صفيق الزاحل. هذا هو اسمه المدون في سجل النفوس . أمّا كيف غلب عليه لقب ( ضبوع ) فهو نفسه لا يعرف تماما، سوى طرطوشة كلام ظلت عالقة في ذهنه من ايام الطفولة ، مفادها انه كان يغدر باصدقائه الصغار . كما غدرت الضبع بالإعرابي الذي أجارها، الحكاية الشعبية المعروفة .
فرص كثيرة فتحت أمامه ليغيّر أخلاقه وسلوكه ويصبح مقبولا في قريته . لكن لدناءة في طبعه ظل يحترف كل
الصفات القبيحة , من كذب نميمة تزوير سرقة وتحرش بالنساء . فصاروا يضربون به المثل حين يجري الحديث عن قرف ما ,
أو فعل مشين .
ويقفز هذا الضبوع من عمل لآخر , كثير النط قليل الصيد . حتى استقر في تجارة صغيرة تختص بالهريسة والحلاوة بجوز . فتحسنت ظروفه المادية وأخذ يرتدي أفضل الملابس ويمشي متطاوسا , بينما نظراته السمجة تثقب المارقات .
تسكره الصدور المكتنزة والشفاه المنفوخة بالسيلكون , والأكثر فتنة العذارى الناهدات في بناطيل الجينس المحبوكة على أجسادهن الرشيقة , كتلك التماثيل الجميلة في معبد الملكة حتشبوت . يتمنى لو كلهن عشيقاته وجواريه , فيصبح دون جوان بحق وحقيق .
لكن الفشل يلازمه كالقدر العنيد . فيضيق صدره ويعلل ذلك لسوء طالعه أولا , ثم لسمعته الموسومة بألف علامة استنكار . وإلا لماذا هذا الجحود من بنات حواء ؟! لماذا قذفته الست شهلولة بالحذاء الأورتبيد , بالرغم من أنه أغراها بالكثير من الهريسة والتودد . ولماذا لوت بوزها أرملة المرحوم عزوز الأعرج حين غمزها بعينه البيضاء كعين النعجة في المرعى !
لا ضير من مصارحة صديقه برهوم مما يعانيه من صد النساء , وقد ولع بهن وإيما ولع . وكان ذلك الصديق خبيثا ماكرا فزعم أن الإناث تعشق الشارب الضخم الكبير يضفي على الوجه هيبة لا بد منها في عملية الصيد ..
ـــ أظن كلامك فيه روح , لكن شعري كسول النمو كما تعلم , فماذا أفعل ؟
ـــ عليك ببول الحمير , والأتان أفضل بكثير, مجرب صحيح .
إستبشر بهذا الخير وراح يجد في الطلب . لكن مشكلة واجهته , فكل الحمير التي حظي بمشاهدتها كانت من صنف الذكور . ومع ذلك لم ييأس , من طلب العلا سهر الليالي . وظل يبحث حتى فتحت طاقة الفرج , حمارة عند فلاح في طرف القرية . لكن غير منطقي أن يطلب من مالكها حاجته , قد يفضحه . إذن ليراقبه حتى يخرج فيتسلل الى الحوش ..
اقترب منها بحذر وراح يمسح على ظهرها بتودد . لم تبد ممانعة , لوت رقبتها ناحيته وعادت تلتهم القش . خيّل إليه وكأنها ترحب بقدومه . اغتبط .. الشغلة ميسرة ع النوايا . أحس بفرح بوهيمي . ليتك من سلالة البشر . قال بصوت خفيض .
أنزل يده الى عجيزتها تحت الذيل مباشرة وصار يلاطفها ويرجو لو تبول للحظتها , كي ينجز المهمة في وعاء أحضره لهذا الغرض . لكن الأتان لم ترتح لهذه المداعبة غير المتوقعة , واعتبرت المسألة وقاحة وتمهيدا للتناسل اللا مشروع ! وهذه إهانة لن تسكت عليها ., رفعت رأسها ونهقت نهقة عظيمة وكأنها تصرخ : واه مغتصباه ! . ثم وبملح البصر رشقته حافرا محكما أعقبته بطلق ناري .
أذهلته المباغتة وصاح : آخ يا بطني , مزعتني السايبة !
وعاد إدراجه يشكو الألم , ويلعن جنس الدواب لا سيما الشرسة .
وأخيرا وفق الى مادة من الصيدلية تسرع في نمو الشعر . وبعد سنة كبيسة كان يمتلك شاربا كبيرا يميل الى الأسفل , وقد برزت تحته ابتسامة مراوغة لو قيست بمنظور علم النفس لأفصحت أن صاحبها يخفي غير ما يظهر .
وأخذ ضبوعنا يظهر بهذه الصورة في الجرائد والمواقع الإلكترونية , هوايته الثانية بعد النساء . يخربش ويطبخ , مقال رواية تعقيب مسرح . لا يهم المستوى وإن كان زفتا . وبالنسبة للغة التي يجهلها , فقد تعهد له معلم متقاعد أن يقوم بهذه المهمة مقابل مبلغ من المال عن كل طبخة .
وإذ نعود الى سيرته مع الجنس اللطيف ــ والقادم أكثر تشويقا ــ فإن هذا الشارب الكبير الذي بناه شعرة شعرة , وسهر على صقله وتهذيبه , لم يف بالغرض , لم يجذب الجميلات , اللهم سوى واحدة اعتقد أنها تتأمله . لكنه فطن أنها حولاء ..
أمتلأ ضبوع إحباطا وغيضا وقرر أن يعوض حرمانه في مكان آخر , أن يرمي بنفسه حيث ألقت رحلها أم قشعم .ها هي مدينة حيفا البحرية في اسفل الكرمل تناديه . وهناك العاهرات على قفا من يشيل . مقابل بعض النقود سيحصل على الكثير من الأفخاذ والأثداء فيولغ ويرتوي . وأخذ يغزو منطقة الهَدار وشارع الملوك فيصول ويجول مع كل صنف ولون .
ومع مرور الأيام بدأ يحس بوهن في قواه الجنسية . فنصحه أحد الفاسقين من نمرته أن يتناول الثوم نيئا كل مساء . وأخذت زوجته الطيبة تتضايق . لقد تجرعت خيانته وطبعه النزق ردحا طويلا غُلب وستيرة ولا غلب وفضيحة . لكن أن تتجشم رائحة سرواله الكريهة كل ليل ثقيل الكواكب ! فهي أصلا لا تطيق الثوم مطبوخا ومبهرا , فكم بالحري أن يتسلل الى أنفها حادا زخما من مؤخرة عريضة لا تقيم وزنا للتفاهم السريري !.
رفعت الغطاء ونهضت متجهة الى الصالون , امرأة معذبة صابرة , جمالها قد ذوى قبل ميعاده , وثمة حزن مترسب في عينيها الواسعتين . تطلعت من خلف زجاج النافذة . الغَبش كئيب متجهم ينذر بمصيبة ما . وأشجار السرو المتطاولة كالعمالقة السمر تبدو مخيفة , تزيد من قلق وتوتر الزوجة . برودة تسري في جسدها . جلست على كرسي الخيزران مهمومة تفكر بالمستقبل الغامض . تتصور مرضا فتاكا يطرق الباب مصدره هذا الزوج الفاسد بمعاشرته للقذرات ! . لم تعد تحتمل هذا الذل وهذا القهر . آن الآوان
كي تنفذ القرار الذي اتخذته , ستهجر البيت مع صغارها . أجل ستنفذ قرارها دون تردد . العقدة المستعصية أخيرا الى حل . تحرك الأمل بداخلها , أحست بأجنحته الرهيفة تلامس أطراف فؤادها المرهق , سويعات قليلة ويشق القرص الأزلي الجميل الفجاج المستكينة , ستضم فراخها الى كبدها وترحل غير آسفة على موضع ذاقت فيه السم والعلقم .
لم يكن خلو البيت من الزوجة والأولاد ليردعه عن الزانيات , خاصة إزيلا توف تلك الروسية الشقراء التي تعجبه أكثر من غيرها , وقد تعلق قلبه بها . لمحت له ذات مرة بأنها تشتهي لسانه ... فنتازيا ..
ــ بكل سرور إزيلا توف حياتي , يا شقفة حلاوة بجوز .
ــ شكرا ضبوعي .
وفي غفلة من أيامه المشبعة بالمحرمات تظهر بثورات غريبة حول فمه وأماكن أخرى في جسمه , كذلك حالات صحية محيرة !
فحوصات وتحاليل ونتيجة مأساوية نزلت على رأسه كمطرقة من الوزن الثقيل . الإيدز . أجل الإيدز حقيقة مرعبة جعلت الدنيا في وجهه سوداء كغراب , مقفرة خاوية كقبر مومياء نقلت الى متحف . تمور الأرض تحته , آلة صماء تفتت أعصابه , تصعد جزيئات الكارثة الى جمجمته : إذن هذه هي نهايتك يا ضبوع , هذا هو الشقاء الأكثر جزعا في دنياك : يا رب السماوات والأرض , يا سيدي
بوفقوس المبارك , يا كل الأدعية المستجابة , أليس هناك من معجزة تنقذني من هذا البلاء .
رفع نظره الى الأعلى , غيوم داكنة تغشى السماء , لا خيط شمس , لا طير يخفق , ولا بارقة بحجم بؤبؤ العين أو حبة خردل .
بلاط الطريق يشد بقدميه ويثقل خطواته وكأن الجاذبية تضاعفت في هذه البقعة , ملابسه الشتوية تصبح أكثر وزنا . وأخيرا يصل الى بيته الصامت الموحش . تطالعه صورة زوجته وأولاده داخل إطار زيتي غامق . يتنهد بحسرة وينهار على الكنبة المغبرة مخذولا يائسا . ميسم ناري يخترق أضلاعه , قبضة فولاذية تشد على روحه , الهواء حوله يتعفن , سلك اللامبة المتدلية يتخذ هيأة مشنقة, أرجل الكراسي تتحول الى أجسام تشبه الأفاعي , الحيطان تغيّر لونها تتحرك تتقلص وتأخذ بالإقتراب من بعضها فتكاد تعصره . نكس رأسه مهزوما محطما, وتزامنت دموعه الساخنة مع هطول المطر غزيرا حادا. وانطوت آخر ورقة من ايام بائع الهريسة.
اذا طابقت أحداث / اوصاف هذه القصة أحد الأشخاص فهذا محض الصدفة.