بقلم د. بطرس دلة - كفر ياسيف
شاهدوني في رحيق السنابل ومذاق القهوة السّادة
على منعطف الطرق بين الماضي والحاضر والمستقبل ينعطف القلب فنذكر شيخنا الجليل المرحوم الشيخ جبر داهش معدي الذي كان بالأمس القريب حاضرا فصار ماضيا.
بالأمس كان كالسنديانة تجذّرت في ضمير هذه الأمة فصار أكبر من الكلمات وعزّ لذلك فيه الرثاء. لم يكن المرحوم رجلا عاديا فقد كان فوق العادي بكثير, لقد كان ظاهرة نادرة في بني معروف حين جمع في شخصه الكريم صفات البطولة والقيادة وحكمة الشيوخ والأبوة الحقيقية وصلابة الفولاذ وإرادة لا تعرف التراخي أو التنازل.
وإذا كان لتصاريف القدر طعم العلقم أحيانا فإن المرحوم أبا داهش يشذّ عن هذه القاعدة لأنه سيظل خالدا في قلوب جميع معارفه ومحبيه من أبناء هذا الشعب الطيب ومن أبناء قريته يركا التي نعزّها ونحترم أهاليها ومن أبناء الطائفة المعروفية التي نما وترعرع على مبادئها الداعية للخير والمحبة للجميع. هناك أناس يموتون في حياتهم ويقتلهم النسيان، وهناك أناس يعيشون في حياتهم وفي مماتهم.
وفقيدنا الكبير ما زال حيا في حياته لأن ما خلفه من مواقف وذكريات في فترة هامّة من تاريخ شعبنا جعله رمزا من رموز هذا الشعب. إن البكاء على الفقيد معناه هزيمة الحياة ذات الطموحات التي لا حدود لها أما أمام جبروت ملاك الموت! وفي صراع الإنسان من أجل الحياة يستطيع الإنسان أن بخلّد اسمه بأعماله رغم أنف ملاك الموت! قال أحد العظماء (لا أذكر اسمه) عندما دنت منيته :" أخشى أن اكون قد أخذت من الحياة أكثر مما أعطيتها".
وابو داهش لم يخشَ لأنه أعطى أكثر بكثير مما اخذ. أخيرا اقول : بما أن للجدول جفافه وللزيتون مواسمه وللمحارب استراحة فهكذا كان رحيلك أيها الشيخ الراحل إلى أحضان الأبدية. فقد دعاك الرفيق الأعلى فلبّيتَ الدعاء ونحن نأسف كثيرا على رحيلك ومع أننا نؤمن أن الموت حق علينا جميعا وأنه لا مردّ لمشيئة الله في خلقه فإننا نؤمن أيضا أن جميع الأشياء الجميلة لها نهاية.
فإلى جنات الخلد أيها الراحل الكريم . عزاؤنا بمن أنجبت وما أنجزت أقول على لسان الراحل الكريم" أنا يا أحبائي لا أجيد لغة السفر لقد احترفت الموت قليلا فمعذرة لأنني ذاهب لأيام أستيقظ غدا مع الشمس وأسراب الحساسين دعوني أنمْ في عيونكم جميعا لأنني الدمعة إذا عزّ الفراق خذوا روحي زهرة لأيلول وشاهدوني في رحيق السنابل ومذاق القهوة السادة فوق قلبي المشتعل أعزيكم جميعا وأرجو لكم من بعده طول البقاء ..
يرحمك الله أيها الراحل إلى أحضان الأبدية وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.