بقلم : منير فرو
قال تعالى : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"،فوراثة الأرض هنا تدل على كلام مستقبلي وليس حاضر، لان الله سبحانه وعد عباده الصالحين الذين وصفهم بقوله : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، بأنه سوف يرثهم الأرض ويكونوا ملوكا عليها بلا منازع، هذا في الآخرة أما في الدنيا فالله سبحانه طلب من خلقه العمل الصالح حتى يكونوا من جملة الصالحين، ليستحقوا خلفة الأرض ووراثتها، فالله لا يريد من عباده الصراع والتنازع لقوله : " وكذالك جعلناكم شعوب وقبائل لتعارفو إن أكرمكم عند الله اتقاكم"، فمن هذا الكلام يتضح أن الصراع بين الشعوب هو مخالف لما أراده الله، ولا يأتي إلا بالوبال والدمار لجميع خلق الله، وأما من يصنع الحروب بين الناس سوف يكون مصيره عسيرا في الآخرة، لذلك الأرض خلقها الله للإنسان كي يعيش عليها بأمان واطمئنان ويعمل بما شرعه الله في الأديان، كما جاء في الوصايا العشر والتي جاءت على ذكرها كل الأديان السماوية : لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد شهادة زور، لا تشته بيت قريبك... الخ، فتشريع الله جاء لكل إنسان يعيش في الأرض، ولان لكل إنسان الحق بالوجود على هذه الأرض التي خلقها الله تعالى لأجله ولأجل أن يعمل فيها صالحا، ولكن وجود عاصيين ومردة على سنن الرب وشياطين على الأرض مستعلين متكبرين ظالمين لأنفسهم، جعل منهم أعداء لله ولخلقه، فافتعلوا الحروب وأباحوا سفك الدماء وهتك الحريم ونشروا الخوف والجوع الأمراض وقسموا الدول وجعلوا لها حدودا بعد أن كانت مشاعا فأغلقت الدول حدودها وجندت شعوبها ودججتهم بالسلاح الفتاك تهيئا للحروب والصراعات الدامية، وبما أن إسرائيل وبالذات القدس هي مركز الديانات وعليها تدور النبوءات وهي ارض الميعاد اختلفت عليها الشعوب وحاولت كل طائفة الاستيلاء عليها.
وهذا هو احد أسباب نشوب الحربين الكونيتين، الأولى والثانية بسبب تقسيم العالم إلى معسكرين، شيوعي ورأسمالي، كل يريد أن يستعمر العالم ويسيطر على ثرواته، فاضطرب العالم بالانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والنعرات الطائفية، وما أن تهدأ من جهة حتى تشتعل من جهة أخرى، ولكن بما أن ارض إسرائيل عامة والقدس خاصة هي مركز هذا العالم وسويداء قلبه، التي جمعت جميع الرسالات السماوية وكانت محط أنظار جميع الأنبياء، دلالة على مكانتها المقدسة عند الله، بات من المؤكد على كل إنسان في هذا العالم التعامل مع القدس على أنها مقدسة للجميع وعلى الجميع إعطائها مكانتها دون المس بمعتقد الأخر، فكل صراع على القدس سوف يجعل البشرية تعيش في صراع دامي ومرير، لا احد يحصل على طائل ولا ينال منه نائل، بل القدس سوف تبقى قدسا، ولكن الإنسان المتصارع سوف يذهب إلى الفناء وبعده إلى الشقاء، لأنه لم يسمع بوصايا الله . فكل شعب يمنحه الله حكم هذه الديار المقدسة، - والله يعطي الحكم لمن يشاء- عليه مراعاة شعور جميع الأديان والابتعاد عن المساس بمقدساتهم، إلى أن يحكم الله في الآخرة بين الأديان ويعطي كل إنسان عمله ، كما قال تعالى في القرآن : وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ".
إن الشعار الذي يتردد مؤخرا على السن القادة في إسرائيل :" إسرائيل دولة يهودية "، يبعث في نفس كل واحد إسرائيلي غير يهودي شعورا بعدم الارتياح، ليس لسبب صبغ إسرائيل بانتمائها اليهودي وإنما، بسبب التخوف من أبعاد هذا الشعار:
فهلالمقصود هنا بأنه لا مكان لوجود أي إنسان ليس عرقه يهوديا ؟
هل إسرائيل ليست لكل مواطنيها كما نصت عليه وثيقة الاستقلال عام 1948 ؟
هل شعار إسرائيل دولة يهودية يمنح إسرائيل دوليا بعدم منح المساواة للمواطنين الغير يهود ؟
إن إسرائيل لم تكن لتنشئ في فلسطين بعد شتات دام أكثر من ألفي عام دون الدعم الغربي الصهيو مسيحي الإنجيلي البروتستانتي اليميني المتطرف، الذي نشأ في أوروبا في القرن السادس عشر، وتمرد على الكنيسة الكاثوليكية وانتقد سياستها وسلطتها الدينية، وعمل على قلب أفكار ومعتقدات الديانة المسيحية، وادعى أمورا لم تكن في المسيحية وروّج لها، ثم عمل على هدم صورة الحبر الأعظم البابا وزعزعة مكانته الدينية لدى المسيحيين، وبعدها انتقل إلى القارة المخبوءة خلف محيط الموت( أمريكا)، ليصنع أقوى مستعمرة تقوم بإنشاء مملكة الرب على الأرض وليس في السماء كما كان سائدا في قلب الكنيسة البابوية الكاثوليكية في روما،
وأيضا جعل من عودة اليهود إلى ارض إسرائيل عصبا لعقيدته وشرطا أساسيا لعودة المسيح الثانية، لذلك قال القس "بات روبرتسون " : " إن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، وأن بقية نبوءات الكتاب المقدس أخذت تتحقق بسرعة مع مولد إسرائيل "،
وهذا ما كان قد صرح به بنيامين نتنياهو:
" لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض إسرائيل ، وهذا الحلم الذي يراودنا منذ 2000 سنة تحقق من خلال المسيحيين الصهيونيين ".
إن الغرب المسيحي اليميني المتطرف وكما يسمي نفسه" الصهيو مسيحي"، يجعل من إسرائيل هدفا لتحقيق مصالحه على حساب الشعب اليهودي، فيقتل ويفتك بالشعوب باسم إسرائيل واليهود، ويجعل من إسرائيل قوة لا تقهر، تبطش وتتغلغل في كل الدول دون رقيب ولا حسيب، وأيضا على حساب العرب، فهو دائما يسعى بهدم أي علاقة سلمية بين إسرائيل والعرب لأنه يعتقد بأنه لا مجال للسلم قبل مجيء المسيح ، ولن يكون مجيء للمسيح دون بناء دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، خالية من الغوييم أي فقط يسكنها الشعب اليهودي، ( ولهذا السبب كان احتلال العراق من منطلق عقيدة، والذي تم احتلاله بحجة امتلاك النووي، وتهديد إسرائيل، بالعلم أن بناء العراق وترسنته العسكرية جاءت بدعم غربي، ليتم بعدها تركيعه واحتلاله )، وحتى انه على المسيحيين في البلاد مغادرة إسرائيل الكبرى، والتي عاصمتها القدس الموحدة، والهيكل الثالث مبني مكان المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فكل رئيس يحكم الولايات المتحدة تسعى سياسته لتحقيق نفس الهدف ولو اختلفت سياسته الخارجية فإنها تصب في نفس الهدف،
إن اعتقادا متطرفا كهذا ومحاولة تطبيقه على ارض الواقع، لن يجلب إلا الشر للبشرية جمعاء، ولن يأتي بصالح لأحد، لان فيه نزع روح من جسد، والبشرية سوف تقع ضحية لهذا الاعتقاد الذي يتنافى والشرائع السماوية جميعها، لان الديانات نفسها دعت إلى التسامح ومحبة الآخرين، ونهت عن القتل والعنف باسم الدين وغيره، والإساءة للآخرين بالشكل والمضمون،
لقد بات من المحتم أن ما يجري في إسرائيل هو ثمرة معتقد غربي يهدف إلى الهيمنة والسيطرة على الشرق بأكمله، ثم العالم بأسره، وزعزعة استقراه بالفوضى والحروب واللا أخلاقيات، والأزمات الصحية والبيئية والاقتصادية، ويلعب بإسرائيل عن طريق جهاز التحكيم والمراقبة، فيدخلها في حروب مع جيرانها، ومشاكل مع سكانها الغير يهود، ويجعل من مؤسساتها ظالمة وجائرة لا تنصف من هو غير يهودي،
فلا حقوق، ولا تسهيلات حياتية، ولا اقتصادية، ولا منح تأشيرات بناء، لان الإقامة زمنية لا بد من تهجير الأمم الغير يهودية، ومن هذا المنطلق الأوضاع المزرية في الأماكن والقرى الغير يهودية(العربية والدرزية والشركسية والبدوية والمسيحية)، هي ثمرة سياسة تنتهجها إسرائيل تجاه سكانها الغير يهود، بأمر من الغرب، ولا اعتراض لإسرائيل لهذا الغرب، لأنه هو الممد لها والمؤيد في كل ما يتعلق في وجودها، لذلك لن يكون حلولا لأوضاع الغير يهود في البلاد، بل سوف يزداد وضعهم سوء يوما بعد يوم، ولن يستقر لهم حال، ولن يهدأ لهم بال، بل كل يوم سوف يتفاجأون بقرارات وقوانين لا يمكن للعقل البشري تقبلها تزيدهم تذمرا واعتراضا لما تفعله السلطة بهم،
وعليه يجب أن تلبي طلباته، وتعمل وفق ما يمليه عليها، وألان وبعد مرور62 عام على إنشاء دولة إسرائيل في أرض فلسطين، التي قال عنها الغرب بأنها : " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض "، تمر إسرائيل في أقسى مرحلة تطرفية، وما تشكيل حكومة يمينية متطرفة، إلا لتحقيق أصعب عملية جراحية يتم فيها استئصال وعقر المواطنين الغير يهود من أراضيهم، بهدف التهجير بحجج قانونية، وأمنية، ومخالفات ملفقة، وهدم بيوت،مصادرة أراضيهم بحجة ارض خضراء أو بارك أو إقامة مشاريع وغيرها، وتهريب مخدرات، وفرض ضرائب، ودب النعرات الطائفية، والسياسية، والاختلاف على سلطات محلية، وتدجيجهم بالسلاح، ليرفع احدهم على الآخر السلاح فيرديه قتيلا،
وتوحيد القدس وتهويدها، دون الإبقاء على أي معالم أخرى غير يهودية، وجعلها عاصمة إسرائيل الأبدية، وعلى هذا كانت شعارات ليبرمان وغيره من المرشحين اليمينيين ليصح اعتقاد الغرب بدولة إسرائيل دولة يهودية خالصة، تنتظر عودة المسيح، ليفرض عليهم المسيحية بقوة السيف، وبذلك سيقع اليهود ضحية الغرب المتصهين، ويلقون مصيرهم الذي سيكون أضعاف ما فعل بهم ادلف هتلر في ألمانيا ، لان الغرب هذا يقوم بتجميع اليهود من كل أقطار العالم ليقضي بواسطتهم على سكان الشرق الأوسط والأقصى وبعدها يقضي على اليهود بأسرهم ليسنح له حكم العالم بمفرده، فأي مصير سوف ينتظرنا في المستقبل وأي سلام.