بقلم ربيع ابريق - أبو سنان
استوقفني قبل أيام ليست بقليلة، عامل يُعمل في قرية نائية بعيدة، عامل ممتاز اسمه حميد وصفاته حميدة، لا يحمل في قلبه كره ولا ضغينة، متواضع، خجول - نفسه عفيفة، تربطه بزملائه علاقة وطيدة-متينة، محبته للآخرين كانت ومازالت عميقة، وإخلاصه لعمله في معتقدة عقيدة . تأخره عن العمل صباحا هي مسألة مستحيلة، وثمرة عمله حلوة كالفاكهة اللذيذة...
يعمل حميد في مهنته سنوات عديدة، ثلاثة عقود مليئة بذكريات جميلة ، لكن التعب والاعياء بدأ ينخر في جسده بعد أيام الخدمة الطويلة، بعد أيام أفناها بجد ومثابرة مجيدة، وشعر بأنه لن يستطيع العطاء كما في أيام شبابه الجميلة، فقد استنفد كل طاقته الحبيسة، وأهدى لمكان العمل كل قوته الغالية النفيسة، فلم تعد لديه الطاقات لإكمال المشوار والوظيفة، وأدرك أن أيام التقاعد قد دنت واضحت وشيكة...
لم يع حميد ما ينتظره من أيام عويصة، فقد توجه للمسؤولين في سلطته المحلية أصحاب المكانة الرفيعة ، طالبا المصادقة على طلباته المتواضعة البسيطة، بأن يخرج للتقاعد المبكر في الفترة القريبة ، لكنه صُدم من هول الاجابات الغريبة ، حين طلبوا أن يُكتب عنه تقارير سلبية " صغيرة" ، تقارير تهدف الى "تسويد" صفحته النظيفة ، تُثبت بأنه عامل فاشل في السليقة ، وبأنه يتأخر كل يوم عن العمل في الصبيحة، وتحصيل عمله مُتدن بل "فضيحة"، ، ولا تربطه بزملائه صلة وثيقة...
انهار حميد عند سماعه هذه المطالب الغريبة ، مُحدثا نفسه بأن ما يحدث مهزلة عجيبة ، بل انها بعينها الخطيئة ، وأنه إذا استجاب فسيُدمر سمعته الشريفة، بعد سنوات العمل والعطاء العديدة، وتساءل : أين احترام مشاعره وقدراته وخدمته الأمينة؟! أهذه "شهادة التقدير" التي يستحقها يا أهل العشيرة؟! أهكذا تعامل في نهاية خدمتها الفرس الأصيلة، التي كانت دائما وأبدا في الطليعة؟!
حميد يتخبط في أمره وهو في حيرة : هل يخرج للتقاعد المبكر بصورة مهينة، أم يبقى في العمل وقد استنفد كل طاقته الدفينة؟!