موقع سبيل - بقلم النائب المحامي سعيد نفاع - كانون أول 2010
عُقدت مؤخرا لقاءات جمعت "قيادات درزيّة" على خلفيّة دعوة موُجّهة للعديد من الشخصيّات باسم "اللجنة التحضيريّة للمؤتمر الدرزي" موقعة باسم رئيس مجلس حرفيش ورئيس بيت "الشهيد" الدرزي. على حسب هذه الرسالة فإن مركبات المؤتمر المقترحة هي حسب ما جاءت في الرسالة: "الرئاسة الروحيّة والقضاة وأعضاء المجلس الديني ورؤساء المجالس المحليّة وأعضاء الكنيست والوجهاء عاملي العلوم والثقافة والأدب وأصحاب الأعمال الحرّة وممثلي الجنود المسرحين والعائلة الثكلى والمشوهين". ومهمات هذا المؤتمر تأسيس منتدى من هذه "الهيئات" تحت اسم "منتدى طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل".
تلقيّت الدعوة ولم أشارك ولكني شاركت في نقاش إذاعيّ مطوّل حول الموضوع، وما من شكّ أنه وعلى ضوء فحوى الدعوة وشكلها وما طرح في النقاش تثور مجموعة من الأسئلة:
هل المبادرة جاءت فعلا كما نصّت الدعوة من أجل "رفع موقع طائفتنا من الناحية التنظيميّة والحد من الفوضى القائمة والتي لا تعود بالخير على وجودنا كطائفة عريقة تمكّنت من المحافظة على موقعها منذ مئات السنين"؟!
وهل فعلا ما تعانيه الطائفة من الانحطاط في موقعها التنظيمي والفوضى القائمة ناتج عن عجز ما يسمى "القيادات الدرزيّة" الروحيّة والسياسيّة والهدف من المنتدى استئناف على موقعها؟!
ولماذا تجرّأ الداعون إلى تغييب و/ أو تجاهل الأطر الوطنيّة (لا أعرف إن دُعي غيري وأنا دعيت بحكم موقعي البرلماني وليس موقعي الوطنيّ ولم أشارك)؟!
والأهم من كل ذلك، هل من دور للقوى الوطنيّة في هكذا مؤتمر ؟ أو هل مثل هذا المؤتمر يحتّم عليها التحرّك مجتمعة خصوصا وهي تعرف بحكم تجربتها التاريخيّة أن تحركات شبيهة حدثت بعد كل انطلاقة وطنيّة ميدانيّة هدّدت أو خطّرت سياسة السلطة تجاه العرب الدروز؟!
تحديد هدف الدعوة (رفع موقع...إلخ) هو خطاب واعتراف واضحان بأنّ موقع الطائفة يعاني من انحطاط تنظيميّ وتعمّه الفوضى ولكن ما ينقص هذا التحديد هو: "على من تقع المسئوليّة؟!" رغم التلميح إلى القيادة الدينيّة الموجودة. فكان من الطبيعي أن يثير الأمر حفيظة القيادة الروحيّة وهي التي ترى نفسها العنوان ولذلك دعت إلى اجتماع مسبق لبحث الرسالة، وما زال موقفها من الأمر ضبابيّا وهذا كان بائنا في مداخلة الشيخ موفق طريف في البرنامج الإذاعي رغم محاولاته تورية هذا الموقف.
اللقاء الإذاعي وعلى ضوء ذكاء المقدّم الصحافي رائد ذياب كشف الكثير من المستور، وحدّد الهدف الأساس من هذا المؤتمر وعلى ألسن المشاركين ممّن وراء المبادرة ونستطيع أن نلخصّه بالآتي:
"التمييز اللاحق بالطائفة في شتّى المجالات وعدم الحصول على حقوقها رغم خدمتها وتقديمها الشهداء والمشوهين نابعين عن غياب قيادة، فالدولة ديموقراطيّة عظيمة ونحن علينا أن رفع تنظيمنا والحد من الفوضى السائدة وعندها ستعطينا الدولة أو سنحصّل منها حقوقنا الضائعة، وبطبيعة الحال وإن لم يُقل الكلام صراحة فالمسئول عن ذلك هو المجلس الديني"!
أولا: اعتراف المبادرين بانحطاط موقع الطائفة التنظيمي وبالفوضى القائمة في صفوفها وتبعات ذلك هو بحدّ ذاته ملفت خصوصا وأنه يجيء من مثلهم، فهذا تماما عكس "البحبوحة" التي ادعى طويلا بعض المبادرين أننا نعيشها في الدولة. ولكن المشكلة هي في وجهة أسهم الاتهام التي يطلقونها فما زالت السلطة ومؤسساتها بعيدة عن مرماهم لا بل ليست مرماهم بتاتا فمرماهم هو "القيادات" وهو "الناس" الذين يعمهم الانحطاط التنظيميّ والفوضى ولا يستطيعون تحقيق حقوقهم في هذه الدولة الديموقراطيّة العظيمة – هكذا !.
ثانيا: نحن نعرف كأناس وطنيين على اختلاف مواقعنا الوطنيّة ووراءنا تجربة سنوات مع السلطة والسائرين في ركبها، أن هذا الانحطاط التنظيمي والفوضى نابعين من حقيقة أن المجموعة البشريّة الوحيدة في هذه الدولة التي ما زالت المخابرات تتحكم بحياتها حتى في قضاياها المطلبيّة كميزانيّات المجالس هم العرب الدروز، وبالتالي فالمسئول عن هكذا وضع هي السلطة بكل أذرعها دون الانتقاص من دور من يسهّل عليها المهمة من بين ظهرانينا، والفارق في هذا السياق ليس كبيرا بين المتعاونين معها وبين منضوين تحت شعارات وطنيّة ويخرجون عن الأطر الوطنيّة ويشقّون صفوفها لدواع ذاتيّة ليس إلّا. أن نعزو هذا الانحطاط في المكانة وهذه الفوضى العامّة لسوء في الناس و"قياداتهم" المتوفرة وفقط مبرّئين ساحة السلطة هو في أضعف الإيمان "مناطحة للعجل قصورا عن مناطحة الثور"!.
ثالثا: من واجب القوى الوطنيّة أن تعتقد أن هكذا مؤتمر يجيء حقيقة على خلفيّة تنامي تبنيّ مواقفها لدى شرائح كبيرة من أبناء الطائفة، ولنا بيّنة على ذلك نتائج استطلاع مؤتمر هرتسليّا للشؤون الاستراتيجيّة في دورته الثامنة والدراسة التي أعدها قسم العلوم السياسيّة في جامعة حيفا قبل مدّة، ولكن تبني المواقف ليس بالضرورة ممارسته وليس بالضرورة اقتناعا مبدئيّا بالموقف، وهذا يتطلّب جهدا خاصّا من هذه القوى بشكل عام وبشكل خاص يتطلب منها البت في المشاركة أو عدمها في هذا المؤتمر وفي كلا الحالتين اتخاذ موقف عملي وليس إعلاميّ و_"كفى المؤمنين شرّ القتال"!.
أعتقد وعلى ضوء ذلك أنه من واجب القوى الوطنيّة تيارات وأفراد أن تتعامل مع هكذا مؤتمر حتّى لا تترك "الميدان لحميدان"، وليس بالضرورة المشاركة فيه اللهم إلا قررت غير ذلك بعد تنسيق خصوصا ومن المتوقع أن يشمل فعّاليات كثيرة بينها وبين القوى الوطنيّة لا توجد قطيعة لا بل تواصل في بعض الأمور، وفي كل الحالات يجب عليها أن تضع هذا التحرّك على جدول أعمالها بلقاء مشترك يجمعها تبت فيه في الموقف وفيالتحرك البديل.