انطلق الموكب بالسيارة الفاخرة المزيّنة وبيد طالّة من شباكها الخلفيّ قابضة على باقة ورد رائحة غادية في ارتخاء، وتخال في رواحها حزنا وفي غدوها فرحا، وما أن غادرت المزيّنة حتى بدأ الجمع يمر أمام أب مغرورق العينين فرحا يغالب حزنا، مصافحين داعين:
"الله يستر عليها"!
والرجل يجيب بصوت خفيض:
"يستر على ولاياك"!
قال رفيقي وبعد أن عبرنا الرجل لاحقين بالموكب:
"كله كوم وهذه كوم". أن يطلب يد العروس يوم الخطبة وجهاء البلد، جميل. أن يطلب تتميم الفضل بإخراجها من بيت الأهل يوم الزواج رجل منتقى، أجمل. أن ينزلها بالذات إخوانها من على "المرتبة" مودعينها، أجمل وأجمل. أن ترافقها إلى بيتها الجديد إحدى قريباتها وليس أمها لا أعرف السبب ولكنه "ماشي". أن تلصق "خميرة" من القمح البلدي أو الأسمر بتسميته الأخرى، على باب دار عمّها ومن ثمّ أخرى على باب دارها يا ما أحلى. أن يكشف وجهها العريس مستقبلا ورغم أنه تقليد ذو جذور جاهليّة ولكنه أيضا "ماشي" ،وهذا كله كوم، وقالها بنبرة فيها كل الجِّد، ولكن في هذه ال"الله يستر عليها" كوما لا أفهم كنهه وقالها بنبرة فيها سخرية وربما بعض خبث. وتوقف...
سمعت كل هذا دون أن أدرك ما الذي يريده هذا الفيلسوف، فرددت: طيّب ؟!
فردّ: ألا ترى في ذلك غضاضة ؟
- وهي؟!
- ألكوم الأول يرفعها والكوم الثاني يقبرها!
- كيف؟!
- مِن ماذا مطلوب من الله أن يستر عليها؟
- مِن...
ولم أكمل لأني خلت نفسي أني فهمت إلى ما يرمي هذا الخبيث... كان يرمقني بطرف عينه وسارعني: لماذا للعريس وذوي العريس "مبروك" وللعروس وذويها "الله يستر عليها"؟
- هذه مراسم ورثناها منذ الجاهليّة؟!
- لا ! الشق الأول صحيح وفكّر كم يرفعها أمّا الثاني فدخيل وفكّر كم يخسفها !
وانتهت محادثتنا قبل أن تتاح لي الفرصة بالتفكير، إذ وصلنا وأوصلنا العروس واستقبلتها أمه فاتحة باب المزيّنة وخرج العريس بعد أن رفع "الطرحة" ليقف إلى جانب أبيه استعدادا لتقبّل آخر المهنئين نحن أعضاء "الجاهة" الذين انتقينا لردّ العروس، وكان لا بدّ أن نترك العريس ل"يستر عليها" ونهنئه، فتقدمت وأنا الأكبر سنّا من رفيقي مصافحا العريس ووالده وذويه متمنيّا "ألف مبروك" وسمعت رفيقي يقول للعريس بصوت عال:
"الله يستر عليك"!.
التفتّ ورائي وكان رفيقي يبتسم بخبث ساخر والعريس مرتبك باسم محمرّ الوجه وأهل العريس يضحكون.