موقع سبيل - تقرير يحيى عامر
لذكرى ضحايا حادث الطرق المروع في كفر ياسيف في شهر أيلول الماضي والذي أودى بحياة ثلاثة من الشخصيات الإجتماعية البارزة في المجتمع ...الدكتور نزار توما وزوجته المستشارة التربوية جوزفين توما والقاضية نسرين بشارة كريني ، أفتتح معرض " كفى " برعاية جمعية " إبداع " للفنانين التشكيليين العرب تخليدا لأرواح ضحايا الحادث، وخلال المعرض تكرمت مفتشة مناهج الأدب العربي للمرحلة بعد الإبتدائية للوسط العربي في البلاد الأديبة راوية بربارة بقراءة فكرية لبعض اللوحات والأعمال الفنية التابعة للمعرض .....
من وحي لوحات ومنحوتات معرض جمعيّة الفنّانين التشكليين "إبداع"
دعونا نتأمّل صامتين، فالجدرانُ بعد أن كانت تسترق السمعَ، أصبحت لها أفواهٌ ورقيّةٌ ملوّنةٌ تعبّر عمّا يجيشُ في داخلنا، فالويل لنا إذا نطقت جدرانُنا وكلّلَنا الصمتُ!
يعانق الأحمرُ القماشَ الخامَ الأبيضَ، ليلوّنَ جريمتَنا، هذه الجريمة التي تُطلّ من وراء أرَق الألوان، وجوهًا لا يعلوها تورّدُ الخجل، ولا احمرارُ الغيرة، بل تعلوها دماءُ الجاهليّةِ الأولى التي تنادينا أن نقف على ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط غبائنا، بين انفتاحنا وقمعنا، أننفتح على الأخريات، ونقول مع طرفة بنِ العبد: "لولا ثلاثٌ هنّ من لذّة الفتى وجدِّكَ لم أحفل متى قام عوّدي"؟ أنحتفل بانتصاراتنا الذكوريّة، ونعتبر مشاعرَ الأنثى عارًا؟ كان الأجدر بعقليّتنا التي اخترعت الوأد والختان، أن تخترع مانع الشهوات والعواطف، وأن تجتث من الأنثى هرمون العواطف، باختراعٍ عربيٍّ، يسمّى النصلَ والسكينَ والسيفَ اليمانيَّ الذي نتغنّى فيه في أعراسنا!
هذه الأعراس التي تتحوّل جبهات بارود، وكأنّ العرسَ ليس طقسًا دينيًّا وإعلانَ براءة، إنّما هو فتحٌ جديدٌ ننصب له أقواس النصرٍ ويزغرد الرصاص!
وها هي شوارعنا التي كانت تردّد مع الحداة الأغاني، أصبحتْ بعد أن عبّدناها تردّد مع أبي العتاهية:
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركُهُ ربَّ امرئٍ حتفُهُ في ما تمنّاه
أصبحت كلّ عودةٍ إلى البيتِ تُعتبر غنيمة، إذ نسير وأرواحنا على أكفّنا، نتسربل الأفكار والأكفان، وباتت أخبارنا لا تذيع إلاّ الحوادث والجرائم!!!
وبتنا كهذا المنحوت الحجريّ يطلّ منّا الزهو والامتلاء، ونبطّن الخواء الثقافي والعاطفي والاجتماعيّ، ونتمنى يدًا بيضاء تأتي لتفتحَ صفحةً جديدةً، من صفحات هفواتنا، وتبعيّتِنا وراء نزواتنا، فما البيوتُ إلاّ حجارةٌ تستر عوراتنا، خاليةٌ من المحبّةِ والتربيةِ، يمتطي فيها كلٌّ منّا صهوةَ الإنترنت، ويسرح بعيدًا لا رسَنَ يلجمه، ولا مبادئ، إلاّ العنفَ الكلاميّ والجسديّ ينزل بسوطه على أجسادنا وأوراقنا وأفكارنا، فنقول كما قال جبران:
فقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتِهِ وقاتلُ الروح لا تدري به البشرُ
القرن الحادي والعشرون ينهي عقدَه الأولى، ونحن ما زلنا نتبختر في عباءتنا العربيّه، ونعتبر المرأة مزهريّة نزيّن بها البيت، فنكسر أحلامها على طاولة المنع، ونغتصب أفكارها على شراشف القمع، فلا تحلّق حمامةَ السلام البيضاء، إلاّ وقد اتّشحت سوادًا، وتتقطّر الدمعةُ كبيرةً تملأ كلّ حياتِنا، فلا نرى إلا طيورَ الظلام والموتِ ترفرف حولنا، و لا نتعلّم من الفلسفةِ والعلوم كيف نقتطعُ دائرة الموتِ والعنفِ والجبنِ والخوفِ من حياتنا، فالممنوعات كثيرةٌ وكلٌّ منها مرغوبٌ.
وشوارعنا مدرسةٌ وإشاراتنا الضوئيّة لا تفقه من الألوان إلاّ أصفرَ الاستعداد، وأخضرَ الانقضاض على بعضنا البعض، حتّى أنابيب المياه أصبحت لا تضخُ حياةً لأنّ دبابات الاحتلال الفكريّ والعصبيّة الذكوريّة، والقبليّة، والحزبيّة، والفئويّة والعائليّة، تدوس بعجلاتها ضخّ السعادةِ في حياتنا.
والمطر انحبسَ السنةَ وكأنّ الله يُجازي البشر على قحطهم العاطفيّ وجفائهم الإنسانيّ، فلا تنفع صلوات الاستسقاء ولا الاستبقاء!
وهذه آثارُ الجريمةِ ما زالت ماثلةً أمامَنا، محفورةً في اختلاجات رفضنا وقهرنا.. منحوتةً على صخرٍ أصمّ "وليت لنا قلبًا كهذي الصخرةِ الصمّاء"، فلا ندير ظهرَنا لآلام الناس...
فهل نترك كلّ من ذهَبَ في درب الآلام، ليكونَ مجرّد ذكرى عابرة؟؟؟
هل نحن، المثقفين والفنانين والمبدعين والغيورين على مجتمعنا، نترك المجرم طليقًا يهدّد كياننا؟ أم نقول كما قالت جمعيّة "إبداع" بفنّانيها ومسئوليها: كفى، كفى للعنف بكلّ أشكاله، كفى للقهر والاستعباد الجسديّ والفكريّ، كفى للأنانية.
أننتظرُ الطوفان ثانيةً ليغسلَ خطايانا؟ أم ننتظر الزلزلةَ تصيبنا ونصبح كأهل مدين على ركبِنا جاثمين؟ أم ننظرُ إلى خطايانا بعين عدم المعرفةِ، لنتحوّل عمود ملحٍ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فكفى، لأنّ الصامتَ عن الجريمةِ شيطانٌ أخرس!
وكفى!
راوية بربارة
2010-11-06