بقلم : زياد شليوط
فاجأني صديقي وهو يحدثني عن مقال جديد وصله بالبريد الألكتروني للإعلامي سامي كليب، بعنوان "مسيحية الشرق ثروة تنضب.. من المستفيد؟" فاجأني بسؤاله: ماذا تريدوننا أن نعمل، كيف يمكن للمسلمين ايقاف هجرة المسيحيين، وهل نحن الذين ندفعكم للهجرة؟ ووجمت أمام هذه الأسئلة، لأننا نطرحها ونطرح أفكار الهجرة وعواقبها دون أن نقف أمام السؤال الأساسي والمركزي: ما العمل للحفاظ على المسيحيين العرب ومنع زوالهم من الشرق؟ وعلى من تقع المسؤولية؟
صحيح أن مقال سامي كليب وبعدما قرأته لا يختلف عن غيره ولا يأتي بالجديد، انما يعود ليذكرنا باسماء مسيحيين قوميين، زرعوا بذور القومية وتركوا بصماتهم الواضحة في مجالات الأدب والسياسة والثقافة وغيرها، ومثله مثل غيره يتساءل: "كيف لنا أن نتصور هذا الشرق من دون مسيحييه؟" ويصل الى الخلاصة الهامة أن الخطب والمجاملات والكلام المعسول لم تعد تجدي ويجب "ايجاد خطة فعلية للحفاظ على هذه الثروة الكبيرة للعروبة واللغة والنضال."
حقيقة أن كثيرين كتبوا في هذا الموضوع وخاصة من المفكرين والمثقفين المسلمين الذين يعز عليهم زوال المسيحيين من الشرق ويرون فيهم قيمة كبيرة وهامة، ومركبا أساسيا في العروبة لا يمكن التخلي عنه. وهناك من دعا الى الحفاظ على المسيحيين والدفاع عنهم والتمسك بهم ومنعهم من الهجرة، "كلام معسول" على حد تعبير كليب، لكن يبقى السؤال ما العمل؟
يطالب سامي كليب بوضع خطة فعلية، وهذا المطلب لم يأت من فراغ انما نتيجة ما وصل اليه الوضع الآخذ بالتردي بالنسبة لوضع المسيحيين في الشرق، والجميع أبدى قلقه وغضبه على الجريمة النكراء في كنيسة النجاة في بغداد مؤخرا. وهذه الدعوة لا تأتي من عبث، انما تعكس شعور الكثيرين. لكن علينا أن نسأل ونحن نستذكر، لماذا لم تطلق مثل هذه الدعوات قبل نصف قرن؟ واذا عدنا قليلا الى تلك الحقبة القريبة، نستذكر القومية العربية في عصرها الذهبي بفضل القائد العربي القومي جمال عبد الناصر، الذي سارت معه وخلفه الأمة العربية من خليجها الى محيطها، متجاوزة رغبة حكامها المحليين، وكانت القومية هي الشعار وهي المبدأ وهي التطبيق، فلم يشعر المسيحيون أنهم غرباء، بل على العكس كانوا شركاء في البناء والتحرير، في العمل والتطوير، مع انهم لم يتقلدوا المناصب الوزارية والرفيعة، لكن كان لهم دور وتأثير. ولم يتعرض المسيحيون أو دور عبادتهم الى الاعتداء أو الضيق والملاحقة كما يجري اليوم، ورغم أنهم لم يبنوا الكنائس كما رغبوا لكنهم شعروا بحرية دينية في ممارسة طقوسهم وصلواتهم، وعاشوا حياتهم بشكل طبيعي واعتيادي الى جانب اخوتهم المسلمين. وهذا كان حال المسيحيين في العراق تحت حكم البعث، وصدام حسين رغم أخطاء وسلبيات ذاك النظام، لكن بوصلته القومية ساهمت في العيش الآمن للمسيحيين ولم يرحلوا بأعدادهم الكبيرة كما حدث بعد زوال الحكم القومي وقدوم حكم القبائل والطوائف على بارجة استعمارية غربية. وهذا حال المسيحيين في سوريا القومية التي تعاملهم أفضل معاملة وتحفظ حقوقهم ومكانتهم.
ولماذا أستذكر واذكر بهذه الأمور، لأقول أن الحل يكمن هنا في التربية على القومية العربية، لأنه بعدما تراجعت القومية وتخلت عنها الدول والشعوب، ساد التشرذم والانفصال فتحولنا من أمة الى قبائل وشعوب واقوام، عدنا الى العصبية "القبلية" سواء للدين أو الطائفة أو المذهب وفقدنا الرابط الجامع لنا وهو الرابط القومي الذي لا رابط موحد لنا سواه. وقد حذر الأديب والفيلسوف جبران خليل جبران من هذه الحالة التي ستؤدي الى فقدان الأمة لمقوماتها، أطلق صرخته المعروفة "ويل لامة تكثر فيهاالمذاهب والطوائف وتخلو من الدين"، فمن ارتكب الجريمة النكراء في كنيسة بغداد لا يعرف الدين ولا يمكن أن يكون من أتباع أي دين سماوي. ومن هنا المطلوب العودة الى الأسس القومية وانتهاج الطريق القومي، وبما أنه لا يتوفر لدينا اليوم قائد كريزماتي كعبد الناصر، ولا توجد دولة قوية تنشر القومية، والحركات القومية تعاني ضعفا وانقسامات، فان الحل يكمن في التربية.
فاذا كانت نوايا الحكام والحكومات صادقة، أو اذا كانت موافقة على طروحات المثقفين الواعين، فان عليها احداث التغيير في مناهج وبرامج التعليم عندها، تلك البرامج التي لا تشجع على الوحدة الوطنية بمفهومها القومي. عندما يتعلم الطالب في المدرسة ويعرف تاريخه الصحيح، ويتعلم عن المسيحية ونشأتها في الشرق ودورها في الحفاظ على اللغة العربية والحضارة العربية ومساهمة المسيحيين العرب بذلك، مع ذكر أسماء الأدباء والشعراء والمفكرين والفلاسفة المسيحيين، وكذلك دور المسيحيين العرب في الدفاع عن عروبة المشرق وانخراطهم في الجيوش العربية الاسلامية، وفي ادارة الدول والولايات العربية ومساهمتهم الفعلية ومشاركتهم الهامة في تلك الأمور، وأن الدين فعلا لله والوطن للجميع، عندها سيحترم الطالب المسلم أخاه المسيحي، وسيفهم معنى أن يصلي المسيحي في كنيسته كما المسلم في مسجده، وسيحترم مساهمة الأدباء والمفكرين العرب في الحضارة العربية.
وعندما يبدأ التعامل مع المواطن المسيحي كمواطن عادي له نفس الحقوق كما عليه نفس الواجبات، وأنه يحق له ان يتقدم لأي وظيفة رسمية وأن يحصل عليها بكفاءة وليس منة، عندها سيجد نفسه شريكا في الوطن وبنائه ولن يفكر في تركه والابتعاد عنه. وهنا يكمن دور كل مواطن يعو عليه الوجود المسيحي في وطنه، أن يدعو ويضغط على حكومته من أجل بناء برامج تربوية وتعليمية بهذه الروح، وبذلك نبني المدماك الأول في بناء العيش المشترك والمصير المشترك للمسلمين والمسيحيين في الشرق.
(شفاعمرو/ الجليل)