نـظــــرة فـــي المعــرفة وظـــلا لــــــها !!!

تاريخ النشر 14/12/2010 20:44

منير فرّو

لقد قال تعالى في كتابه العزيز : "يخرجهم من الظلمات إلى النور"، أي يخرجهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمة المعصية إلى  نور الطاعة، ومن ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة، ومن ظلمة الحس إلى نور المعنى، ومن ظلمة الكون إلى نور المكوّن،ومن ظلمة الشك إلى نور اليقين،  ومن ظلمة الجهل إلى نور شعاع المعرفة، لأن المعرفة هي أساس الخير كله،  وبين المعرفة والعلم بعد شاسع، فالمعرفة لا تصح إلا بالرؤية البصرية والمعاينة والإدراك بالحواس الظاهرة والباطنة، أما العلم فيكون غالب الأحيان سطحيا، وبالرأي والقياس، والزيادة والنقصان دون الحصر،

 

 لذلك المعرفة هو مسلك عرفاني، تبنى على براهين وحقائق وعلوم يقبلها من كان عقله سليما، وسمعه وبصره صحيحا، فلا زيادة فيها ولا نقصان، ولا وصول إلى هذه المعرفة إلا بالاستدراج والترقي من مرحلة إلى مرحلة، كنمو الطفل في بطن أمه طورا بعد طور، لأن الطفل وهو في أحشاء أمه ، لا يعرف قيمة النور ، ولا حقيقة ذاته إلا بعد خروجه من ظلمة الأحشاء إلى فسيح النور والضياء ، فتدخل جسده الروح ،  فينمو ويكبر ويبلغ سن الرشد ، عندها يعرف انه كان نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ،  ثم عظاما مكسوا لحما كقوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين  ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين "،  

 

 ثم يخرج ليصبح كائنا حيا بعد أن تنفخ به الروح الأزلية ، فيصير روحا وجسدا يطلق عليه أسم إنسان، ثم يعرف قدر جهله وعلمه بالأشياء، فهو بذلك ينتقل من العدم إلى الوجود ، ومن الوهم إلى الحقيقة، ومن ظلمة الجهل إلى نور المعرفة  ،

 

هكذا الإنسان ولد جاهلا ليحتاج إلى العلم ليتخلص من ظلمة الجهل ويصل إلى الحقيقة، لأنه لابد للحقيقة أن يسطع نورها ، وتبهر من كان يجهلها ، فبالحقيقة تدرك الأوهام ، وبنور الشمس تدرك الأشياء التي كانت مخفية في الظلام ،  وحالت العيون من رؤيتها كما هي بالتمام،

 

 لذلك حتى ندرك ما نحن فيه جاءت المعرفة والفلسفة والرسالات السماوية على شكل أمثال تعبيرا عن حقيقة الأشياء ، لتخرجها من ظلام أوهام الجهل ، إلى نور حقائق العقل ، لنتدبر الأمور الحياتية الدينية منها والدنيوية ، الخاصة منها والعامية ،السياسية منها والإدارية ، لأنه لا تدبير بدون حكمة ، ولا حكمة بدون عقل منضبط دارك للأشياء خيرها وشرها ، صلاحها وفسادها ، نفعها وضرها ،

 

 لذلك الأمثال تشكل عنصرا هاما في الموروث الثقافي وتقرب الأشياء إلى الواقع، وعلى هذا استعين بمثل صغير لتوضيح معنى الخروج من الوهم والخيال إلى الحقيقة والواقع ، وهو "أمثولة الكهف " الذي هو من التراث الأفلاطوني  للحكيم أفلاطون منقول عن لسان الفيلسوف سقراط على شكل حوار يكون فيها سقراط  واحد من أطرافها ، والآخر شخص يدعى غلوكون ، ولهذا المثل  شيء مشابه  لسورة الكهف في القران  والله اعلم،

 

 وتروي سورة الكهف أربع قصص قرآنية هي:  قصة أهل الكهف، قصة صاحب الجنتين، قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وقصة ذي القرنين، وقد أخذت السورة اسمها من قصة أصحاب الكهف ، ويربط القصص الواردة في سورة الكهف محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة: فتنة الدين (قصة أهل الكهف)، وفتنة المال (صاحب الجنتين)، وفتنة العلم (موسى مع الخضر)، وفتنة السلطة (ذو القرنين)،

 

لذلك قال تعالى : " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل"، والأمثال جمع مثل، والمثل والمثل والمثيل: كالشبه والشبه والشبيه لفظاً ومعنَى، والمراد به هنا إبراز المعنى في صورة حسية تكسبه روعة وجمالاً.

 

 والأمثال هي لونا من ألوان البيان وأفضله أوجزه وأحكمه وأصدقه وهي ضروب من الأقوال الفنية البليغة المتضمنة للحكم التي عبرت عن أوضاع اجتماعية أو نفسية أو فكرية أو سلوكية، فلذلك كانت أكثر جرياناً على ألسنة الناس، وكانت الأمثال الموجزة كثيرة في كلام الأنبياء والحكماء، وفي الشعر والخطب، يستحضرها القوم في المناسبات والمنتديات والأسواق الأدبية ، واليكم مثل سقراط :

 

سقراط)  لغلوكون) : تخيّل رجالا قبعوا في مسكن تحت الأرض على شكل كهف ، تطل فتحته على النور، ويليها ممر يوصل إلى الكهف . هناك ظل هؤلاء الناس منذ نعومة أظفارهم ، وقد قيدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال ، بحيث لا يستطيعون التحرك من أماكنهم ، و لا رؤية أي شيء سوى ما يقع أمام أنظارهم ، إذ تعوقهم الأغلال عن التلفت حولهم برؤوسهم . و من ورائهم تضيء نار اشتعلت عن بعد في موضع عال ، وبين النار والسجناء طريق مرتفع . ولتتخيل على طول هذا الطريق جدارا صغيرا، مشابها لتلك الحواجز التي نجدها في مسرح العرائس المتحركة، و التي تخفي اللاعبين وهم يعرضون ألعابهم

 .
غلوكون : إني لأتخيل ذلك

.
سقراط:  ولتتصور الآن ، على طول الجدار الصغير، رجالا يحملون شتى أنواع الأدوات الصناعية، التي تعلو على الجدار. وتشمل أشكالا للناس والحيوانات وغيرها، صنعت من الحجر أو الخشب أو غيرها من المواد. و طبيعي أن يكون بين جملة هذه الأشكال من يتكلم ومن لا يقول شيئا.


غلوكون:  إنها حقا لصورة عجيبة، تصف نوعا غريبا من السجناء.


سقراط:  إنهم ليشبهوننا. ذلك أولا لأن السجناء في موقعهم هذا لا يرون من أنفسهم ومن جيرانهم شيئا غير الظلال التي تلقيها النار على الجدار المواجه لهم من الكهف ، أليس كذلك ؟


غلوكون:  وكيف يكون الأمر على خلاف ذلك ما داموا عاجزين طوال حياتهم عن تحريك رؤوسهم ؟


سقراط:  كذلك فإنهم لا يرون من الأشياء التي تمر أمامهم إلا القليل

 .
غلوكون:  بلا جدال

.
سقراط : وعلى ذلك ، فإذا أمكنهم أن

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>