك وحولك من رماد ٍ ، يؤذي البصيرة ،
تنتصر على ذاتك ،
وما دُفـِعـْت َ إليه ، فتفـُك َّ قيدك السحري ، وتعاود َ التحليق، طلق الجناح !
ألحَصيرَة ُالرَّبابَة
شُبـِّه َ لي ، في ساعة قيلولةٍ نهاريةٍ حالمة ، أنني رُحْتُ أفترشُ الترابَ ، في خيمة ٍ جليلية ، أصْغي للهمس ِالطالع ِ من رحم ِمهباج ٍعاشق ْ، وقد أدهشني ما رأيْتُ ، استحالت ِالحصيرةُ رَبابة ً، حواشيها مُلوَّنة ٌ، ذكـَّرتني بزنـّار فاطمة ، فراحت ْ أصابعي الراقِصة ُ فرحا ً، تُداعب ُ أوتارها ، لِترْوِيَ حِكايَةَ عِشقي :
ألله ُ ، يا وطني ، ما أجملَكً ، وإنْ سَرَقوك َمنّي !
ألحصيرة .. أنا
تأمَّلْتُ الحَصيرَة َطويلا ً، حتى كاد غبشٌ يحجبُ عن عَيْنيَّ النور ، فرأيتني أخرج من بين خيوطها الملونة كعينيْ فنانة ، مُتكئا ً على عَصايَ ، تلك التي سأهُشّ بها على ما تجمَّعَ حولِيَ من ذُباب ٍ، ولي فيها مآرب أخرى :
كأن أبْعِدَ عن جسدك الهش يا وطني ، ما قد يتولـَّدُ من عَقاربَ ، تطلع مني ومن ذواتي ، سُمـُّها بات في ليليَ الطويل ، قاتلا ً حقا ً!