بقلم : مرشد ميعاري
لم أفاجأ بإقامة تنظيم أدباء جديد في بلادنا على نفس الدرب التي ابتلانا المولى بتا، تنظيمات "عاشت ميتة". ولا أظن أن تعبير "عاشت ميتة" يحتاج إلى استرسال في الشرح. خاصة وأن التجربة المضحكة المبكية للتنظيمين السابقين، تلاشيا بعد أن ورثنا عنهما لقب "رئيس" الذي صار أهم من التنظيم ومن الثقافة ومن الحياء. والبعض يقول أن للقب أضحت أهمية تراثية فولكلورية تاريخية تليق بحكاية جديدة على نسق حكايات جحا أمير الطفيليين. والله أعلم.
الذي فاجأني وأجبر البسمة على الارتسام فوق شفتي، لم يكن محاولة بعض المتحمسين الشباب، ذوي التجربة الثقافية غير الناضجة، لإقامة تنظيم ثقافي، إنما رسائل التهنئة التي تنمي الوهم. خاصة رسالة الرئيس التاريخي الذي صار الآن رئيسا سابقا (المهم انه كان رئيسا) دون أن يورث الرئاسة لأحد، ربما ليقينه انه كان رئيسا لإتحاد لا وجود له في الواقع، واعني الكاتب محمد علي طه، ولكن الغريب انه لم يشارك، كأضعف الإيمان، لينقل الصولجان الرئاسي، لرئيس التنظيم الجديد، أو ينافس ليعود إلى لقبه التاريخي، ملكا على الناشئين، بعد أن كان متوجا ملكا في الفراغ.
التهنئة الثانية من الشاعر الذي نحبه، سميح القاسم، ولا نفهم دوافعه للتهنئة، إلا عاداته الدمثة، أن يرضي الجميع، حتى بالشهادة للأسود انه أبيض.
ومع ذلك غيابهما هو إشارة استهتار بالتنظيم الجديد. وبقية التهاني لا أهمية لها.
التنظيم الجديد ليس ابن حياة. الإعلان عنه كان مليئا بالأوهام، وتشويه الحقائق. لم تكن مشاورات كما يدعون، وخاصة مع أدباء لهم مكانة مرموقة في ثقافتنا. ولم يشارك أي أديب مرموق. بل لم يعرف الأدباء الجادين عن الطبخة. وكان يكفيني أن أجري عدة اتصالات لأعرف أن الأسماء المرموقة في ثقافتنا، لم تعلم ولم يشاورها أحد، ربما خوفا من فقدان قيادة التنظيم الجديد. أي ما جرى كان عملية خطف.
في الواقع لا أحسد سامي مهنا وأنوار سرحان ، فقد صاموا وافطروا على بصلة، ونفخا بطنيهما هواء مضغوطا، سرعان ما سيجد منفذا لتخفيف الضغط. ولحسن الحظ سيكون التنفيس بحضرة الجنود المجهولين أعضاء التنظيم.
عندما وصلني بيان التأسيس، ظننت أن الحديث عن تأسيس تنظيم فلسطيني، اسم التنظيم لا يحمل هوية المكان، مجرد اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
أين؟
لماذا ظلت "فلسطينيون" بلا هوية المكان؟ هل هو فرع للتنظيم في الضفة الغربية؟ ربما ترانسفير ثقافي بتجاهل اننا من هنا، من داخل إسرائيل؟ نتمسك ببقائنا هنا ونرفض مؤامرات ضمنا إلى الدولة الفلسطينية؟ هناك شعبنا في دولته، ونحن هنا في وطننا. مهما كان أسمة مزعجا للأذن، إلا أن الأرض هي أرضنا، ولن نغادرها إلى أي دولة أخرى.
أعرف أن وطنية البطاطا ترفض استعمال اسم إسرائيل، ويجهدون لإيجاد باقة من البدائل التافهة، وكأن المقياس الوطني يتعلق بما نسمي المكان. بعدها بإمكانك أن تكون جاسوسا على شعبك، المهم لا تلفظ اسم إسرائيل!!
عندما قرأت اسمي سامي مهنا وأنوار سرحان ، وجدت صعوبة في تذكر مضمون ثقافي يربطهما في ذاكرتي، في البداية توهمت إن سامي مهنا هو حسين مهنا الشاعر المبدع من البقيعة، ولكن صديق عزيز صوبني بان سامي من نفس العائلة ولكن الشعر لا ينتمي للعائلات.
بحثت في الانترنت، عن اسمي سامي وأنوار لأتعرف على هويتهما الثقافية التي للأسف أجهلها. ووجدت بعض النصوص. ما قرأته هي كتابات مبتدئين، قد تبشر بالخير، ولكنها لا تتجاوز كونها إرهاصات أولية لم تتبلور إبداعيا. لدى سامي وجدت تقليدا لحسين مهنا، يحاذي النسخ أحيانا. أن يتأثر بشاعر مبدع أمر جيد، ولكن إن ينسخ عنه، جيد في البدايات، ويبدو إن سامي لم يتجاوز البدايات بعد. أنوار عليها النور، مواعظها مملة قد تكون تملك قدرات تعبيرية لم تنجح بتحويلها إلى نصوص قصصية تنجح بأن تتواصل في ذهن القارئ بعد نهاية النص. القصة إلى جانب ذلك ليست موعظة أخلاقية ودينية مباشرة. صحيح انه لقيادة تنظيم هذا غير مهم. المهم اللقب، كما تعلمنا تجربتنا. إلى جانب إن الحديث عن قيادة أشبال ثقافيين. الآن عددهم ستين، عندما يدخلون معترك الحياة والثقافة سيتقلصون إلى ستة، ومنهم ربما واحد يستحق مستقبلا لقب أديب!!
ربما لهذا السبب لم يعلن تنظيم الجنرال سامي والكولونيل أنوار عن أسماء الأعضاء. ولا بد من الإشارة إلى أهم حضور في المؤتمر التأسيسي. وأقصد شيخ النقاد العرب في إسرائيل، الدكتور بطرس دلة، الذي له في كل عرس قرص. فقام مشكورا بدور الاشبين لتأهيل سامي وأنوار. ولا بد أن هذا يغطي على فراغ التنظيم من الكتاب والشعراء المعروفين. وبالطبع من حق القائدين أن لا يوجد في تنظيمهما من يتجاوزهما إبداعا أدبيا.
قبل النهاية.
هناك ضرورة ملحة لقيام تنظيم أدباء، له مضمون نقابي، وثقافي وفكري، أكثر عمقا ومسؤولية من الطرح الذي حمله الخبر عن إقامة هذا الجسم بطريقة الخطف والو لدنة.
لا بد من صياغة دستور لتنظيم يحدد كل ما يتعلق بإدارة تنظيم ثقافي ، وطرق انتخاب هيئات التنظيم ومسؤولياتها، أهداف التنظيم وبرامجه وتطلعاته وقدراته على تجنيد الأموال لنشاطه، وليس أن يكون مستأجرا لهيئة لها مصلحة سياسية في تسمية تنظيم ، حتى لو كان مجرد اسما ، كما كان الرئيس السابق رئيسا اسميا للا شيء!!
موضوع تنظيم ثقافي أكثر عمقا من الطرح السطحي في بيان الجنرال والكولونيل. وجود الأسماء ذات المكانة الأدبية أهم من الميل الشخصي للتزعم.
رجاء مع من تشاورتم؟
ما هو دستور التنظيم ؟ ما هي مشاريعه المسجلة المدروسة؟
كيف تفكرون بالنشاط وما هو سلم أولوياتكم؟
لا نريد جنرالات، لدينا الكثير من هذه البضاعة.
لعبتكما يا سامي ويا أنوار سيئة ثقافيا وأخشى أنها سيئة سياسيا أيضا.
المشكلة ليس بجمع ستين اسما.. قد لا يبرز منهم أخيرا إلا اسم واحد ...
ربما لا بد أن نميزكم بإضافة صفة:"تنظيم هواة" لأسم تنظيمكم!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرشد ميعاري – مهندس ومثقف فلسطيني مقيم في بلجيكا